رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مارادونا وموسم الانتقالات

 

 

بعد نهاية الموسم الكروى يشعر محبو اللعبة بفراغ كبير، وبدلًا من متابعة المباريات ومراقبة الصعود والهبوط، ينجح الإعلام الرياضى فى نصب سيرك انتقالات اللاعبين، وتظهر مصطلحات البيع والشراء، وكيف نجح الفريق الفلانى فى حسم صفقة القرن، كرة القدم التى خلقت لمواساة الفقراء، يتحمس جمهورها الآن لصفقات بملايين الدولارات، فى مصر ورغم الظروف تنمو تجارة كرة القدم، وتصعد فرق جديدة على حساب الفرق الجماهيرية، رجال الأعمال والمستثمرون العرب دخلوا على الخط، وبدأوا فى منافسة الأهلى والزمالك، ولا اعتراض بالطبع، ولكننا نحتاج لأن تظل الخريطة على قدر الإمكان كما هى، نحتاج الإسماعيلى والمصرى والاتحاد أقوياء، سنفتقد أسوان وغزل المحلة، ولن ننسى الفرق المكافحة التى لا تملك المال مثل طنطا ودمنهور والمنيا، وقبلها فريق تاريخى مثل الترسانة، لاعبو هذه الأيام يلعبون لمن يدفع أكثر هنا أو هناك، ليسوا مخلصين مثل الجمهور الذى لا يغير ولاءه مهما حدث، لا أريد ذكر الأسماء التى دخلت فى صفقات الموسم الصيفى، ولكنى أريد مناقشة الموضوع بعيدًا عن الانحيازات، أنا أشجع الأهلى مثل الغالبية، ولم أشعر بالسعادة بعد توقيع لاعب زملكاوى موهوب له مؤخرًا، يرتفع منسوب المتعة حين تكون مستويات الفرق متقاربة، اللعبة تم اختطافها لصالح رأس المال الغشيم، الذى يبحث عن سلطة إضافية بأقدام لاعبين يتم شراؤهم من السوق، وهدفنا جميعًا وصول منتخبنا الوطنى إلى منصات التتويج، الجيل الحالى ملىء بالمواهب، ولكن المناخ الكروى العام محبط، رغم الزيطة والزمبليطة، والتعامل مع اللاعبين كسلع تباع وتشترى حوّل الموضوع إلى تجارة رخيصة، نتذكر فى موسم الانتقالات، «وفى غير موسم الانتقالات» مارادونا، الذى حكى: «عندما كنت على وشك التوقيع لنابولى، جاءنى رئيس برشلونة السابق (غاسبارت)، يقول لا تذهب.. أعرض عليك عقدًا آخر مدته خمس سنوات بضعف الراتب الذى تحصل عليه الآن. أجبته: لا، شكرًا لك، أنا ذاهب إلى مدينة نابولى فهم ينتظروننى هناك، أفضل الركض وراء الكرة، على الركض وراء المال»، وقتها ذهب رئيس نابولى إلى عمدة المدينة، وقال له: روما هى عاصمة إيطاليا وميلان هى مدينة الأزياء وتورينو الاقتصاد.. ألا يجب أن نجعل مدينتنا تمتاز بشىء يدر عليها النقود كباقى مدن إيطاليا؟

فأجابه: ليس بخزينة المدينة المال الذى يكفى لجلب الاستثمارات.. فقال له: سنجعل مدينتنا تعج بالسياح والحل الوحيد أن نجلب مارادونا والعالم كله سيلحقه إلى نابولى، فرح أهل نابولى عندما سمعوا الخبر، لكنهم صدموا عندما سمعوا بأن العمدة تردد باستقطابه لأن المبلغ كبير فشكلت الجماهير صندوقًا بالتعاون مع السلطات فى نابولى من أجل إتمام الصفقة ونجح الأمر، وفور إعلان الصفقة حجزت جميع الفنادق فى مدينة نابولى من قبل الصحفيين والمراسلين بالعالم وامتلأت مدرجات ملعب نابولى لاستقباله، ولم يعد هناك أماكن للسياح، فبدأ السكان يؤجرون منازلهم للسياح وجاء المستثمرون لبناء الفنادق والمطاعم لاستيعاب السياح من كل العالم، ليس هناك مدينة احتفلت بلقب فى كرة القدم كما احتفلت نابولى بالسكوديتو سنة ١٩٨٧، وصل الأمر بالمشجعين إلى الذهاب للمقابر والهتاف للموتى: «لو كنتم تعلمون ما فاتكم لتمنيتم أن تكونوا معنا»، اختار مارادونا نابولى رغم إغراءات بيرلسكونى وبرشلونة، هو يريد إسعاد مدينة كان الإيطاليون يعتبرونها أول حدود إفريقيا، كرة القدم أكبر من لعبة، وفى مصر علينا أن نهتدى بتجارب عظيمة مثل البرتغال التى بدأت نهضتها فى بداية التسعينيات عندما أخذ محاضر رياضى فى جامعة بورتو لكرة القدم يدعى «فيتور فرايد» على عاتقه مسئولية تطوير نظريات التدريب فى كرة القدم، وتحقق له ما أراد على يد تلميذه جوزيه مورينيو المرجع الأول للكرة والمدربين البرتغاليين حاليًا، والذى حقق نجاحات لا مثيل لها مع بورتو فى الداخل وفى إنجلترا وإيطاليا بعد ذلك، فلسفة مورينيو والتى ينتهجها مدربو البرتغال تتلخص فى كيف تجعل جميع الخطوط مترابطة باستراتيجيات محددة، بتعليم دروس جديدة وخاصة، لاستكشاف فكرة اللعبة الأساسية، وذلك عن طريق الاستعداد الذهنى لأى موقف غير عادى داخل المباراة، وكيفية الخروج منه بطريقة محسوبة، ولا تعتمد فقط على مهارة اللاعب فى الخروج بالكرة، بل كيف تجعل الفريق بالكامل يساعد الذى معه الكرة على حل هذا الموقف، وأن تعود كرة القدم إلى المدارس ومراكز الشباب المدعومة من الدولة بعيدًا عن المكسب والخسارة، اللعبة تحتاج إلى العلم بعيدًا عن السماسرة وآراء نجوم الفتنة فى الفضائيات ووسائل التواصل، نريد أن نستمتع بالنشيد الوطنى فى الانتصارات، وبمناسبة ذكر مارادونا ومورينيو، أعجبنى ما كتبه الثانى فى افتقاد الأول مؤخرًا «أنا أفتقد مارادونا، وخصوصًا أفتقد مكالماته التى كانت دائمًا بعد الهزائم. لم يتصل بى بعد الانتصارات أبدًا، هو يعلم أنه بعد الانتصارات لا أحتاج إلى مكالمات. فى اللحظات الصعبة كان دائمًا موجودًا وكان يقول لى دائمًا (مورينيو، لا تنسى، أنت الأفضل)، أنا حقًا أفتقده».