رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحلقات الجديدة من «الشاهد» تدق أجراس الخطر للمصريين

(1)

بعد أن قدم برنامج (الشاهد) على شاشة قناة إكسترا نيوز، وطوال شهر يونيو الماضى، حلقات توثيقية لشهادات من شارك أو شهد أو اقترب من كواليس ثورة يونيو، بدأ البرنامج- الذى يقدمه الإعلامى د. محمد الباز- منذ بداية أغسطس فى تقديم مجموعة جديدة من الحلقات أعتقد أنها ربما تكون أكثر خطورة مما يعتقد البعض. عنوان هذه المجموعة من الحلقات هو توثيق قرن من جرائم الجماعات التكفيرية من قتل وحرق وتدمير وتخريب لمصر! 

بدأت الحلقات باستضافة أحد الصناديق السوداء فى هذا الملف، وهو اللواء فؤاد علام المتخصص فى ملف جماعة الإخوان، الذى شهد وشارك فى التحقيق مع قيادات الجماعة التاريخيين، على رأسهم سيد قطب وزينب الغزالى وغيرهما! ثم بدأ البرنامج فى استضافة قيادات سابقة بتلك الجماعات. حتى الآن شاهدتُ ثلاث حلقات ملتهبة، اثنتان منها مع محمد كروم القيادى السابق بالجماعة الإسلامية، والثالثة مع نبيل نعيم القيادى بجماعة الجهاد الذى ننتظر حلقة رابعة مساء هذا اليوم لاستكمال شهادته!

(2)

بداية قوية مكتظة بالمعلومات والمفاجآت تترى على ألسنة أصحابها. بدأتُ القراءة عنهم ومنهم منذ سنوات طويلة جدا، واقتربت من أحد معاقلهم فى المنيا لمدة أربع سنوات واستمعت لخطبهم كثيرا، وقرأت عنهم بعد سنوات الجامعة أكثر وتفصيليا عن الفكر وأصحابه وقياداته وجرائمهم، ورغم ذلك فقد كان هناك بعض المفاجآت فيما استمعتُ إليه! بعض تلك المفاجآت تناول تفاصيل بعض الجرائم التى تم التخطيط لارتكابها ولم تكتمل بسبب ملابسات عرضية تصادف حدوثها قبيل التنفيذ وأدى إلى القبض على مرتكبيها، مثل تفاصيل القبض على المجموعة التى كانت تستعد لتفجير القصر الجمهورى عن طريق تلغيم مواسير الصرف الصحى لاغتيال مبارك! 

وبعض تلك المفاجآت ربما يصدم بعض الموهومين حتى الآن ويدفعهم إلى إنكاره تماما مثلما ذكره اللواء فؤاد علام عن ساعات التحقيق مع زينب الغزالى، التى كانت تقضى أكثر من نصفها فى إلقاء النكت الإباحية على مسامع المحققين، حيث دأبت على بدء إجابتها قائلة (معرفش الإخوان ولا ليا دخل بيهم.. طب اسمع النكتة دى....)! وقد ألمح إلى ذلك على استحياء الراحل وحيد حامد فى مشهدٍ رمزى عابرٍ فى الحلقة الأخيرة من مسلسل الجماعة 2! زينب الغزالى لم تكتب كتابها الشهير- الذى كان أتباع الإخوان يتعاملون معه وكأنه سفرٌ مقدس لجهاد الحاجة زينب- فقد كتبه لها أحد قادة الإخوان بالخارج، حتى إنه لم يستشرها فيما كتب!

(3)

ستمثل هذه الحلقات لغالبية المصريين- الذين لم تكن القراءة البحثية المعلوماتية فى دائرة اهتماماتهم- المغارة السحرية التى فُتحت للتو! سيشعر المصريون وكأنهم كانوا يعيشون فى بلدٍ آخر غير هذا الذى يتحدث عنه القادة السابقون لتلك الجماعات! فتاوى تكفير بأثر رجعى صدرت من قتلة الشهيد السادات ضده وهم فى المحكمة، بينما كان سبب قتله هو قرارات التحفظ على أعداد كبيرة من مجرمى هذه الجماعات وخوفهم من أن يحدث معهم كما حدث مع من سبقوهم فى عهد عبدالناصر فيظلون فى المعتقلات حتى يخرجوا إلى مثواهم الأخير!، لكنهم كتموا هذا فى المحكمة وهتفوا بأنه كافر لأنه لا يحكم بما أنزل الله!

