رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العرب.. وجهة نظر يابانية

هذا عنوان كتاب لمؤلف ياباني اسمه "نوبواكي نوتو هارا" من منشورات دار الجمل 2003 بألمانيا، 128 صفحة. يتكون من 10 فصول ومدخل وخاتمة. 
تعودنا على معرفة وجهة نظر الرحالة الأوروبيين في مصر والدول العربية، من خلال ما دونوه وكتبوه ونشروه في أعقاب أسفارهم وزياراتهم لبلادنا. ولكن تلك هي المرة الأولى التي نسمع وجهة نظر اليابانيين فينا.
الكتاب يتحدث عن مصر في فترة السبعينيات، حيث حصل الكاتب على منحه من الحكومة المصرية عام 1974 للدراسة كطالب مستمع في جامعة القاهرة، كانت القاهرة تجربته الأولى، ثم باشر قراءة الأدب العربي، فقرأ رواية الأرض لعبدالرحمن الشرقاوي، وحاول أن يعرف أكثر عن مجتمع الأرياف، فسافر للشرقية وتعرف على حياة الفلاحين في قرية الصحافة وعاداتهم وتقاليدهم، ثم قرأ لجمال حمدان، وأعطاه المفكر المصري إجابات كثيرة عن الأسئلة التي راودته من خلال كتابه الشهير "شخصية مصر"، وقرأ ليوسف إدريس وصنع الله إبراهيم ويحيى الطاهر عبدالله وحسين فوزي ويحيى حقي الذي لفت انتباهه بقوة ناحية الصعيد، وقابل كتابًا وصحفيين وفنانين ومؤرخين، وعاش معهم فترة مثمرة لا ينساها مدى الحياة، ومنهم محيي الدين لباد ورءوف عباس وعدلي رزق الله ويوسف الشريف ونبيل التاج والرسام حجازي والفنانة السورية شلبية إبراهيم وغيرهم.
ترجم إلى العربية رواية الأرض للشرقاوي وأرخص ليالي والحرام والعسكري الأسود ليوسف إدريس وتلك الرائحة لصنع الله إبراهيم. 
ويقول إنه يريد أن ينقل أفضل الإنتاج القصصي العربي إلى القارئ الياباني، حسب موقفه واهتماماته، ويعتبرها مسئوليته تجاه نفسه وتجاه الآخرين.
ويقول إنه في اليابان لا توجد رقابة، ولكن بعض الألفاظ العربية تعتبر إهانة في عرف اليابانيين، إذا كُتبها تعتبر إهانة وشتيمة، مثلما حدث عندما قام بترجمة قصة يوسف إدريس بيت من لحم، طلب منه الناشر أن يغير كلمة أعمى، لأن بطل القصة شيخ أعمى، لأنها تعتبر مؤذية للمشاعر عندهم.
وقال إنه لا توجد رقابة عندهم في الموضوعات الدينية، ولكن ليست لديهم الحرية الكاملة للكتابة عن الإمبراطور، ولا يدخل الكاتب الياباني السجن بسبب ما يكتب أو مهاجمة السلطات، ويدخل السجن في حالة واحدة فقط، إذا سرق إنتاج غيره. 
يقول الكاتب إنه بعد أن عاد إلى بلاده اليابان فقد اهتمامه فجأة بثقافة المدن، أي ثقافة المستقرين، وقال إن اليابان اهتمت بالطاقة النووية ولم تسيطر عليها، لأجل هذا فقد اهتمامه بثقافة المدن ومن بينها الثقافة المصرية، وأوقف كل جهوده في هذا الاتجاه. لكنه بعد فترة سافر لبعض الدول العربية حيث توجد البداوة والبادية والقرى، التي لا توجد في اليابان. فسافر لحضرموت واليمن والبادية في سوريا عام 1980، كان يبحث عن معنى مختلف للثقافة عما هو موجود في اليابان ومصر.
يحاول الكاتب أن يطرح سؤالًا من خلال صفحات الكتاب وهو كيف يفكر العرب في المستقبل؟.
ويقول إن هناك مشكلة لا بد أن تحل لكي يتمكن العرب من العمل على حل معضلات المستقبل، ومنها مشكلة القمع أو الظلم، لأنه مرض عضال ومشكلة أساسية في المجتمع العربي، وعندما يتعرض شخص خارج الوطن العربي لهذه المشكلة، فإنه يعالجها بصورة خفيفة تشبه المزاح، ونحن نعرف كثيرًا من الضحايا في الوطن العربي، وفي رأي الكاتب أنه لا توجد خطوة عادلة تتجنب موضوع القمع بسبب حرية الرأي. 
يطرح الكتاب بعض الموضوعات التي يمكن أن نستخلص منها أن العرب متدينون جدًا، وفاسدون جدًا، ويتظاهرون بالتدين وحكوماتهم تتظاهر بالتدين مثلهم، ولا تعامل الناس بجدية، بل تسخر منهم وتضحك عليهم.  
ويقول إن هناك شعورًا بالاختناق والتوتر في المجتمع العربي والمصري، وهو سمة عامة للمجتمعات العربية. التوتر الشديد والنظرات العدوانية التي تملأ الشوارع. ويقول إنه لكي نفهم سلوك الإنسان العربي العادي، علينا أن ننتبه دومًا لمفهومي الحلال والحرام. ربما نسي الكاتب أن مصر في تلك الفترة كانت تعاني من الآثار الاقتصادية للحروب التي خاضتها، وكانت لا تزال تحصل على السلع الأساسية من خلال الطوابير الطويلة التي أصابتهم بالتجهم والتوتر في تلك الفترة. 
قضى الكاتب حوالي أربعين سنة باحثًا في اللغة العربية وآدابها. عاش مدة في مصر ومدة أخرى في سوريا وقد عاش في المدينة والريف والبادية. قضى تسعة عشر عامًا مركزًا على ثقافة البدو في المجتمعات العربية. وفي كتابه هذا يتطرق إلى بعض مشاهداته مع تحليلاته الشخصية عن المجتمع العربي من وجهة نظره كياباني.
ويقول الكاتب إنه يتمنى أن يمشي في الشوارع العربية فلا يرى توترًا شديدًا كالذي جربه وشاهده، يتمنى أن يختفي التوتر من الشارع وأن تصبح وجوه الناس سعيدة، عندئذ يمكنه أن يتحدث عن مصر حقيقية وسورية حقيقية وغيرهما من الدول العربية.
باختصار يقول الكاتب نوبواكي نوتوهارا إنه يخاطب بكتابه هذا القارئ العربي ليعطي رأيًا في بعض المسائل كما رآها من الخارج كأي أجنبي عاش في البلدان العربية، وقرأ الأدب العربي، واهتم بالحياة اليومية في المدينة والريف والبادية.