رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خلطة أسامة أنور عكاشة العجيبة.. كيف أصبح «النجم الأول» لمسلسلاته؟

أسامة أنور عكاشة
أسامة أنور عكاشة

ظل أسامة أنور عكاشة هائمًا على وجهه فى الحياة حتى عام ١٩٧٦، لا يعرف إلى أين يذهب، أو ماذا يفعل، وهو الذى تخرج فى كلية الآداب قسم الاجتماع عام ١٩٦٢، ليشقّ طريق الوظيفة الحكومية مبكرًا، ويسافر إلى الكويت، ويعود بسبب «حرارة الجو» التى لم يتحملها، إلا أن صديقًا وفيًا تعرف إليه بالجامعة أنقذه من التيه، وكان سببًا فى تغيير مجرى حياته كما يصفه الكاتب مختار أبوسعدة فى كتابه «أسامة أنور عكاشة: أسراره وحياته»، كما تحول إلى «كلمة السر» فى مسيرته التى عاشها كـ«شيخ حارة» زاهد يدافع عن كبريائه بين «قبضايات» الوسط الفنى، الذين صاغ نجوميتهم، ولم يشعر يومًا بأنه واحد منهم. 

صديق العمر.. أنفق «تحويشته» لإنتاج أول أعمال «أسامة»

أنتج التليفزيون المصرى أول عمل لـ«عكاشة»، عن طريق الصدفة، حين منح صديقه المخرج التليفزيونى فخر الدين صلاح، إلى السيناريست كرم النجار، الذى أعد السيناريو والحوار ليصبح سهرة تليفزيونية بعنوان «الإنسان والحبل».

انتقل «فخر» إلى ليبيا، وحين عاد عام ١٩٧٥، ظل يبحث عن أسامة، وفى لحظة اللقاء، احتضنه متسائلًا عن أحواله، فرد: «أنا أحوالى زفت يا عم فخر». 

لمعت عينا فخر، الذى سأله: طالما حالتك ضنك، لماذا لا تكتب مسلسلات درامية للتليفزيون المصرى؟

لم يدُر بخلد أسامة أنه يمكن أن يكتب للشاشة، ويصيغ سهرات درامية ومسلسلات، استبعد الفكرة تمامًا، مكتفيًا بكتابة القصص الأدبية، وطلب من صديقه أن يأخذ منه قصصًا ويعرضها على سيناريست لتحويلها إلى سهرات تليفزيونية، إلا أن صديقه قاطعه قائلًا: أنا عايزك إنت اللى تكتب دراما ومسلسلات للتليفزيون يا أسامة. 

أصيب «أنور عكاشة» بالرعب من كلمة «سيناريو وحوار». كان يعتبر السيناريو لغزًا يصعب حله، ومعادلة كيميائية لم يجرؤ على فك طلاسمها، إلا أن نصيحة صديقه جعلته يلتهم السيناريوهات التى تقع يداه عليها، حتى يتمكن من كتابة مثيل لها. 

قرأ مجموعة من السيناريوهات، وحين انتهى، شعر بـ«كل أفراح الدنيا تنفجر فى قلبه»، لأنه اكتشف أن «الموضوع ليس صعبًا على الإطلاق»، واتصل بـ«فخر» يخبره بأنه «جاهز لكتابة السيناريوهات».

جمع فخر «تحويشة العمر» من عمله فى التليفزيون المصرى ثم سنوات عمله فى ليبيا، وجعلها رهنًا لإنتاج سباعية درامية قطاع خاص، وأصر أن يكتبها أسامة أنور عكاشة، رغم علمه بأن خبرته «صفر».

داس «عكاشة» على مخاوفه، وأقدم على تجربته الدرامية الأولى «الإنسان والحقيقة»، التى حققت نجاحًا كبيرًا عام ١٩٧٦، وكانت من بطولة صلاح قابيل وعبدالله غيث وفردوس عبدالحميد ورشوان توفيق، الرباعى الذى لم يصدق أن تلك السباعية هى التجربة الدرامية الأولى فى حياة مؤلفها. 

لم تحقق تلك السباعية مكاسب مهنية لعكاشة، إلا أنها نقلته نقلة مادية كبيرة «بفضل الـ٤٢٠ جنيهًا التى حصل عليها»، وذلك لعرضها فى بعض الدول العربية، قبل ٣ سنوات من عرضها على شاشة مصرية. 

سدد «عكاشة» ديونه المتأخرة، وحقق طموحات سعى إليها طويلًا، فاشترى للمرة الأولى فى حياته ثلاجة، احتفلت بها الأسرة احتفالًا لا يُنسى. وبينما تحتفل الأسرة بـ«الإنجاز المالى» الكبير، انزوى فى ركن من منزله، وغلبته ذكريات المشاهد الصعبة طوال سنوات فقره الطويلة التى أنهكته، وشعر بأن وعد الله له تحقق أخيرًا، وكان يردد دومًا: «إنى حسن الظن بالله كأنى أرى ما سيفعله بى وما قدره لى».