عمر عبدالرحمن وبعد أن قبض عليه واجتمع مع قتلة السادات ومرتكبى جرائم أسيوط أنّبهم وعنفهم لأنهم قاموا بتنفيذ جريمتهم دون أن يفتيهم بذلك، وحتى يكفّروا عن خطيئتهم أفتاهم بصيام شهرين متتابعين! قتل السادات ومن قتل أو أصيب معه، ثم قتل ما يزيد على ثمانين نفسا فى أسيوط هو خطيئة يتم التطهر منها بصيام شهرين!

عمر عبدالرحمن (حصالة فلوس) وقد ذهب لأمريكا من أجل إيقاف حصول عبدالله عزام على الأموال وأن يحصل هو- عمر عبدالرحمن- على تلك الدولارات! شيكات بملايين الدولارت كان يحملها نبيل نعيم من السعودية من أحد أصدقاء بن لادن المليارديرات إليه!

(4)

من طبائع الأمور وبديهياته أن الأمن كان يتعامل مع مجرمين ذوى أيديولوجية تستبيح القتل، وحين يقبض على أحدهم لم يكن يدلى بما لديه من معلومات بشكل تلقائى تطوعى، فكان لزاما استعمال أساليب إجبار متعددة، نتج عنها الحصول على معلومات ثمينة والقبض على آخرين وإحباط كثير من جرائم القتل والتدمير والتخريب وصيانة أنفس ودماء.. كل ذلك يذكرنى بما قامت به فى تلك السنوات بعض الصحف المحسوبة على التيارات الليبرالية التى كانت تفرد أحيانا صفحات كاملة لإدانة أجهزة الأمن وتبرير جرائم الجماعات بمختلف مسمياتها. هذه الصحف ومن كان يمولها أو تتحدث بلسانه قامت بدورٍ مشين بدلا من مواجهة المجرمين!

ثماني محاولات لاغتيال مبارك.. محاولة لاغتيال عادل إمام قام عبود الزمر بتكليف جماعته بها وهو فى السجن عن طريق محمد كروم، ثم أنكر ذلك بعد أن خرج محمد كروم من الجماعة وأصبح باحثا فى شئون الجماعات! محامون كانوا يقومون بنقل الرسائل من وإلى القيادات وهم فى السجون إلى أتباعهم فى الخارج- أى خارج السجون- ومن ذلك جريمة قتل فرج فودة!

كثيرا ما رفض قادة جماعة معينة تنفيذ جريمة قتل أراد القيام بها بعض أتباعهم لأسبابٍ لا تتعلق بحرمة الدماء، لكن بقياس ما سيترتب عليها من آثار على الجماعة نفسها! صدق الشيخ محمد سيد طنطاوى حين كان مفتيا لمصر على حكم إعدام قيادى بالجماعة الإسلامية، فقرر أتباع هذه القيادة أن يغتالوا الشيخ طنطاوى فأرسلوا محمد كروم لمقابلة عبود الزمر داخل السجن ليستأذنه أو يحصل على موافقته.. رفض عبود الزمر مبررا رفضه بأن طنطاوى رجل دين وسوف يغضب المصريون وينقلبون على الجماعة... (اقتلوا عادل إمام الممثل! بلغهم بكدا ومحدش يرجعلى!).

أيمن الظواهرى أراد تنفيذ جريمة سرقة محل ذهب ردا على أحداث الزاوية الحمراء، فأقنعه نبيل نعيم- الذى كان يقوم بتخزين الأسلحة والذخيرة الخاصة بجماعة الجهاد فى منزله- بأن يُعرض عن هذا لأنها ستكون سُبة لعائلة الظواهرى! (رجاء العربى قال لأيمن الظواهرى بوس إيد نبيل اللى أقنعك ما تسرقش وباس إيدى!).

إن لم يكن لديك رصيدٌ سابق ومعقول من المعلومات فربما يصيبك الذهول والهذيان وينطق لسانك بقبيح الكلام وأنت تستمع لهذا السيل من الجنون الحقيقى الذى حدث بالفعل على أرض مصر مثل شعار «الاغتيال فرض والإرهاب سنة!».

