رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسرحنا.. أم مسرحهم؟!

حتى الآن يحقق المهرجان القومى للمسرح نجاحًا كبيرًا رغم التحفظات الصغيرة التى يسعى البعض لتضخيمها، لكن أكثر ما يثير الأسى هو معارك صغيرة تورّط فيها زملاء وأصدقاء صحفيون ونقاد، ما كنت أتمنى لهم ذلك المصير البائس وهم فى مراحل عمرية تؤهلهم ليكونوا حكماء وأصحاب خبرة وامتلاء واعتزاز بالنفس ومصلحين للأحوال إن مالت، وكنت أظن، وبعض الظن إثم، كما تعلمون، أن هؤلاء الأصدقاء والزملاء والمعارف سيصلحون حال المسرح بما يمتلكون من حماس وأفكار وخبرات واسعة اكتسبوها على مدار أكثر من ثلاثين عامًا عملًا بالصحافة والمسرح والشعر والأدب والنقد، وقد رأيت عددًا منهم أثناء عمليات التدرج وبدايات صعود الدرجات داخل أروقة وزارة الثقافة ولحظات التقاط الصور بجوار القيادات، كما رأيت بعضهم فى عهد فاروق حسنى بنفس الشكل والمنظر، وقلت هذا حسن ومفيد فى تطوير المسرح وترويجه جماهيريًا فهم أفضل من غيرهم، لكنهم- وبسرعة شديدة- تركوا كل ذلك وتناحروا على منصب أعلى، أو على رئاسة تحرير مجلة، أو عضوية فى لجنة، أو سفرية فى طائرة!!! ما هذا الهراء يارب العالمين؟ كيف تتضاءل الأفكار الكبرى إلى هذا الحد؟!

مسرحيون كاذبون                                     

من سنوات طويلة ونحن نسمع من المسرحيين كلامًا عريضًا عن أزمة المسرح، حتى جاء المهرجان القومى للمسرح فى ٢٠٢٣ كحدث كبير ليجد كل هؤلاء المسرحيين فى انتظاره بكامل أسلحتهم وعدتهم وعتادهم يتبارون ويتنافسون ليفوز أحدهم بالضربة القاضية!! شىء لا يصدقه عقل، على رأى الأستاذة شويكار! كل هؤلاء يا رب العالمين يحاربون المسرح باسم المسرح! كل هؤلاء يرون أنفسهم على حق والباقى على باطل باسم المسرح!، حتى المهللين للمهرجان تهليلًا ماسخًا ولزجًا وزائدًا على الحد لا يهللون إلا نكاية فى الشامتين وليس ابتهاجًا بمهرجان قومى كبير للمسرح المصرى!، وتعالت صيحات الفريقين فلم نسمع سوى صليل السيوف وتدبيج مقالات التشفى والانتقام والغمز واللمز وادعاء الحكمة والصبر فى إدارة المعارك، كل هذا يحدث ومهرجان مسرحى كبير شاركوا فى تجهيز طبخته يقام ويبحث عن مريدين وجماهير، بينما أبناء المسرح يشمتون لغياب الجمهور، وينتقدون شخصيات المكرمين، ويسخرون من النقاد ومن الندوات والكتيبات ومن ملابس الفنانين والفنانات ومن كل ما يخص المهرجان!، كل هذا يحدث فى توقيت غاية فى الخطورة لا يحتمل تقليلًا من حجم مهرجان مسرحى كبير يقام فى مصر، ولا يحتمل تصفية حسابات شخصية ونحن نبدأ صحوة فنية مصرية ترد على كل الصغار حولنا الذين صدقوا أنفسهم بمهرجانات بلاستيكية ينفقون عليها المليارات.

