رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المستشار محمد خفاجى: الجماعات الإرهابية تتذرع بالخلافة إنكارًا لوجود الدول وتدميرها

المستشار محمد عبد
المستشار محمد عبد الوهاب خفاجي

-يجيب على السؤال الأصعب الذى تتجنبه كثير من المؤسسات الدينية: هل الخلافة تتناسب مع طبيعة العصر؟ 

-يجب ألا تغفل الدول عن مواجهة الإرهاب ولا تغمض العين عنها برهة كلفت دولًا بالانهيار

-وزارة الداخلية ليست وحدها وبمعزل عن المجتمع ومؤسسات الدولة الأخرى المكلفة بالقضاء على الفكر الإرهابى

تناول المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، في دراسته "مفهوم الدولة وتطورها واستغلال الجماعات الإرهابية للخلافة لهدم استقلال الدول"، أن الجماعات الإرهابية تتخذ من الدين ستارًا بدعوى الخلافة إنكارًا لوجود الدول وتدميرها، مجيبًا على السؤال الأصعب الذي تتجنبه كثير من المؤسسات الدينية وهو "هل الخلافة تتناسب مع طبيعة العصر؟"، وأنه يجب ألا تغفل الدول عن مواجهة الإرهاب ولا تغمض العين عنها برهة كلفت دولًا بالانهيار، وأن وزارة الداخلية ليست وحدها وبمعزل عن المجتمع ومؤسسات الدولة الأخرى المكلفة بالقضاء على الفكر الإرهابى، وذلك فى نقطتين فى غاية فى الأهمية هما:

أولًا: أهم الوظائف الأساسية للدولة

 ثانيًا: السؤال الأصعب: هل يعد مفهوم دولة الخلافة مناسبًا لطبيعة العصر؟

أولًا: أهم الوظائف الأساسية للدولة

يقول خفاجى: "تكمن أهم الوظائف الأساسية للدولة فيما يلى: نشر الأمن والأمان فى المجتمع، فلا يمكن منح هذه المهمة إلى أى جماعة أخرى وإلا انهارت الدولة، فللدولة وحدها حق ممارسة السلطة التى خولها لها الشعب، وحماية موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب: حيث نص الدستور فى المادة 32 منه على أن موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها، كما تلتزم الدولة بالعمل على الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها، والقيام على توفير الحاجات الضرورية للشعب وخدمات مرافقها العامة، حماية الأمن القومى من الأعداء فى الداخل والخارج ومكافحة الإرهاب، ووفقًا للمادة 86 من الدستور السارى فإن الحفاظ على الأمن القومي واجب، والتزام الكافة بمراعاته مسئولية وطنية، يكفلها القانون، والدفاع عن الوطن، وحماية أرضه شرف وواجب مقدس، ووفقًا للمادة 237 تلتزم الدولة بمواجهة الإرهاب، بكل صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله، وفق برنامج زمني محدد، باعتباره تهديدًا للوطن وللمواطنين، مع ضمان الحقوق والحريات العامة، وينظم القانون أحكام وإجراءات مكافحة الإرهاب والتعويض العادل عن الأضرار الناجمة عنه وبسببه".

ثانيًا: السؤال الأصعب الذى تتجنبه كثير من المؤسسات الدينية: هل يعد مفهوم دولة الخلافة مناسبًا لطبيعة العصر؟

ويجيب الدكتور محمد خفاجى عن السؤال الأصعب الذى تتجنبه كثير من المؤسسات الدينية: "هل يعد مفهوم دولة الخلافة مناسبًا لطبيعة العصر"؟ وذلك فى سبع نقاط متتالية: 

1- عصر الرسول الكريم والخلفاء الراشدين والخلافة من بعدهم:

