رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فاكهة المصريين في خطر.. التغيرات المناخية تهدد عرش "المانجو"

مانجو
مانجو

على بعد الكيلو 23 من الطريق الصحراوي بمدينة الإسماعيلية يقع فدان ونصف هو كل ما يملكه محمد محمود من أرض زراعية والتي اعتاد أن يزرعها محصول المانجو، فهي الزراعة التي ورث العمل بها عن أبيه، وأصبحت هي مصدر رزقه الرئيسي هو وأسرته المكونة من زوجته واثنان من الأبناء.

بسبب الحرارة المرتفعة التي شهدتها مصر هذا العام نتيجة التغيرات المناخية، شهد محصول محمد من المانجو هو الأخر خسارة فادحة، جعلته يستعوض الله فيما أنفقه في هذه الأرض من نفقات كثيرة طوال العام، بينما أتى موسم الحصاد ولم يجني من ورائها نفعًا.

يكشف هذا التقرير أثر التغيرات المناخية التي يشهدها العالم وما صاحبها من ارتفاع شديد بدرجات الحرارة، على زراعة وإنتاج فاكهة المصريين المحببة "المانجو".

تبلغ إجمالي مساحة مصر المنزرعة بمحصول المانجو 310019 فدان أما إنتاجها فيبلغ 278996 فدان، ومدينة الإسماعيلية وحدها تنتج نحو ثلث محصول المانجو الذي تنتجه مصر بالكامل، إذ تضم 117 ألفا و917 فدانًا من المانجو، متنوعة بين 18 صنفًا من أصناف المانجو البلدية والأجنبية.

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء - 2023

 

يحكي"محمود" كواليس الأيام الصعبة وخسارة المحصول لـ"الدستور" قائلاً: "موجة الحر الشديدة التي تعرضت لها البلاد وبالأخص هذا العام، تكاد تكون تسببت في القضاء على محصولنا، وبسببها تعرضنا لخسائر غير مسبوقة".

ارتفاع درجات الحرارة حسب المزارع المصري، تسبب في "لسع الثمرة" -احتراق الثمرة وتشوهها-، وهو ما نتج عنه تشوه ثمار المانجو بالإضافة إلى سقوطها من الشجر قبل نضوجها، موضحًا أنه بالإضافة إلى ذلك فعند سقوط الثمرة "تُلسع" أيضًا على الأرض من شدة الحرارة، وهو ما يفسّر وجود الكثير من المانجو "المشوهة" بالأسواق، الأمر الذي نتج عنه بيعها بسعر زهيد.

أما عن التغير المناخي وأثره البالغ على المحصول، أردف: "الارتفاعات الكبيرة في درجات الحرارة وخاصة ظاهرة النينو الأخيرة، أصابت المانجو بمرض العفن الهبابي، وهو أكثر الأمراض التي دمرت عدد كبير من أراضي المزارعين، ولم يترك لهم أي شئ من المحصول". 

وأوضح "محمود" أن درجات الحرارة المرتفعة كذلك نتج عنها جفاف بعض الترع التي كانت تروي أراض المانجو: "دلوقتي بقى فيه أماكن في الكيلو 14 مبيوصلهاش المياه"، مشيرًا إلى أنّ ذلك سبّب الكثير من الصعوبات للمزارع الذي يحاول جاهدًا الحصول على مصدر للمياه فأصبحت التكلفة مضاعفة عليه.

ووفقاً لحديث "محمود" فإنه لزراعة فدان واحد من محصول المانجو من بداية زرع الأشجار يتكلف الأمر 50 ألف جنيه، بينما في حال إعادة تأهيل الأشجار الموجودة بالفعل يتكلف الفدان الواحد 35 ألف جنيهًا.. في الوقت الذي يتكلف المزارع 15 ألف جنيه إذا كانت الأشجار موجودة وسيعمل على تجهيز الأرض فقط، وهو المبلغ الذي خسره بالكامل، دون تحقيق أي دواخل مالية حتى ولو ألف جنيه. 

سجلت درجة حرارة الأرض ارتفاعًا بنحو 1.1 درجة مئوية خلال القرن الماضي، في الوقت الذي زادت تركيزات غاز ثانى أكسيد الكربون CO2 عالميًا 360 جزء/ مليون لتصل إلى 415 جزء/ مليون.

المصدر: الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ

المصدر: الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ

 

عام 2023 هو الأكثر سخونة بالنسبة للمتوسطات المناخية، بتسجيل ظاهرتين أثرا على المناخ وهما "القبة الحرارية والنينو".