النجاح الأول شجع أسامة أنور عكاشة على تحقيق نجاحات أخرى، فأقدم على عملين، هما «الحصار» و«المشربية»، اللذان حققا نجاحًا يفوق الذى حققته «الإنسان والحقيقة»، وتقاضى عائدًا ماديًا كبيرًا جعله ينسى أنه كاتب قصة ومتعبد زاهد فى محراب الأدب الذى قاده إلى حياة الفقر، مقارنة بالسيناريو الذى أضفى على حياته طبقات من الرفاهية والثراء. 

أسرار منع مسلسله فى دول عربية.. واتهامه بالشيوعية

حياة أسامة أنور عكاشة سلسلة من العثرات والمطبات، نجاته من مطب العودة المهينة من الكويت وسخرية المحيطين به كانت البداية فى حياة درامية عامرة بالمواقف الغريبة والصعبة، خاصة أنه كان مفكرًا له رأى فى التاريخ والحاضر، ولا يخشى قوله مهما كان صادمًا. ولجرأته، طلب منع عرض عملين من أعماله فى مصر، الأول مسلسل «زهرة البنفسج» الذى يقدم قصة فتاة مات أشقاؤها بمرض واحد، وتوهمت بأن حياتها هى الأخرى ستنتهى بالمرض نفسه، فعاشت أسيرة الوهم الذى قتل البهجة والشعور بالأمان فى حياتها. وأصر أسامة على عدم عرضه حين اكتشف، خلال عرضه بالدول العربية، أنه شديد الكآبة، ليصبح العمل الأول الذى يُمنع من العرض بناءً على طلب مؤلفه. 

وفى الكويت، جرى تصوير مسلسل «سلمى» الذى يعرض حياة فتاة لبنانية تركت وطنها، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وأقامت لدى أسرة مصرية فى القاهرة، إلا أن تنفيذه كان سيئًا بسبب «المط والتطويل»، فطالب «عكاشة» بمنع عرض المسلسل فى مصر، حفاظًا على مكانته كمؤلف. 

وبسبب «الإسقاطات» السياسية فى مسلسله «وقال البحر»، الذى عرض عام ١٩٨١، ويصور كيف نجح الخواجات «الأجانب» فى الاستيلاء على ثروات الوطن العربى، مُنعت أعماله من دخول بعض الدول العربية. 

خلق النجاح الكبير لأسامة أنور عكاشة أعداءً، بلغ تأثيرهم ذروته فى مسلسل «الشهد والدموع»، الذى كان سينتهى عند الحلقة الـ١٤ لولا المعركة التى خاضها لتصحيح معلومات خاطئة راجت عنه.

توقف المنتج عبدالله مراد، مالك استديوهات «عجمان»، عن الإنتاج فى منتصف المسلسل، وطالبه بأن يكتب النهاية فى الحلقة ١٤، ليس لشىء سوى أن ممثلين فى «الشهد والدموع» أخافوه من توجهات أسامة والمخرج إسماعيل عبدالحافظ. 

قالوا له: «الدول العربية لن تشترى المسلسل، لأن أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ شيوعيان وهتروح فى ستين داهية بسببهم، وتخسر كل أموالك».

أنفق «مراد» على إنتاج نصف العمل مبالغ طائلة، فكان ينصت إليهم مندهشًا، مما يسمع، وتوقف عن الإنتاج، وقال لأسامة: «لن أقدر على تحمل باقى المصاريف، نريد نهاية المسلسل فى الحلقة ١٤». 

عرف أسامة ما جرى من المخرج إسماعيل عبدالحافظ، واكتشف أن مسلسله ومشروعه يتم تدميره فى «سهرة» مع المنتج، وتلاحقت أنفاسه بشكل مسموع من هول المفاجأة، ويقرر عدم كتابة النهاية فى الحلقة ١٤.

وإذا أصر المنتج على الاكتفاء بهذا القدر من الحلقات، اتفقا على وضع لافتة «إلى اللقاء فى الجزء الثانى» مع نهاية الحلقة الـ١٤. 

حقق العمل نجاحًا مدويًا فور إذاعته، حتى إن يوسف عثمان، رئيس إنتاج الفيديو بالتليفزيون المصرى، كان يبحث عنهما فى كل مكان، وحين عثر عليهما، سألهما عن سر عدم كتابة الـ٣٠ حلقة، فأخبراه بما جرى، ليقرر إنتاج الجزء الثانى باسم التليفزيون المصرى. 