يقول الدكتور محمد خفاجى: يجب أن نشير إلى أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم مارس إيصال الرسالة والتبليغ عن ربه، فلمّا توفي النبي صلى الله عليه وسلم فى 12 ربيع أول عام 11هـ، هرع الصحابة رضوان الله عليهم إلى الاجتماع في سقيفة بني ساعدة، ثم قاموا بمناقشة أمر خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حماية الدين وإدارة شكل الدولة، فاتفقوا بعد خلاف بين المهاجرين والأنصار على تولي الصدّيق أبي بكر خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تتابع الخلفاء من بعده، في خلافة راشدة (11هـ/41هـ)، ثم خلافة أموية على شكل ملك وراثي (41هـ/132هـ)، ثم خلافة عباسيّة على شكل ملك وراثي (132هـ/656هـ)، ثم دويلات إسلامية كثيرة، ثم خلافة عثمانية على شكل ملك وراثي (699هـ/1341هـ)، ثم عصر دويلات أخرى يحكمها حكّام بطرق وراثية.

2- سقوط الخلافة الإسلامية بإعلان مصطفى كمال أتاتورك نهاية الخلافة العثمانية وقيام الدولة التركية عام 1924، وبعدها بأربعة أعوام فى عام 1928 ظهرت جماعة الإخوان الإرهابية في مصر على يد مؤسسها "حسن البنا" ونادت بإحياء الخلافة الإسلامية مستغلة الدين فى السياسة ضد مفهوم الدولة الحديثة.

ويضيف الدكتور محمد خفاجى: "سقطت الخلافة الإسلامية عندما أعلن مصطفى كمال أتاتورك نهاية الخلافة العثمانية، وقيام الدولة التركية عام 1924، وبعدها بأربعة أعوام وتحديدًا عام 1928 ظهرت جماعة الإخوان الإرهابية في مصر على يد مؤسسها "حسن البنا" ونادت بعودة وإحياء فكرة الخلافة الإسلامية مستغلة الدين فى السياسة ضد مفهوم الدولة الحديثة الذى يتصادم مع فكرة الخلافة، وتعدّدت الجماعات الإرهابية فى القرن الحادى والعشرين التي تشكل نهجًا مستمدًا من تلك الجماعة ومن فروعها وعاش المجتمع الدولى فى أيام حالكة السواد ضد حقوق الإنسانية تحت ستار محاولات إحياء الخلافة، منها «القاعدة» و«طالبان»، و«تنظيم داعش» و«أنصار بيت المقدس»، وغيرها من التنظيمات الإرهابية".

3- لا يوجد نص قطعى الثبوت والدلالة ينكر وجود الدولة أو يوجب أن ينصب المسلمون على رأسهم خليفة أو أميرًا يجمع المسلمين كافة فى الأقطار والأمصار.

ويشير خفاجي إلى أنه فى الواقع لا يوجد نص قطعى الثبوت والدلالة في إنكار وجود الدولة كوطن يظلل المواطنين أو وجوب أن ينصب المسلمون فى الأرض على رأسهم خليفة أو أميرًا يجمع المسلمين كافة فى الأقطار والأمصار تحته لوائه في بلد واحد، ليحكمها بنموذج حكم بداية نشر الدعوة أو حكم الخلفاء الراشدين، فذلك النموذج قد ساد فى عصر نشر الدعوة الإسلامية.

