رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ازدواجية معايير المجتمع

أحيانًا يحكم المجتمع بمعايير مختلفة على وقائع متشابهة، ولكنها تختلف اجتماعيا. بمعايير مختلفة تتراوح بين التنديد الشديد والعقاب، والصمت، بل والتشجيع لنفس الحالة لو نفس الأفعال وقعت من فرد من طبقة اجتماعية أعلى.
فقد انتشر على مدار الأيام الماضية، في وسائل التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو مدته 5 دقائق، ظهرت فيه إحدى السيدات، وتعمل محامية، وهي تقوم بتصوير شاب وفتاة خلسة أثناء تواجدهما في إحدى الحدائق العامة بسوهاج.
وفي نفس الفترة تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا، مدته خمس دقائق، للفنان عمرو دياب وهو يقبل سيدة قبلة رومانسية عميقة في شفتيها، تعكس طبيعة علاقته بها. 
كانت التعليقات على صفحة الفنان تعبر عن رومانسيته ورقته وحنانه وفتوته، ورومانسية السيدة ورقتها أثناء القبلة الحميمة. وتكهن البعض بوجود علاقة ما بالسيدة وشريكها في القبلة الفنان الكبير. 
الغريب أن أحدا من المتابعين والمعلقين الأفاضل، لم يطالب بعقاب الفنان الكبير على ارتكابه فعلا فاضحا مع سيدة علنا وأمام الكاميرات.  
أما فيديو الشاب والفتاة الذي نشرته المحامية فقد كانت تعليقات الجمهور على تلك اللقطات بأن ما يفعله الشاب مخالف لتقاليد المجتمع ويحض على الرذيلة، وطالبت كل التعليقات بضرورة معاقبة الشابة والفتاة لارتكابهما فعلا فاضحا علنيا. والمعروف أن هذا الفعل يعاقب عليه طبقا للمادة 278 من قانون العقوبات، التي تنص على أن كل من أتي بفعل في العلانية يعد فعلا فاضحا ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو غرامة لا تتجاوز 300 جنيه، حيث لا تقوم جريمة الفعل الفاضح إلا إذا توافرت ثلاثة أركان، هى: المادي والعلانية والقصد الجنائي، وهذه الواقعة متوافر فيها الثلاثة أركان.
ووفقًا لحديث السيدة خلال مقطع الفيديو، فإن الشاب والفتاة كانا في وضع مخل ولا يليق بالمجتمع الشرقي، لذلك قامت بتصويرهما لفضحهما وضمان عدم تكرار هذا الموقف مرة أخرى.
ولكن أحدا لم يتنبه إلى أن المحامية، مع أن عملها هو القانون والدفاع عن المظلومين، إلا أنها ارتكبت جريمة تتعلق بانتهاك الخصوصية وتصوير الشاب والفتاة خلسة دون إذن منهما، والتشهير بهما. وهو فعل يعاقب عليه القانون استنادا إلى التشريع الجديد لجرائم الإنترنت، وتصل العقوبة إلى الحبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات وغرامة تصل إلى 100 ألف جنيه، ومصادرة الأدوات أو الكاميرات المستخدمة.

المادة رقم 309 مكرر نصت على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه:
أ- استرق السمع أو سجّل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.
ب- التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.
والمادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات نصت على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة".

الطبقات الأعلى تبسط سيطرتها ومفاهيمها على الطبقات الأقل منها، مثل الحال في المدن الجديدة في القاهرة مثلاً، أو من يطلق عليهم الطبقات الراقية وسكان الساحل الشمالي والمدن التي أنشئت حديثا. فالتسامح معهم أكبر بكثير من الطبقة الوسطى التي تعيش في المدن العتيقة المكتظة بالسكان، وهؤلاء يحظون بقدر أكبر أيضاً من التسامح من سكان الريف والصعيد والمناطق المهمّشة.
يومياً، نصادف فى وسائل التواصل الاجتماعي لقطات لأشخاص عاديين يمارسون حياتهم بعفوية، منهم من يقبل زوجته، ومنهم من يظهر في نزهة بحرية مع ابنته أو صديقته، ونقرأ تعليقات أصدقائهم على تلك اللقطات أو الصور بتعليقات صادمة كلها لوم وعتاب، تتجاوز حرية أصحاب الصور، وتطلب منهم الانصياع لما تضعه من شروط ومعايير مجتمعية، وربما تصل تلك التعليقات إلى شتائم وتهديدات، ولكن لا نقرأ هذا مع أصحاب الطبقة العليا والمرفهة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه ازدواج المعايير، وبموجبها يتسامح المجتمع مع مخالفات وأفعال الرجال والنساء من تلك الطبقات التي ينظر إليها المجتمع باحترام. ولكن مجتمع الطبقات العادية والبسيطة يفرض قيمه بكل عنف، ويعاقب المخالفين ويطبق عليهم القانون بحذافيره، ممن قرر السير وفقاً لقناعته وكسر القيود التي فرضها المجتمع الأكبر، ولا يلقى أصحاب تلك الطبقات الأقل، وهم الغالبية والأكثر عددا، القدر نفسه من التسامح، ويتصرف المجتمع بازدواجية في القيم والمعايير.