رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منى الجبريني: الكتابة تشبه التطهر.. والمرأة بشكل عام تعشق الحكايات

الكاتبة منى الجبريني
الكاتبة منى الجبريني

منى السيد أحمد الجبريني، أو منى الجبريني، كاتبة روائية وقاصة ولدت بمدينة بورسعيد، فكان الساحل وثقافة المتوسط وهدر وصخب الموج هو المحفز الأول على تقليب الأفكار الفلسفية.

 قدمت الجبريني أكثر من سبعة أعمال مابين القصة والرواية، وكان لدراستها للغة الإنجليزية بكلية الآداب الدافع لتفسيرات وتأويلات عدة، فيما يخص دوافع الكتابة وغيرها التقت الدستور الكاتبة منى الجبريني وكان هذا الحوار.. 

صورة ل غلاف المجموعة القصصية شيء ما ينكسر. للكاتبة منى الجربيني.

 

لماذا كانت كل هذه الغيبة عن الكتابة خاصة أن هذا العمل" شيء ما ينكسر، استمرت كتابته لأربع سنوات ؟ 

لم تغادرني الكتابة قط خلال السنوات الماضية، لكنني أخذت هدنةً من النشر، لإعادة تقييم تجربتي في الكتابة، رواياتي السابقة، موضوعاتي، كما انشغلت بكتابة رواية " دائرة الهوس "، في نفس الوقت أدى ذلك إلى تقسيم مجهودي بين العملين، لم أخطط لذلك الأمر وقتها، لكن الأفكار تداعت بشكل مستمر، مما دفعني لكتابة العملين معًا، و يشاء القدر أن يخرج العملان إلى النور في نفس العام . 

ــ عن تلك الأبعاد النفسية و الاجتماعية في غالبية أعمالك.. كيف جاء هذا الشكل من السرد ؟ 

اهتمامي بالنفس البشرية يرجع إلى سن الطفولة، حيث أذهلتني تركيبة الشخصيات في مسرحيات " ماكبث " و " هاملت " ، ثم ازداد ولعي بتفسير دوافع البشر أثناء قراءتي لأعمال إدجار آلان بو وغيرهم من الأدباء العرب و العالميين، أمثال نجيب محفوظ و يوسف إدريس . 

طوال الوقت أحاول البحث عن مبررات و دوافع السلوك الإنساني، بالإضافة إلى قراءاتي في نظريات علم النفس والفلسفة، كل تلك العوامل اتجهت بي نحو الاهتمام بالنفس البشرية، من خلال رواياتي و أعمالي القصصية، على الرغم من تنوعها ما بين الفانتازيا “اسطورة الفرعون الأخير” و الطابع الاجتماعي النفسي مثل “ احتراق” و “ نيران مقدسة ” ، ثم مزج الواقع بالخيال العلمي في “ دائرة الهوس” كذلك مجموعتي القصصية “ شيء ما ينكسر” التي تتنوع فيها القصص بين الواقعية المفرطة والفانتازيا والواقعية السحرية . 

هل الطبيعة النسوية لها دافع فيما يخص مسألة البوح أو انعدامه.. في سرد الأنثى/ المرأة تحديدًا؟ 

ـــ المرأة بشكل عام تعشق الحكايات، في جلساتها مع الصديقات تتبادل النساء القصص و الحكايات، وبأدق التفاصيل وأكثرها غرابةً، لكن هناك بعض الحكايات لا نستطيع أن نفضي بها إلى الآخرين، عندئذٍ نجد في الكتابة ملاذًا لكل الحكايات والأفكار والمشاعر التي تجول بعقولنا، قد تختلف القضايا التي تناقشها كتاباتنا، لكنها تنبع في النهاية من اهتمامنا بالعلاقات الاجتماعية و خبايا النفس البشرية، طموحاتنا و مخاوفنا .. جميعها تنساب فوق السطور . 

بعد خمسة أعمال حملت الكثير من الرؤى النفسية.. و تلك الوجودية المرتبطة بالمعيشي والحياتي و اليومي.. ليتكِ تُحدّثينا عن دوافعك للكتابة؟ 

تطورت دوافعي للكتابة بمرور الوقت، حيث بدأت الحكايات تنساب فوق السطور، منذ كنت في التاسعة من عمري . وقتها اتخذت الكتابة طابع الهواية، وذلك تزجيةً للوقت، أو ملاذًا آمنًا من الوحدة والملل، ثم انطلقت الكتابة بي إلى عوالم الخيال و المغامرات، لكنني حين اتخذت من الكتابة طابعًا احترافيًا، تغيرت الأمور، صارت القصص و الروايات تنبع من رغبتي في التعبير عن المجتمع، مخاوف الناس و أحلامهم، في شتى أرجاء العالم . 

عن عزلة المرأة و كذلك تلك المشاعر العاطفية أو الأحلام في التحقق.. هل لكل هذه الإشكاليات دورًا ما في الحياة الواقعية للكاتبة منى ؟ 

الحياة الواقعية تختلف كثيرًا عن كتاباتي، وعن تجارب شخصياتي المتعددة، لكن أستعير أحيانًا بعض المشاعر، الأفكار والأحلام الخاصة بي، لأدمجها بشخصيات أعمالي، فلا يستطيع القارئ تخمين أيهما واقعي و أيهما مُتخيل، مُعظم شخصياتي تحمل طموحات عالية، تسعى نحو تحقيق ذاتها، من خلال مواهبها،  البعض الآخر يُعاني من الوحدة و العُزلة المفرطة، و بالتأكيد لا يُعبّرون جميعهم عن شخصيتي، أو واقعي الخاص. 

