رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حاتم الجوهرى: صناعة النشر فى حالة ارتباك بسبب غياب المشاريع والكتب الجادة

دكتور حاتم الجوهري
دكتور حاتم الجوهري

ما بين أول الكتب المنشورة وصولا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبات ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضًا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء فيما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتى حقوق الملكية الفكرية وغيرها. 

في سلسلة حوارات تقدمها الــ"الدستور" يحكي الكتاب تجاربهم مع عالم النشر، إذ يحدثتا الباحث دكتور حاتم الجوهري، أستاذ الدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية عن تجربته، والذي سبق وصدرت له مؤلفات: "دفاعًا عن القدس وهوية الذات العربية"، "فلسفة إرادة التنوع وتفكيك التناقضات"، "سيكولوجية الصراع السياسي"، "نبوءة خراب الصهيونية"، "المصريون بين التكيف والثورة"، "تأملات في المسألة اليهودية" ترجمة، "الطازجون مهما حدث" ديوان شعري، "الصمود: الصورة غير النمطية للعربي في الأدب الصهيوني" وغيرها.

وإلى نص الحوار:

ــ ما الصعوبات التي صادفتك في طريق نشر كتابك الأول؟

  • الحقيقة كانت رغبة البعض في تغيير وتحرير محتوى الكتاب ليتفق مع تصوراته الثقافية، ورفضت ذلك رفضًا قاطعًا، واخترت أن أنشره في دار نشر صغيرة نسبيًا، والمفارقة أنه تفوق وحقق جائزة ساويرس في النقد الأدبي في دورتها الأولى 2014، وأعادت هيئة قصور الثقافة طباعته بعدها، وهو كتاب "خرافة الأدب الصهيوني التقدمي".

 

ــ ما المشاكل التي واجهتها بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية؟

  • امتناع دور النشر الغربية عن منح حقوق الترجمة في بعض الكتب بعينها، بل وإخفاء بعض الكتب كذلك، لي أكثر من أربع سنوات تقريبًا أطارد أحد الكتب ما بين أوروبا وأمريكا دون جدوى، مرة غير موجود، ومرة بعد الشراء يرسلون كتابًا غيره، لكن لا يأس مع الحياة.

 

ــ كيف تواجه هذه المشكلات مع الناشر أو النشر عمومًا؟ وما أصعب موقف تعرضت له؟

أصعب موقف يأتي من محاولات الضرب تحت الحزام، وكان في ديواني الشعري "الطازجون مهما حدث"، حيث فوجئت بتغيير بعض الكلمات، وظهور بعض الأخطاء اللغوية الساذجة في صفحاته، إضافة إلى غلافه وعدم تعبيره عن المحتوى بداخل الديوان، لكن الحياة تستمر ودائمًا ما يجد الإبداع طريقه للوجود، وأحرص على العمل بهدوء ودائما ما أتفادى المشاكل أو أتجنبها، ولا أضعها في قاموسي العملي من الأساس، الباحث أو المبدع الجاد دائمًا لديه ما يعمل عليه ويشغله، فلا وقت لديه ليضيعه، فلم لا أقابل ما يمكن تسميته بـ"المشاكل"، ربما الشللية في بعض المؤسسات ومحاولات استغلال النشر لبناء شبكات للنفوذ، لكنني عادة ما أتجاوز الصغائر وأنسى الأمر وأركز على مشروعي، وأدفع بالكتاب بعيدا عن محاولات البعض بناء شبكات للنفوذ الشخصي دون قوة ثقافية ناعمة حقيقية يملكها.

 

ــ هل سبق ووصلت خلافاتك مع ناشر ما إلى ساحات المحاكم؟

  • بالطبع لا، أنا لا أجد وقتًا كافيًا للعمل على أبحاثي ومشاريعي الثقافية والإبداعية، فكيف أجد وقت فراغ ليصل أمر ما إلى ساحة المحاكم! هناك دائما تكلفة للفرصة البديلة، الوقت الذي تذهبين فيه لمعركة جانبية أيًا كانت، هناك بديل وفرصة ممكنة لتوظيفه في عمل شيء أهم وأكثر نفعا، خاصة حينما يكون الإنسان مشغولًا بمشروع ثقافي يبحث فيه عن استعادة الذات الجماعية التي ينتمي إليها، ويبحث عن سبل الدفاع عنها على كل المستويات، لذا دائمًا ما أفضل المضي قدما والتجاوز على التوقف أمام الصغائر أوما يسمى بـ"المشكلات".

