رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فوضى غير مسبوقة.. ماذا سيحدث فى إسرائيل بعد تمرير الإصلاحات القضائية؟

إسرائيل
إسرائيل

صادقت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلى، الإثنين الماضى، على مشروع قانون إلغاء «سبب المعقولية»، بتأييد ٦٤ عضو ائتلاف، فى جلسة قاطعها أعضاء البرلمان عن أحزاب المعارضة، وسط احتجاجات شعبية واسعة تضمنت اعتصامات وإضرابات وفوضى غير مسبوقة.

وبعد إقرار القانون نهائيًا، أصبح القضاء الإسرائيلى غير مخوّل بإلغاء قرارات الحكومة الإسرائيلية تحت حجّة «عدم المعقولية»، الأمر الذى يستدعى فهم تلك الحجة، وسبب التصويت على إلغائها، والتداعيات المتوقعة لذلك داخل إسرائيل وخارجها.

إلغاء قانون «المعقولية» همّش دور القضاء فى مراجعة القرارات الحكومية والرقابة عليها

قالت القناة الـ١٢ الإسرائيلية إنه بعد التصويت بالقراءة الثالثة والأخيرة على قانون «سبب المعقولية» فإن القضاء الإسرائيلى لم يعد مخوّلًا بإلغاء قرارات الحكومة ووزرائها تحت حجّة «عدم المعقولية».

وقانون «سبب المعقولية» هو قانون يتيح للمحكمة الإسرائيلية مراقبة ومراجعة القرارات الحكومية، وإبطال مفعول بعضها فى حال لم تتوافق مع الصالح العام، كما يمنح السلطة القضائية الصلاحية القانونية والإدارية لرفض القرارات الحكومية، سواءً فيما يتعلق بالتعيينات فى السلك العام من الوزارات وغيرها، أو فى القرارات العامة الأخرى التى تتعارض مع الصالح العام، ولا تعطى المصلحة العامة الوزن المناسب.

وسعى الائتلاف الحكومى الإسرائيلى الحالى لتمرير قانون «إلغاء سبب المعقولية»، الذى من شأنه تهميش دور المحكمة فى التدخل بالقرارات الحكومية، ولا سيما تعيين الوزراء ونوابهم وغيرها.

ورحب اليمين الإسرائيلى بذلك، فيما دعت المعارضة لإسقاط مشروع القانون الجديد، وسط احتجاجات متصاعدة.

وأيد وزير الأمن، يوآف جالانت، مشروع القانون، بعد فشل جميع المساعى للتوصل إلى تسوية بين الائتلاف والمعارضة عليه.

فيما علّق وزير الأمن القومى الإسرائيلى، إيتمار بن غفير، على التعديل بالقول: «هذه بشرى سارة لإسرائيل، فبدءًا من اليوم ستكون إسرائيل أكثر ديمقراطية، والقانون الذى أقررناه اليوم مهم للديمقراطية، لكن هذه فقط البداية».

وأضاف السياسى اليمينى المتطرف: «من أجل دولة إسرائيلية أكثر يهودية وديمقراطية يجب أن نمرر بقية قوانين الإصلاح، بما فى ذلك تغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة، وتغيير سلطات المدعين العامين».

وغادر أعضاء المعارضة فى الكنيست جلسة التصويت بعد الاتفاق على مقاطعتها تعبيرًا عن رفضهم التشريعات القضائية.

وقال يائير لابيد، زعيم المعارضة، فى كلمة له عقب مصادقة الكنيست على قانون إلغاء «سبب المعقولية»: «لن نستسلم، ولن يقرر المتطرفون شكل الدولة، وسنستأنف العمل أمام المحكمة العليا».

وأضاف: «لن نرمى المنديل، ولن نتنازل فى معركتنا، لأنها سوف تحدد مصيرنا، ولن نتنازل، والنضال لم يتوقف لأنه بدأ الآن».

وبعد التصويت، قال بينى جانتس، رئيس حزب «أزرق أبيض»، إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكومته قد فشلوا، مضيفًا: «أمامنا خطر حقيقى، وسنلغى التشريع عندما نصل إلى السلطة».

وتابع: «الانقسام يمس إسرائيل وأمنها، وهذا هو خراب الهيكل الثالث، ولن نسمح بخرابه»، مشددًا على أن «زمرة من المتطرفين يقودون إسرائيل نحو الهاوية». وجاء تمرير القانون بعد أسابيع من محاولات للتسوية بين اليمين الحاكم والمعارضة، مع انهيار كل المحاولات للتوصل لتسوية حول إصلاح جهاز القضاء الإسرائيلى، وتأكيد مصادر فى الائتلاف والمعارضة على حد سواء فشل الجهود التى قادها الرئيس الإسرائيلى يتسحاق هرتسوج، ورئيس الهستدروت أرنون بن دافيد، فى محاولة للتوصل إلى تسوية.

فى حين شدد قادة الاحتجاجات على عدم تفويض قادة المعارضة بالتوصل إلى تفاهمات لا تضمن «الوقف الفورى والكامل» للتشريعات القضائية الجديدة.