أذيع المسلسل فى رمضان ١٩٨٥، لتبدأ شهرة ونجومية أسامة أنور عكاشة الذى قبل التحدى، وربحه فى النهاية، حين صدرت الصحف والمجلات فى تلك الفترة، تؤكد أنه «النجم الحقيقى لمسلسل الشهد والدموع».

لماذا سحب بطولة «أرابيسك» من عادل إمام؟ 

المسلسل، بالنسبة إلى أسامة أنور عكاشة، كان حياة كاملة يعيشها ويغزل كل تفاصيلها على مهل. 

ولم يكن يمنحه لمخرج محدود، أو نجم مغرور. 

طارده المخرج جمال عبدالحميد طويلًا حتى يمنحه عملًا من تأليفه، فنصب له فخًا، وطلب منه إخراج سهرة درامية بعنوان «تحت الملاحظة»، ليختبر قدراته الفنية.

كانت عملًا صعبًا ومكثفًا ومليئًا بالأحداث المهمة، وتحتاج «رتمًا» مشدودًا.. ونجح جمال فى إخراجها، حتى إن أسامة قال فور مشاهدتها: «الولد ده عنده إمكانات مخرج». 

وإعجابًا به، منحه سيناريو مسلسل «أرابيسك» ليتولى إخراجه، رغم أنه عمل درامى كبير، ثم تعاون معه فى «زيزينيا». 

اعتاد أسامة وضع «المطبات» فى طريق من يعجب بهم، حتى يثق بقدراتهم، فيغدق عليهم بأعماله التى قد تغير مجرى حياتهم، وهو ما فعله مع جمال عبدالحميد وآخرين قابلهم فى طريقه الصعب والمُحكم، الذى دفع نجمة بحجم فاتن حمامة إلى طلب التعاون معه. 

اتصلت فاتن بالمخرجة إنعام محمد على، وقالت: «أنا عايزة أعمل تليفزيون، وياريت يكون من كتابات أسامة أنور عكاشة». 

قبل أيام، أرسل أسامة إلى إنعام ملخص مسلسل «ضمير أبلة حكمت»، الذى كان فكرة غير مكتملة فى رأس صاحبها، فقالت لها: بالصدفة عندى ملخص مسلسل له اسمه ضمير أبلة حكمت.

طلبت فاتن الملخص، ووقعت فى غرامه من أول نظرة.

وحين كان أسامة جالسًا يقرأ فى الصباح، فوجئ باتصال من «إنعام» تبلغه بأن «فاتن حمامة سعيدة جدًا بالملخص، وتريد مناقشته معك، وتريد أن نذهب لها فى المنزل».

يكن أسامة حبًا كبيرًا لفاتن حمامة، لكنه أبلغ إنعام بأن «منزله مفتوح فى أى وقت لاستقبالها، طالما أنها هى التى تريد مناقشة تفاصيل العمل».

وجاءت فاتن، وكان تصرف أسامة يضعه فى برجه العاجى، الذى يحفظ له كرامته كمؤلف وتقديره لذاته، فى وقت كان يتعجب فيه من لهاث الكتاب وراء النجوم، وربما لهذا السبب لم يحاول الاقتراب من عادل إمام. 

كان عادل المرشح الأول لبطولة مسلسل «أرابيسك»، ولم يوافق على توقيع العقود والالتزام بالمسلسل إلا بعد أن ينتهى «أسامة» من كتابته بالكامل «حتى يبدى فيه رأيه».

كان معنى «إبداء الرأى»، فى قاموس عادل إمام، هو طلب تعديلات وإضافات وتدخلات فى الدور الذى يلعبه وأدوار الآخرين ومسار العمل بالكامل، وهو ما فهمه عكاشة ولم يقبله، فرفض الشرط من البداية، ورأى أن مثل هذه التصرفات «لا تليق به»، وكان يرى أنه «من غير المعقول أن يظل (يدوّق) عادل إمام حلقات المسلسل حلقة حلقة».

وأمام إصرار الطرفين على موقفهما «المتعالى» فى مواجهة «كبرياء» الآخر، ذهب «أرابيسك» إلى صلاح السعدنى، ليتحول إلى علامة فى تاريخه. وفى إحدى لحظات صفائه، اعترف: «عادل إمام من حقه كفنان أن يقرأ المسلسل ويقول رأيه، ومن حقى- أنا الآخر- ككاتب درامى أن أرفض وأقول لأ».

الكبرياء هو «كلمة السر» الثانية فى مسيرة أسامة أنور عكاشة، سلبته الكثير ومنحته أكثر فى وسط فنى جواز المرور فيه هو المجاملات والابتسامات و«الانحناءات»، إلا أنه قطع الطريق كلاعب سيرك ماهر، واحتفظ بشخصيته العنيدة وكبريائه، دون أن يضطر لعمل «شقلباظات» فى علاقاته بالفنانين كى يقدموا أعماله، أو يفتحوا له «أبواب المجد».