المصدر: الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية

الفئران هاجمت الثمار

في الوقت الذي أعلن فيه محمود عن حجم خسائر أرضه هذا العام، رفض المزارع أشرف فتحي الإفصاح عن حجم ما تعرض له من خسائر بسبب التغيرات المناخية التي حدثت وضربت محصول المانجو هذا العام. 

يحكي فتحي عن الأيام الصعبة، وما رآه من خسائر كبيرة هو وعدد من المزارعين الذين قرروا زراعة المانجو على الرغم من علمهم بأن المحصول مهدد بالضياع: "ارتفاع درجات الحرارة تسبب في زيادة الحشرات والزواحف التي بدأت الهجوم على المحصول، ومن بينها الفئران التي تأتي على الثمار وتأكله من جذوره، وبالتالي يضيع جزء كبير منه".

وتابع المزارع المصري: "العفن الهبابي أيضاً هاجم المحصول وسبب خراباً كبيراً، فقد لجأ العديد من المزارعين للاستدانة لكي يتم سداد المستحقات الواجبة عليهم، فالتغيرات المناخية كانت قاسية هذا العام، ولم نستطع مواجهتها على الرغم من الاستعدادات والاحتمالات التي وضعناها من قبل لكي نتجاوزها، وهو ما أثر كذلك على التصدير وأدى إلى قلته بصورة كبيرة".

العفن الهبابي دمر المحصول   

على الرغم من عمله مهندسًا زراعيًا إلا أن محمد سليمان لم ينجو هو الأخر من خسائر محصول المانجو وخاصة العام الماضي بسبب التغيرات المناخية.

يقول سليمان "ارتفاع الحرارة الشديد الذي لم نعتاده نتج عنه زيادة الحشرات التي تهاجم المحصول مثل البق والتربس، والذبابة البيضاء، التي تقوم بخدش النبات، وتعد هي البداية للإصابة بالعفن الهبابي إذ تتجمع الفطريات حول هذا الخدش ومع الوقت يتكون المرض الذي يظهر على هيئة بقع سوداء على الثمرة، مما يفسدها ويمنع بيعها".

20 ألف جنيه هم خسائر سليمان التي تكبدها نتيجة إصابة محصوله بالعفن الهبابي، في الوقت الذي حاول جاهدًا استخدام الأدوية والأسمدة ولكن دون جدوى، وهو الأمر الذي جعله يفكر جديًا في العزوف عن زراعة المانجو والاتجاه إلى زراعة أي محصول أخر قائلًا: "المانجا دلوقتي بقى محصول خسران"، موضحًا أن المحصول يحتاج إلى رعاية كبيرة طوال العام وليس بشكل موسمي، وفي الوقت نفسه في حال نجا من تغيرات المناخ يكثر بالأسواق ويباع بسعر زهيد، أما في حال لم ينجو تصبح جودته منخفضة ويباع بسعر زهيد كذلك وفي كلا الحالتين المزارع هو "الخسران".

اختفاء طائر أبو قردان

على الرغم من أن مجدي صبحي أحد مزارعين المانجو القلائل الذين استطاعوا إنقاذ محصوله في النهاية من التعرض للخسائر الكبيرة التي تعرض لها أغلب مزارعي المانجو، إلّا أنه أكد أن ذلك الأمر لم يكن بالسهل على الإطلاق.

التغيرات المناخية حسب مجدي تسببت بأقل تقدير في مضاعفة الإنفاق على المحصول، قائلاً: "مدخلات الإنتاج أصبحت أكثرارتفاعًا في الأسعار، خاصة مع كثرة الأدوية التي استوجب على المزارع رشّها لمحصوله لمكافحة الحشرات التي ازدادت".

وتابع مجدي حديثه للـ"الدستور" قائلًا: "للتغيرات المناخية تأثيرات أخرى على المحصول، حيث تسببت في  القضاء على طائر أبو قردان، وذلك نتيجة شدة الحرارة التي تتسبب في موته، وهو الطائر الذي يمثل صديقًا للفلاح، بأكله الحشرات والقوارض".

وأوضح: "محاولات الفلاح للتصدي لموجات الحر الشديدة، وكذلك موجات الصقيع تتمثل في تغطية المحصول بما يعرف بالثيران، ولكنه أمر مكلف للغاية، لا يستطيع أي مزارع تحمله، فالفدان الواحد يتكلف لتغطيته حوالي 100 ألف جنيه".

مانجو الصعيد "تنجو" من العاصفة 

في الوقت نفسه يقول حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، إن التغيرات المناخية الأخيرة أثرت على 30% من إنتاج المحصول في مصر، وذلك بالأخص بسبب رياح الخماسين التي شهدتها مصر في شهر مايو الماضي وكذا ارتفاع درجات الحرارة الشديد إذ أن محصول المانجو يحتاج إلى درجات حرارة معتدلة لا تزيد عن 30 درجة مئوية، مشيرًا إلى أنه في هذه الفترة كانت الأشجار في طور التزهير وهو طور هش وضعيف يتأثر بسرعة بفعل العوامل الخارجية، وهو ما حدث بالفعل.