(5)

لكن أخطر ما قيل فى هذه الحلقات القليلة حتى الآن هو عبارة وردت على لسان اللواء فؤاد علام تخص كيفية المواجهة، ثم بعض العبارات الواردة على لسان محمد كروم، وأخيرا حلقة نبيل نعيم الأولى كلها، لفظا ومصطلحات، ولغة جسد وعيون، وآراء صريحة من قيادة من المفترض أنها قد غيرت فكرها وأنابت وتابت عن جرائمها! 

عبارة قالها اللواء فؤاد علام أتمنى أن يتنبه لها القائمون على المواجهة، وأن يكون هناك تواصل بين الأجيال المختلفة فى الأجهزة التى تخوض تلك المعركة وأن تتم الاستفادة بخبرات جميع القيادات السابقة!

أما ما ذكره محمد كروم نصا عما يسمى بالمراجعات فقد ألقى بحجر فى بركة راكدة.. قال إن جماعته السابقة أو الجماعة الإسلامية لو كانت قادرة على الاستمرار فى المواجهات المسلحة ضد الدولة المصرية لما قامت بالمراجعات! كلام فى منتهى الخطورة لم يكن مفاجئا لى بشكل شخصى، لأننى على قناعة بذلك. خبراتى السابقة من معايشة ومناقشة بعض طلاب جامعة المنيا من المتعاطفين مع الأفكار التكفيرية وما سمعته فى مساجد الجماعة يؤكد أن تخيلنا بتغيير تلك المعتقدات هو محض خيال! ثم أثبتت الأحداث اللاحقة فى الفترة من 25 يناير 2011م حتى السنوات الأولى بعد انتخاب السيسى صدق يقينى هذا! بعض الذين خرجوا من السجون بناء على إعلانهم عن قبولهم المراجعات انضموا لخندق الجماعة التكفيرية التى وصلت لحكم مصر! هذا يعنى بوضوح أن النار ما زالت تحت الرماد وأن الذى حسم الأمور كانت المواجهة المسلحة ودماء شهداء القوات المسلحة وقوات الشرطة المصرية!

(6)

حتى القلة النادرة التى رفضت الانضمام إلى معسكر الجماعة واعتصاماتها المسلحة مثل القيادى (ن.إ) والذى يتم تقديمه الآن كمفكر إسلامى لو تابعنا كتاباته سنكتشف مفاجأة غير سارة. اعتبر جرائم جماعته التى شارك فيها خطأ فقهيا دينيا! خطأ فى الوصول لغاية لم ينكرها حتى الآن! فكرة الرجوع عن جرائم سفك الدماء على أرضية القناعة بالعجز عن هزيمة الدولة هى فكرة خطيرة لا تعنى التوبة، لكن تعنى الاعتراف بالعجز الذى قد يتغير يوما ما!

من الناحية الإنسانية، بل الإسلامية، فإن سفك الدماء الحرام أكبر كثيرا من أن يكون خطأ فقهيا دينيا! فقتل النفس دون حق هى أكبر الجرائم والخطايا فى الإسلام بعد الكفر بالله! ولا حق فى القتل إلا فى حالتين، الأولى أن يكون جنديا فى جيش يخوض حربا دفاعا عن أرضه، أو الإعدام الذى تنفذه الدولة بحكم قضائى نهائى! غير ذلك هو جريمة كبرى من السماجة أن نتعامل معها كخطأ دينى فقهى! لو أن قاتلا ندم بالفعل وطلب من الله الصفح والغفران فسيقضى بقية عمره مستغفرا باكيا خطيئته، منتظرا أن يُقتص منه يوم الحساب الأكبر، لا أن يمارس حياته بشكل طبيعى ويمر على جرائمه مرور الكرام، معتبرا أنها خطأ دينى! عفوا فهذا استخفاف بالعقول وبالدين ذاته، فأنت لم تخطئ الأكل بيمينك أو يسارك أو تخطئ فى دخول الحمام.. أنت قاتل، قتلت أنفسًا بغير حق ولم يُقتص منك لأسباب إجرائية قانونية، لكنك تعرف أنك قاتل ولن يغير من هذه الحقيقة أو يعفيك من القصاص العادل فى الدار الآخرة أنك صمت شهرين!