الاحتجاجات مستمرة.. و«الهستدروت» يجتمع لبحث الدعوة لإضراب عام

تصاعدت الاحتجاجات خارج الكنيست الإسرائيلى يوم التصويت على إلغاء قانون «سبب المعقولية» والأيام التى تلته أيضًا، وسط مواجهات مع الشرطة أدت لاعتقال ١٩ متظاهرًا على الأقل، بالتزامن مع بدء تصويت الهيئة العامة للكنيست على التعديل القانونى.

وحاول المتظاهرون عرقلة وصول أعضاء «الكنيست» إلى مبناهم، وأغلقوا مداخله، كما أغلق آلاف المتظاهرين ضد التعديلات القضائية الطريق المؤدى نحو مبنى «الكنيست».

وفى الأسبوع السابق على التصويت شارك أكثر من نصف مليون إسرائيلى بالتظاهرات الاحتجاجية التى دخلت أسبوعها الـ٢٩ على التوالى.

فى المقابل، دعت مصادر فى الائتلاف الحكومى، وفق الإعلام الإسرائيلى، إلى إدانة حصار «الكنيست» من قبل المتظاهرين، خاصة عندما ربط متظاهرون من حركة «إخوة السلاح» أنفسهم وقطعوا الطريق لمنع وصول أعضاء البرلمان.

فيما اعتقلت الشرطة ٣ مستوطنين أمام منزل وزير الاقتصاد الإسرائيلى نير بركات، فى القدس، ونشر نتنياهو صور المتظاهرين الذين يغلقون الطرقات وكتب عليها: «ليس هذا هو الطريق».

وأفادت وكالة «رويترز» للأنباء بأن اتحاد نقابات العمال فى إسرائيل «الهستدروت» سيعقد اجتماعًا لبحث إمكانية الدعوة لإضراب عام بعد التصويت على التغييرات القضائية، احتجاجًا على ذلك.

كما وصلت الاحتجاجات إلى أكثر الأماكن حساسية فى إسرائيل، إذ ذكر تقرير للقناة الإسرائيلية الـ«١٣» أن مجموعة من كبار علماء الذرة فى إسرائيل يهددون بالانسحاب من مناصبهم احتجاجًا على التشريعات.

تحذيرات من تداعيات خطيرة على الاقتصاد 

والأمن والعلاقات مع الولايات المتحدة

مع استمرار الاحتجاجات ضد التعديلات القانونية الأخيرة، رصد معهد أبحاث الأمن القومى فى إسرائيل عددًا من التهديدات التى ستنتج عن تمرير الإصلاحات القضائية، التى يعد قانون «سبب المعقولية» جزءًا أساسيًا منها.

وحذر المعهد من أن تداعيات الإصلاحات ستكون خطيرة على إسرائيل فى عدد من مناحى الحياة، سواء الاقتصادية أو الأمنية أو الدبلوماسية. وأوضح أنه فى ظل المخاطر فى الجبهة الشمالية مع إيران و«حزب الله» اللبنانى، وفى غزة، والتوترات فى الضفة الغربية، كان من المتوقع أن تركز إسرائيل بكامل قوتها على التعامل مع هذه التحديات الخطرة، إلا أن الأزمة الداخلية تقلص قدرتها على ذلك. وأشار إلى أن الضرر الأكبر هو الذى يلحق بالجيش الإسرائيلى، الذى كان فى السابق منظومة فوق كل الخلافات الداخلية، موضحًا أنه أصبح هناك الآن ضرر لحق بجنود الاحتياط، وبصورة خاصة بوحدات النخبة التطوعية، وطواقم سلاح الجو، والقوات الخاصة، وأجهزة الاستخبارات. ونوه إلى أن الاضطرابات الداخلية وتمرير القوانين المثيرة للجدل تؤثر بشكل كبير على علاقة إسرائيل بالغرب، خاصة الولايات المتحدة، مع استمرار التراجع باطراد بسبب الإصلاحات القضائية والخطوات الأحادية الجانب على الساحة الفلسطينية، وذلك فى الوقت الذى تريد فيه تل أبيب دعم واشنطن أكثر من أى وقت مضى فى مواجهة إيران، وأيضًا من أجل دعم وتوسيع «اتفاقيات إبراهيم» مع الدول العربية. وأضاف المعهد أن الدفع بالإصلاحات القضائية يؤدى كذلك إلى ضرر إضافى على الاقتصاد، وإلى مخاوف كبيرة فى أوساط اقتصادية واسعة فى إسرائيل وخارجها، وهو ما يمكن أن يلحق الضرر بالسوق الإسرائيلية. فيما أشارت وسائل إعلام عبرية إلى أنه بعد إلغاء «سبب المعقولية» فى الكنيست حدث هبوط حاد فى بورصة تل أبيب، مشيرة إلى تراجع البورصة بنسبة ١.٦٪، وانخفاض العملة الشيكل بنسبة ٠.٣٪ أمام الدولار.