شيزوفرينيا 

من أين تبدأ القصة؟ تبدأ من تشكيل لجنة لمشاهدة واختيار عروض البيت الفنى للمشاركة فى المهرجان، وكان خالد جلال، القائم بأعمال رئيس البيت الفنى للمسرح ورئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافى، قد بادر بتشكيل لجنة ضمت: «يسرى حسان، أحمد عبدالرازق أبوالعلا، محمد بهجت، هند سلامة، ورشا عبدالمنعم»، وكان عدد أعضاء اللجنة غير متناسب مع عدد العروض المتنافسة، وقد طالبنا هنا فى «الدستور» بإعادة النظر فى عدد أعضاء لجان المشاهدة مع ضرورة تنوع مشاربهم الفنية والتقليل من اختيار الصحفيين ضمن النقاد. إلا فى استثناءات تتعلق بالخبرات المسرحية، فهذه اللجنة هى الأخطر فى المنظومة كلها وبكلمة أو تقرير منها يتحدد مصير عرض مسرحى تكبدّ أصحابه العناء والشقاء والعذاب، وأصبح حلمهم الكبير هو المشاركة فى واحد من أهم مهرجانات المسرح على مستوى العالم العربى، ومن الطبيعى أن يرى أصحاب العرض من: (مخرج وممثلين ومهندسى ديكور وإضاءة ومصمم أزياء وموسيقى..) أن عرضهم أجدر بالمشاركة، ومن الطبيعى أن تنحاز لجنة المشاهدة وتختار ما يتناسب مع ذائقة أعضائها الموجودين فى العرض، المهم أن اللجنة اختارت: «سيدتى أنا» إنتاج المسرح القومى، «طيب وأمير» إنتاج المسرح الكوميدى، وعرضى «خطة كيوبيد» و«سيب نفسك» من إنتاج المسرح الحديث، و«ستوكمان» لمسرح الغد و«ياسين وبهية» لمسرح الشباب، بالإضافة إلى عرضين احتياطيين فى حالة اعتذار إحدى الفرق المشاركة هما «باب عشق، وباب روز» لمسرح الطليعة، ورغم أن اللجنة اعترفت بالوقوع فى حيرة كبيرة وأشادت بمعظم العروض التى تم استبعادها، إلا أنه من الطبيعى أيضًا أن يتم التشكيك فى قراراتها، بل واتهامها باختيار أعمال دون المستوى! كل ذلك طبيعى ويحدث فى كل مهرجانات الفنون فى الخارج والداخل، ولا يخجل القائمون على المهرجانات من إعلانه والاعتراف به مع الحرص على تصحيح الأخطاء، وما حدث مع لجنة اختيار العروض تكرر مع لجنة مشاهدة العروض المشاركة والتى تضم: «محمد بهجت، عزة لبيب، إميل شوقى، عبير على، إيمان الصيرفى»، وسيحدث أيضًا مع لجنة اختيار المقال النقدى والبحث التطبيقى التى ترأستها نجوى عانوس، وعضوية «محمد الروبى، رانيا يحيى، بالإضافة إلىّ وخالد الطويلة مقررًا»، وستواجه لجنة تحكيم المسابقة نفس المشكلة بصورة أكبر حتى وإن كان رئيسها هو الفنان الكبير أشرف عبدالغفور، وعلى الأساتذة أعضاء تلك اللجنة وهم «الفنان مجدى كامل والناقد جرجس شكرى والمخرج نادر صلاح الدين والموسيقار طارق مهران ومهندس الديكور محمد الغرباوى والدكتورة الباليرينا المصرية سحر محمود» أن يستعدوا لهذا الأمر وأن يحتملوا كل وجوه النقد، فالمهمة ثقيلة ولسنا ملائكة.

أتمنى أن ينتبه الجميع إلى ذلك، وأن تكون هناك شفافية تامة فى إعلان تقارير اللجان وحيثيات الاختيار على الجمهور، فهذا هو الطبيعى، لكن ما هو غير طبيعى أن يتلاسن أبناء المسرح وهم فى حضرة مهرجان كبير للمسرح!، ومن العيب أن تتشكل جبهات مسرحية تتحرش بجبهات مسرحية أخرى على شرف مهرجان مسرحى كبير!، فما بالك لو كان معظم المشاركين فى الملاسنة والغمز واللمز قد شاركوا فى لجان تحكيم المهرجان!!، وشاركوا فى ندوات ولقاءات المهرجان!!، وفى إدارة جلسات المهرجان!، موجودون بعون الله حتى حفل ختام المهرجان! وادينى عقلك!.

الفن.. رسالة سلام

أخيرًا، لست واعظًا ولا ناصحًا أمينًا، لكننى رجل على سبيل الله أدعوكم للحوار حول مستقبل المسرح المصرى قبل أن تشتعل الحرائق الخامدة، فهناك حروب خفية فى كل قطاعات المسرح، وقد جاء الوقت الذى يجلس فيه الكبار ليستعرضوا كل الملفات الشائكة، ويضعوا دستورًا جديدًا للتعامل مع المهرجانات المسرحية يضمن حق الشعب فى المشاهدة والاستفادة من تلك الخدمات الثقافية التى تدفع ضرائبها ويتم صرفها على المتناحرين والمشيعين لجثة المسرح المصرى، وأتعشم فى اللجنة العليا للدورة السادسة عشرة والمكونة من مسرحيين كبار «خالد جلال، نضال الشافعى، طارق عبدالعزيز، إيهاب فهمى، الكاتب وليد يوسف والمخرج إسلام إمام»، أن تعقد جلسات حوار مفتوح مع كل المسرحيين بعد انتهاء فعاليات المهرجان، وأن تكون هذه الدورة بداية حقيقية للم شمل المسرح بمختلف أطيافه، وأن يتم توجيه الدعوة للنقاد والباحثين مع استبعاد الصحفيين نهائيًا، فليست الجلسات للشو الإعلامى ولا لمحاباة قيادات وتدبيج قصائد المديح، لكنها جلسات على شرف المسرح المصرى، وإكرام لتاريخه العريق، ولنجومه العمالقة الكبار جدًا.. شكرًا لكل من أسهم فى ظهور عرض مسرحى على الخشبة، شكرًا لكل من يحقق حلمًا لشباب المسرح، وشكرًا لمن يسعى إلى ذلك، والشكر واجب لكل الشباب المتطوع للعمل فى المهرجان، والذين قاموا بدور كبير فى التنظيم.