 

ــ هل قمت يوما بسداد كلفة نشر كتاب لك؟

لم يحدث بالطبع، وأرى أن هذه الظاهرة متعددة الأسباب والدوافع، لكنها مؤشر سيئ للغاية، تدل على تراجع دور النشر ذات المنظومة المتكاملة، دار النشر والتوزيع التي تعرف عملها جيدًا تستطيع أن تحقق عائدًا جيدًا للغاية من تسويق الكتاب، لكنها بداية يجب أن يكون لديها رؤية لما تريد نشره أو سياسة عامة ومنظومة فاعلة للتوزيع، لجوء بعض دور النشر للمؤلفين لتمويل إصدار كتبهم يدل على أنها ليست دار نشر كاملة المهنية، إنما دخلاء على مهنة ليست مهنتهم، بعضهم عن عجز وبعضهم عن طمع، ولن أتحدث عن هذا الصنف الأخير كي لا أزعج البعض ودوائر علاقاته داخل مصر وخارجها.

ــ ما الذي حلمت به لكتاب من كتبك ولم يتحقق وتأمل أن تتداركه مع مؤلف جديد؟

  • ديواني الشعري الأول كنت أحلم بأن يصدر بازدواج لغوي، مترجمًا إلى اللغة الإنجليزية وأن أقوم بترجمته بنفسي، لكن لم تتح الظروف المواتية لذلك لا على المستوى الشخصي ولا العام، وربما ظروف الانشغال المستمر التي أخذتني كثيرًا من الشعر، لكن يظل الشعر هو مركز النسق الثقافي والقوة الكامنة عند حاتم الجوهري.

 

ــ في رأيك صناعة النشر في تقدم أم تراجع؟

  • هي في حالة ارتباك، بسبب غياب المشاريع والكتب الثقافية الجادة، وبسبب غياب دور "صانع السوق" الذي يجب أن يرتبط بسياسة ثقافية رافعة، وفي ظل لحظة ارتباك تاريخية عامة فإن الذي يمكن له أن ينجح في سوق النشر، هو من يملك سياسة ثقافية واضحة خاصة به تمكنه من الاختيار الجيد، ويستطيع أن يتحرك وفق رؤية مستقبلية تضع الأشياء في انتظام جوار بعضها.

 

 

- ما رأيك عمومًا في صناعة النشر؟

  * دعيني بداية أقول إن النشر ليس صناعة مستقلة؛ إنما هو صناعة ثقافية تتطلب مسبقًا وجود مُدخل أولي وأساسي وهو الكتابات أو المشاريع الثقافية أصلًا، والمشكلة عندنا في مصر مزدوجة، أولًا: تراجع ثقافة المبادرة وطرح المشاريع الثقافية والكتب التي تتناولها، وازدهار كتب الحنين والحكي والتعليق على ما حدث واجترار رواسب المسألة الأوربية ومتلازماتها الثقافية، بما يجعل لدينا مشكلة في المحتوى الثقافي والمُدخل الأولي للصناعة، ثانيا: مشكلة سياسات النشر العامة والخاصة، لدينا وهم المركزية والاحتكار وأن وجود ناشر قومي أو مؤسسة قومية ينفي أهمية وجود آلية للنشر عند باقي المؤسسات الثقافية القومية الأخرى، وظل هذا التصور ملحا عند البعض، ومن جهة أخرى يتحرك النشر المؤسسي بالقصور الذاتي إما بالعلاقات الشخصية، أو دون اختيارات واضحة تقدم تصورًا واضحًا للهدف من السياسة الثقافية الخاصة بالنشر.