 ما هي حدود سرديات البوح الواقعي، فيما يخص أعمالك الروائية و القصصية ؟ 

تختلف سرديات البوح حسب طبيعة كل عمل، فالروايات تمنحني مساحة أكبر للتعبير عن المشاعر و التناقضات البشرية المُختلفة، بينما تعتمد أعمالي القصصية على الخيال و الغوص في أعماق النفس البشرية، باستخدام التكثيف و قراءة ما بين السطور، كي يصل القارئ إلى التأويل المُناسب للنص . 

ليتكِ تُحدّثينا عن الحدود بين الواقع و الخيال فيما يخص هموم الكاتب و أشكال الكتابة ؟ 

يعتمد الكاتب - غالبًا- على الخيال في كتاباته، و ينتقي من الواقع ما يخدم فكرة العمل الرئيسية، أو يناسب تركيبة شخصيات العمل الأدبي، كل كاتب ينتقي من أساليب الكتابة و تقنياتها، حسب تفضيلاته في الكتابة، بالنسبة لي أفضل التجريب في الأشكال السردية، أحاول أن أتحدى نفسي بتجربة تقنيات جديدة و اختيار موضوعات لم يتم التطرق إليها، بشكل يُشبع نهمي للقراءة و الكتابة . 

تتشابه أحيانًا الموضوعات، التي يتناولها الأدباء، لكن نختلف في طريقة تناول الموضوع، واستخدامنا للغة و توظيف الخيال من عدمه، في النص . 

من كان السبب المباشر أو الدافع لاحترافك الكتابة الأدبية  سواء الرواية أو القصة القصيرة ؟ 

يعود الفضل إلى والدي ووالدتي، صديقتي هايدي، في تشجيعي للاستمرار في الكتابة، والاتجاه إلى النشر، كما حاليًا أحظى بتشجيع زوجي العزيز، الذين يمنحونني جميعهم الدعم و الحافز للكتابة و تحقيق أحلامي . 

صورة تجمع الكاتبة منى الجربيني بالكاتب الروائي سامح الجباس.

في ظل الحروب عبر الهوية و التاريخ و الجغرافيا.. كيف ترى الكاتبة منى الجبريني مُستقبل الكتابة و الفن ؟ 

تمر المنطقة العربية حاليًا بمرحلة تغير ثقافي واضح، ما بين ازدهار و تدهور في بعض المناطق، لكن الكتابة والفن بشكل عام يظلان ضمير الأمم، القوة الناعمة، القادرة على رفع الوعي الثقافي للمجتمعات، وعلى الرغم من تطور التكنولوجيا الحديثة، بشكل متسارع، ستظل الفنون والكتابة أحد عوامل التأثير في الوعي الجمعي، بل وقد تأخذ أشكالًا متطورة، تتناسب مع المرحلة القادمة . 

تزداد أهمية الفن و الكتابة كمادة تأريخية، للحفاظ على هوية المجتمعات، في ظل الاتجاه إلى العولمة الجديدة، و التأكيد على تفرد كل مجتمعٍ بثقافته الخاصة . 

 عن الحركة الثقافية في مدينة بورسعيد و الأنشطة الثقافية.. كيف ترينها ؟ 

تشهد بورسعيد حاليًا حراكًا ثقافيًا ملحوظًا، حيث ازدادت الصالونات الأدبية، بالإضافة إلى قصر الثقافة والمراكز الثقافية الجاذبة لعدد من الموهوبين ، مما جعلنا نشهد ظهور مبدعين في شتى المجالات.

 بورسعيد أيضًا حافلة بالعديد من الأدباء والمواهب الصاعدة، حيث يتفرد كل مبدعٍ بأسلوبه الخاص وطبيعة كتاباته، التي تميزه عن أقرانه و سابقيه من المبدعين، مع ذلك تحتاج بورسعيد إلى ورش إبداعية، لاكتشاف مواهب الشباب وتطويرها، بشكل يتواكب مع تغيرات العصر. 

هذا ما أسعى إليه حاليًا، من خلال صالون الحكاية الثقافي، الذي قمت بتأسيسه مع أستاذة الشيماء الصلاحي، تحت رعاية نقيب المُعلمين ، أستاذ علي الألفي .

الكاتبة منى الجربيني تتصفح أحد أعمالها الابداعية.

ماذا تُمثّل مدينة بورسعيد لمنى الجبريني  كإنسانة و كاتبة ؟ 

بورسعيد بالنسبة لي كإنسانة، هي الذكريات والعمر الجميل، موطن أحلامي و سكينتي، هي العشق في أبهى صوره، أما بالنسبة لي ككاتبة فالمدينة مادة خصبة لكتاباتي، حيث تحفل قصصي ورواياتي بالكثير من تاريخ المدينة، أحلامها، وطموحاتها . 

عن مفاهيم الجدوى من الكتابة و الفن.. كيف ترىن مفاهيم الخلاص و هل ينتهي مفهوم الكاتب للخلاص مع انتهائه من كتابة النص/ الحُلم ؟ 

عملية الكتابة أشبه بالتطهر، رحلة إلى الخلاص والسلام النفسي، تتوقف مؤقتًا مع الانتهاء من كتابة كل نص، ثم تتجدد الرحلة مع النص الجديد. 

حتى الآن لم أصل إلى النص الحُلم، لا تزال طموحاتي في الكتابة مستمرة، و لا أظن أن النص الفارق يُمثّل نهاية رحلة الخلاص، بل إن الكتابة في حد ذاتها النور و الخلاص الذي نبحث عنه . 

بورتريه للكاتبة الروائية والقاصة منى الجبريني.