رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيد الوكيل: صناعة النشر منتعشة لكن المحتوى المنشور يتضاءل فى قيمته

سيد الوكيل
سيد الوكيل

ما بين أول الكتب المنشورة وصولا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبات ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء فيما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتى حقوق الملكية الفكرية وغيرها. في سلسلة حوارات تقدمها الــ«الدستور» يحكي الكتاب تجاربهم مع عالم النشر.

 

وحول تجربته مع دور النشر، يحدثنا الكاتب القاص والناقد سيد الوكيل، صاحب مؤلفات: «أيام هند، عملية تذويب العالم، لمح البصر، فوق الحياة قليلا، شارع بسادة، للروح غناها، الحالة دايت، مقامات في حضرة المحترم وغيرها».

 

ــ ما الصعوبات التى صادفتك فى طريق نشر كتابك الأول؟

خلال الثمانينيات من القرن الماضي وحتى منتصف التسعينيات، كانت دور النشر الخاصة محدودة جدا في عددها وإمكانياتها، وكانت المؤسسات الثقافية تعطي الأولوية لكبار الكتاب، فكان على الأجيال الصاعدة أن تعتمد على نفسها، كونا جماعة أدبية «نصوص 90» تجتمع في مقهى ريكس مرة كل أسبوع، ونجمع من كل عضو خمسين جنيها في الشهر، تكلفة كتاب بمطبعة عتيقة بالأزهر، طبعا بنظام الجمع قبل الأوفيس.

أذكر أن مرتبي في هذا الوقت كان أقل من ثمانين جنيها لكن الإرادة وطاقة الإبداع فرضت نفسها علينا، وأصدرنا خلال عامين «13» كتابا منها «أيام هند» مجموعتي القصصية الأولى. كنت بدأت الكتابة فيها منتصف السبعينيات لكن لم أتمكن من نشرها إلا بفضل هذه الجماعة التي تأسست على وعي جديد يناسب التحولات العالمية.

كان حجم المعاناة والثمن الذي دفعناه فادحا لهذا كلما سمعت شخصا يتكلم عن الماضي بوصفه الزمن الجميل أضحك في سري. لكن الجمال الوحيد الذي صادفني في هذا الوقت، كان مقالا كتبه العم محمد مستجاب، عبر فيه عن دهشته، أن يكون هذا الإصدار الأول لشاب على هذه الدرجة من النضج الفني.

 

ــ ما المشاكل التي واجهتها بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية؟

مشاكل حقوق الملكية أكثر شيوعا الآن مع انتشار دور النشر الخاصة، وقد تعرضت لها مرة واحدة، ولكني لا أحب الدخول في معارك من هذا النوع، فهي إحدى صور البطولة الزائفة. لقد كنت ومازلت أكثر اهتماما بمشروعي، أعمل على تطوير ذاتي فهذا عندي أهم من النشر والجوائز، ولهذا فحجم إصدارتي قليل، بالقياس إلى آخرين من جيلي وربما أصغر مني سنا، ولكني الآن راض عما حققته من تنوع ومستويات التجريب في إبداعي، فضلا عن كتاباتي النقدية، ودوري كمثقف فاعل في الحياة الثقافية.. لقد كنت على حق لأني لم أسع لخوض معارك ولم ألهث وراء الجوائز.

 

ــ كيف تواجه هذه المشكلات مع الناشر؟ وما أصعب موقف تعرضت له؟

أصعب موقف تعرضت له، عندما رفض رئيس تحرير سلسلة في هيئة الكتاب روايتي “فوق الحياة قليلا” التي كتبتها في منتصف التسعينيات، وكانت أول رواية تمثل كتابة مضادة تقوم على تفكيك الأنماط السائدة للسرد، وهو ما عرف برواية اللارواية، فهي لا تنشغل بالتصميم المسبق بقدر ما تستلم للتداعي الحر، حيث تتوالد محاورها من داخلها، وتطرح الأسئلة على الواقع الثقافي لا الواقع الاجتماعي كما جرت العادة.

 

طبعا أثارت خلافا كبيرا لدى النقاد بين الرفض والقبول. لكن فيما بعد، أصبح هذا النوع من السرد شائعا ومعروفا بالرواية الحجاجية، وتناولها بعض الأكاديميين في أبحاثهم، كان آخرها بحثا بعنوان “فاعلية التقنيات الحجاجية في رواية فوق الحياة قليلا لسيد الوكيل” للدكتور محمد محمود حسين هندي بجامعة سوهاج.

لست ساخطا على من رفض الرواية وقت كتابتها، هذا سلوك نفسي يدفعنا لرفض التجديد لأنه يشعرنا بالاغتراب.

 

ــ ما الذي حلمت به لكتاب من كتبك ولم يتحقق وتأمل أن تتداركه مع مؤلف جديد؟

في عام 2015 صدر لي كتاب نوعي بعنوان “عملية تذويب العالم” ليس سردا ولا نقدا بقدر ما هو قراءة مستقبلية، تستشرف سياسات العولمة، وأثرها القادم على المنتج الثقافي في العالم، منه مثلا أن الرواية لن تكون إبداعا ذاتيا، بقدر ما هي إعادة إنتاج (recycling) لموضوعات مطروقة وأفلام سينما شهيرة. فالعولمة تسعى إلى تحقيق نمط ثقافي وسياسي واقتصادي واحد للعالم، لتؤكد الهيمنة الأمريكية. ما ترتب عليه تراجع دور الأكاديميات، ونهاية النخب الثقافية واستبدالها بطابع ثقافي شعبوي من خلال فيديوهات ووقائع مفبركة، تحظي بالترند وتشتهر على حساب الحقيقة.

 

في هذا الكتاب فصل بعنوان «إنه عالم يتشظى» وهو ما يحدث الآن مع تداعيات كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية، وتغيرات المناخ، وظواهر التضخم في الاقتصاد العالمي، وانقسام العالم إلى تحالفات متصارعة، وهو ما يهدد بحرب نووية قد تفضي إلى نهاية العالم. باختصار هذا الكتاب على أهميته همش تماما ومات تقريبا، لأن النزعة الشعبوية للثقافة لا تهتم إلا بالشائع واليومي والمعتاد.

 

- في رأيك صناعة النشر في تقدم أم تراجع؟

انتعشت صناعة النشر خلال السنوات الماضية، لكن المحتوى المنشور يتضاءل في قيمته، كما أن النشر الورقي مهدد، بل يمكن القول إن عصر الكتابة برمته يتراجع، وسوف تحتل الصورة مكانه. فمثلا حفيدي يأخذ موبايلي ويشاهد مواد أنا لا أعرفها ولا أدرك أنها موجودة على موبايلي أصلا، لماذا؟ لأن أنا أتعامل مع الموبايل بوعي الكتابة، أما هو فيتعامل مع أيقونات لأنه ابن عصر الصورة، هذا السلوك سوف يشمل كل ممارسات الحياة اليومية في المستقبل، ورؤيتي تلك، جعلتني أفضل النشر الإلكتروني PDF وأراهن على موقع صدى الذي أنشأته ليوثق لذاكرة القصة المصرية.