حسين أبو صدام

وتابع أبو صدام: سقوط ثمار المانجو في طور التزهير أدى إلى انخفاض الإنتاجية وكذلك انخفاض الجودة، وهو ما نلاحظه في الأسواق هذه الفترة، مشيرًا إلى أن أكثر المدن التي تضررت بانخفاض إنتاجية المانجو بسبب التغيرات المناخية وخاصة هذا العام هي مدينة الإسماعيلية حيث كانت الرياح الشديدة فيها أثناء طور تزهير المحصول بينما لم تكن مانجو الصعيد هذه الفترة في هذا الطور.

وأشار نقيب الفلاحين في حديثه مع "الدستور" إلى أن أكثر أنواع المانجو تأثرًا بتغيرات المناخ هي الأنواع البلدية، مثل الزبدية، وعويس وغيرهما بينما الأصناف الأجنبية مثل الكيت والكينت فهي أكثر تحملًا لدرجة الحرارة، ويتم حصادها في شهر نوفمبر حيث درجات الحرارة معتدلة.

وأوصى صدام الحكومة بضرورة تنشيط الإرشاد الزراعي لأداء دوره في توعية المزارع بالأمراض المستحدثة التي تصيب محاصيله بفعل تغيرات المناخ وكيفية التعامل معها، وكذا إيجاد حلقة من الوصل بين المزارع وهيئة الأرصاد الجوية لإرشاده أيضًا عن حالة الطقس لحظة بلحظة وما يتبعها من حركة للرياح والأمطار، ليستطيع أن يوفر احتياطاته الكاملة لحماية محصوله.

واقترح كذلك استخدام الحكومة الطائرات الهليكوبتر لرش أراض المانجو، وذلك لاتسامها بالمساحات المهولة التي يصعب معها عمليات الرش.

مطالبة بعودة دور الإرشاد الزراعي 

الدكتور علاء جمعة استشاري زراعة المانجو بكلية الزراعة جامعة قناة السويس، أوضح أن المزارعين في الماضي كانوا يعتمدون على قاعدة واضحة وهي أنه في حال تكرر تساقط الصقيع على أي أرض لمدة 3 أعوام أو أربعة على التوالي، فإنه يتم العزوف عن زراعة المانجو نهائيًا في هذا المكان، على أن يتم استبداله بمحصول آخر يتحمل درجات الحرارة الباردة.

وتابع جمعة في حديثه مع "الدستور" أن الوضع حالياً قد اختلف كثيراً، حيث تحولت درجات الحرارة لتصبح مرتفعة ارتفاعاً غير مسبوق في الصيف، ومنخفضة انخفاضاً غير مسبوق كذلك في الشتاء لتصل إلى حد الصقيع في مناطق كثيرة مرات متتالية، لذا فلا يمكن التوقع ماذا سيحدث في الفترات القادمة.

وأوضح علاء أن ما يمكن فعله حاليًاهو تقبّل تلك التغيرات المناخية والتكيف معها، مشيرًا إلى أن ذلك يكون من خلال اتباع المزارع طرق جديدة للتعامل مع هذا التغير أولها متابعته للنشرات الجوية الرسميةأولًا بأول، وتجهيز محصوله لما يتوافق مع تعليماتها منذ فترات كافية.

في فترات الصيف كذلك ينبغي على المزارع حسب علاء أن يزيد من فترات ري محصول المانجو، ولا يزيل الحشائش أسفل أشجارها فهي تقلل من معدلات الرطوبة والحرارة، منوهاً إلى ضرورة العودة إلى مصدات الرياح التي تصدّ عشر أضعاف طولها من الرياح وبذلك تحمي أجزءً كبيرة من الثمار.

وتابع استشاري المانجو أنه يجب كذلك تغليف ثمار المانجو في فترات الحرارة الشديدة، مشيرًا إلى أن ذلك الأمر غير مكلف على الإطلاق كما يدعي البعض فيمكن أن يستخدم أوراق "الكراسات القديمة" في ذلك والدبابيس، وفي فترات الصقيع فيجب استخدام أي مادة تذيب من حبات الصقيع ويتم تثبيتها فوق الشجر.

واختتم جمعة حديثه بضرورة عودة دور الإرشاد الزراعي لتوعية الفلاح خاصة مع تلك التحديات الجديدة التي تواجهه ويفرضها عليه المناخ وتغيراته.

أشهر أنواع المانجو في مصر