رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ممنوع الأحلام الكبرى

قراءة تاريخ مصر الحديث تقود إلى خلاصة واحدة «ممنوع الأحلام الكبرى» وعلى المصريين الطيران تحت سقف الحلم.. حدث ذلك مع مصر عدة مرات فى التاريخ الحديث ومع دولة عربية واحدة عوقبت بقسوة على رغبتها فى الطيران خارج حدود المسموح.. أولى تجارب إجهاض النهضة فى مصر كانت فى معاهدة لندن ١٨٤٠.. كان محمد على ضابطًا عثمانيًا فذًا.. جاء إلى مصر فى ١٨٠١ فأدرك إمكاناتها الجبارة.. تحالف مع أهل مصر وفرضوه على الخليفة العثمانى واليًا لمصر.. عمل بقوة لتأسيس دولة قوية خلال سنوات قليلة.. انفتح على الحضارة الأوروبية، جند الفلاحين المصريين بعد آلاف السنين من منعهم من شرف الجندية، أصلح الزراعة والصناعة وأرسل البعثات لأوروبا.. انتصر جيشه فى جزيرة العرب والشام واليونان وأصبح الطريق أمامه مفتوحًا للأستانة.. كانت فكرته أن يحكم هو الإمبراطورية العثمانية ويزيح حكامها الذين أرهقهم الضعف.. كانت إنجلترا عدوًا تاريخيًا لأى مشروع نهضة فى مصر.. طاردت الحملة الفرنسية ليس حبًا فى مصر ولكن خوفًا من أن يقوم الفرنسيون بتحديث مصر وفق خطة وضعها نابليون المغرم بمصر وبالشرق عمومًا.. بعد رحيل الحملة أدرك جواسيس إنجلترا أن هناك حاكمًا قويًا فى الطريق لحكم مصر هو محمد على، فأرسلت تحذر الخليفة العثمانى من محمد على وتصفه بأنه «ذو طموح».. عندما تولى الحكم بالفعل جندت المماليك لإشعال حرب أهلية ضده، وأرسلت حملة فريزر لاحتلال مصر.. لكن أهل رشيد أقاموا مذبحة صغيرة للحملة وأرسلوا رءوس الضباط الإنجليز للقاهرة فانسحبت الحملة بعد أن مات عميل الإنجليز الألفى بك بالكوليرا.. بعد أن أصبحت مصر أقوى دولة فى الشرق تدخلت إنجلترا وأجبرت مصر على توقيع معاهدة ١٨٤٠ وتخفيض عدد الجيش المصرى.. أصيب محمد على بالحسرة ومات ابنه إبراهيم باشا أثناء حياته متأثرًا بالقهر الذى تعرضت له دولته التى كان جيشها وانتصاراته تشغل الدنيا كلها.. كانت وجهة نظر إنجلترا أنها لا تريد دولة قوية فى هذه المنطقة من العالم «وما زالت هذه وجهة نظرها».. ثانى تجارب النهضة الكبرى كانت تجربة جمال عبدالناصر.. كان ناصر ضابطًا وطنيًا قرأ تغيرات العالم بعد الحرب العالمية الثانية وقرر اللعب عليها.. ساهم فى إنهاء الاستعمار القديم الذى أدرك أن زمنه انتهى، ولعب على تناقضات أمريكا وروسيا لمصلحة مصر.. جارى المد الاشتراكى فى العالم كله وأسس قاعدة صناعية واجتماعية ضخمة، أثار طموحه قلق الأنظمة الملكية فى العالم العربى التى ناصبته العداء الصريح.. تم استدراجه لليمن الذى ذهب له لهدف نبيل.. كانت القبائل تحارب فى الواجهة وفى الخلفية كان هناك إسرائيليون وبريطانيون وتمويل بالمليارات من الدول المجاورة لليمن، قبلها أنفقت مليارات أخرى لتقويض النفوذ المصرى فى المنطقة وقادت اليمن إلى نكسة يونيو كنتيجة مباشرة وواضحة لها.. جاء الرئيس السادات وغير التوجه الاستراتيجى لمصر، لكنه على عكس ما يرى كثيرون احتفظ بالحلم المصرى الكبير.. بعد العبور ارتفعت ثقته بنفسه وبدأ يتعامل مع دول المنطقة العربية بما يليق بحجم مصر.. كان يرى أن مصر قدمت الكثير وأن المال هو أقل ما يمكن أن يقدمه العرب لمصر.. أصدر قرارات الانفتاح الاقتصادى وحلم بالرخاء الذى يناسب مكانة مصر.. كما كشفت وثائق الخارجية البريطانية الأخيرة، فقد بخلت الدول العربية على مصر بالمساعدات منذ ١٩٧٥، وبدأت دولة خليجية كبرى فى طرح فكرة التخلص من السادات على الخارجية البريطانية «الوثائق منشورة حاليًا على موقع بى بى سى عربى»، تم الحديث عن نائب الرئيس مبارك ضمن تفاصيل أخرى.. واشتعل الشارع المصرى ضد السادات على يد المتطرفين حتى انتهى الأمر باغتياله.. بغض النظر عن الخلاف فى التفاصيل فقد تم منع السادات من تنفيذ الحلم المصرى الذى أراد تنفيذه بطريقة مخالفة تمامًا لطريقة جمال عبدالناصر.. وكانت الكلمة النهائية بالاتفاق بين الدول التى بخلت على مصر بالحق فى الحلم وبين إنجلترا جلاد مصر التاريخى وعدوها الأزلى.. جاء الرئيس مبارك بعقلية أخرى وامتنع عن أى أحلام كبرى، واعتمد على لعب دور السمسار السياسى فى المنطقة، وكان ذلك محل سخط كثير من المصريين.. كان يؤدى خدمات معينة مقابل مساعدات محددة تحافظ على بقاء الأمور كما هى دون انطلاقات كبرى فى أى مجال.. ثالث تجارب النهضة المصرية هى التى بدأتها مصر مع الرئيس السيسى.. اختصرت مصر سنوات طويلة ومضت فى خطة لتحويل مصر لمركز اقتصادى ولوجستى.. عالمى.. تم بناء عشرات المدن والقضاء على العشوائيات وتطوير مئات القرى وبناء آلاف المشاريع.. لكن يبدو أن هناك من لا يريد للحلم المصرى أن يكتمل.. فى كل تجارب العالم هناك أخطاء عادية.. ولكن يبدو أن هناك من يريد تضخيم الأخطاء للقضاء على الحلم نفسه.. من هم الذين يريدون القضاء على الحلم؟.. اقرأ التاريخ وستعرف بنفسك.