(7)

الحلقة الأولى مع نبيل نعيم القيادى السابق بجماعة الجهاد تستحق أن تتم دراستها بشكل موسع.. فأهم مما ذكره من وقائع وتفاصيل عمن فعل هذا أو ذاك، هو مفرداته اللفظية التى استخدمها، لغة جسده وتعبيرات وجهه أثناء إلقاء ما لديه، إصراره على أن أيمن الظواهرى مثلا رجل ذو أخلاق وطيب ولا يكذب ومتسامح حتى إذا ما سبه أحد فلا يرد السباب! وأن أسامة بن لادن راجل طيب ذو خلق! طوال الحلقة استخدم نبيل نعيم لفظ (الإخوة) وصفا لمجرمين قتلوا واستباحوا الدماء والبلاد! لم يكف عن الضحك طوال الحلقة وهو يحكى تفاصيل جرائم دموية راح ضحيتها مصريون! يتندر بمواقف سمجة حدثت بينه وبينه رفاقه من أعضاء الجهاد! أصر على مديح مجرمين قتلة، وحين راجعه د.الباز رد قائلا.. (أنا أقول والناس براحتها!) ردا على عبارات د. الباز أن هؤلاء قتلة.. يعنى سرقة لا، لكن قتل آه.. قال نعيم كاشفا وهم المراجعات.. (القتل دا فكرهم كدا لكن أنا بتكلم عن أخلاقياتهم!) وكأن القتل الحرام الذى وصفه الله بأنه أكبر الخطايا بعد الشرك به لا يعيب الأخلاق! تباهى نعيم لبيب بقدراته على الصمود وخداع محققيه وعدم الإفصاح عمن ساعدوه باستخراج جوازات سفر مزورة له، وأنه حين ذهب إلى السودان ثم باكستان كان مدربا ولم يتلقّ تدريبا! كان محترفا! 

مما ذكره عن سيد إمام أحد كبار المكفرين والذى قام بكتابة المراجعات فى سجنه، أنه تعرض لعملية خداع نفسية من أحد الضباط.. يعنى أن الضابط قد خدعه ونفخ فيه حتى يدفعه لكتابة المراجعات! وهذا يؤكد مرة أخرى أن تلك المراجعات لم تكن إلا وسيلة قاموا بها بعد أن أجهضت قوات الأمن قواهم وهزمتهم عسكريا ونفسيا! قال إنه حين تمت إثارة قضية المراجعات لأول مرة قمتُ بطباعة كتيب لسيد إمام محتواه أن المراجعات مقبرة الدعوة! لكن الضابط الذى تعامل معه كان ذكيا ولعب على نفسيته والنفخ فيه وقال للإخوة إن اللى مش هيلحق سفينة سيد إمام سيغرق! 

رغم استفزاز الحلقة لى بشكل كبير، فالرجل طوال الحلقة لم تبدُ عليه أي علامة أو دليل على قناعته بأن ما قاموا به هو جرائم، أو لم تبدُ عليه علامات الندم والتبرؤ! رغم ذلك فإننى سعيدٌ جدا بتلك الحلقة وأتمنى أن تتم إعادتها أكثر من مرة، كما أتمنى أن تستمر تلك الحلقات مع أكبر عدد ممن يطلق عليهم قادة سابقون فى الجماعات التكفيرية حتى ينكشف الوهم كاملا للمصريين! وهم أنهم رجعوا عن أفكارهم ومعتقداتهم.. وهم أن يتخيل المصريون أن هزيمة الدولة للميليشيات المسلحة تعنى نهاية القصة إن لم يخض المصريون المعركة بشكل صحيح بدءًا من المساجد، مرورا بالجمعيات الدينية المنتشرة بطول البلاد وعرضها، وصولا إلى أية محاولات مستقبلية للخداع بمنح شرعية قانونية لعودة أية جماعة من تلك الجماعات بأى غطاء دينى! 

أتمنى أن تنتبه مصر- بمؤسساتها العقلية المختلفة- إلى ما يرد فى تلك الحلقات وما يمكن فهمه بين السطور مما (يفلت) من عبارات وألفاظ تكشف ما فى الصدور!