4- هل مفهوم دولة الخلافة الإسلامية يتناقض مع مفهوم الدولة الحديثة؟ 

ويطرح الدكتور محمد خفاجى تساؤلًا مهمًا: هل مفهوم دولة الخلافة الإسلامية يتناقض مع مفهوم الدولة الحديثة؟، وهل يخالف حقيقة العصر؟، ويجيب أن مفهوم دولة الخلافة الإسلامية يتناقض مع مفهوم الدولة الحديثة ويخالف حقيقة العصر ومعطيات الزمن الحديث، ويتعارض مع تطور الإنسانية عبر تاريخها الطويل، وأنه من باب الاستحالة المطلقة فى العصر الحديث هدم كيان الدول والاستعاضة عنها بمفهوم الخلافة، وإلا أدى ذلك إلى الفوضى الدولية التى تقضى على البشرية، فضلًا عن أن نظام دولة الخلافة قد اقتضته الظروف التى واكبت وفاة رسول الله من أصحابه للحفاظ على الدين الجديد وليس لازمًا أن تقف فكرة الخلافة ضد التطور والتقدم الذى شهدته المدنية الحديثة عبر تاريخها الطويل وعصر العولمة ووسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، ذلك أنه ضد طبيعة الحياة التى خلقها الله إلغاء الأوطان بأعراقها المختلفة بحجة الانضواء تحت لواء دولة واحدة تحكم العالم بالعنف والتطرف والإرهاب تحت ستار الخلافة.

5- هل نموذج دولة الخلافة أمر منبت الصلة عن صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان؟ 

ويطرح خفاجى تساؤلًا هل نموذج دولة الخلافة أمر منبت الصلة عن صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان؟، وهل يتناقض معه لأن صلاحيتها لكل الأزمنة والأمكنة تعنى التطور مع كل المستجدات؟، إن الشريعة الإسلامية ذاتها صالحة لكل زمان ومكان، لذا نص الدستور المصرى فى المادة الثانية منه على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، أما نموذج دولة الخلافة فأمر منبت الصلة عن صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان بل ويتناقض معه لأن صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان تعنى التطور والتناغم والاتساق مع كل المستجدات والمستحدثات فى كل عصر، أما دولة الخلافة فتعنى التحجر والوقوف ضد كل تطور بل ضد سنة الحياة التى خلقها الله تتبدل أحوالها وتتغير فى غير ثبات. 

6- الجماعات الإرهابية تتخذ من الدين ستارًا بدعوى الخلافة إنكارًا لوجود الدول وتدميرها 

ويؤكد خفاجى أن الجماعات الإرهابية تتخذ من الدين ستارًا بدعوى الخلافة وتسلك العنف والتطرف كشرعة ومنهاج لها، والتطرف هو فى حقيقته وجوهره إنكار لوجود الدول وتدمير لكياناتها، ومن ثم فإن الحرب ضد الإرهاب يجب ألا تغفل الدول عن مواجهتها مجتمعة ولا يجب أن تغمض العين عنها برهة من الزمن هذه البرهة كلفت دولًا بالانهيار وتشتتت شعوبها وحل الرعب فى نفوسهم محل الأمن والأمان، والوقوف ضد الجماعات الإرهابية بحجة الخلافة هو لحماية حقوق الإنسان، وحينما تحمي الدول حقوق الإنسان، فإنها تعالج الأسباب الجذرية للإرهاب.

7- وزارة الداخلية ليست وحدها وبمعزل عن المجتمع ومؤسسات الدولة الأخرى المكلفة بالقضاء على الفكر الإرهابي

وفى النهاية يؤكد الدكتور محمد خفاجى أن وزارة الداخلية ليست وحدها وبمعزل عن المجتمع ومؤسسات الدولة الأخرى المكلفة بالقضاء على الفكر الإرهابي، ذلك أنه إذا كانت مواجهة الجماعات الإرهابية مهمة وزارة الداخلية فى الأساس، إلا أنها لا يجب أن تؤديها وحدها وبمعزل عن المجتمع ومؤسسات الدولة الأخرى المتصلة بالقضاء على الفكر الإرهابى، منها المؤسسات القضائية والمؤسسات الدينية والمؤسسات الثقافية والمدنية، ولو اعتقدت قيادات الشرطة أنها وحدها تحتكر مواجهة الفكر الإرهابى فلن تفلح فى قلع جذوره منفردة فى غيبة من مؤسسات الدولة الأخرى وعلى قمتها القضاء الوطنى المؤمن بوحدة نسيج هذا الوطن وغيره من مؤسسات الدولة والمجتمع ككل.