رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"أصدقاء النار".. عمال المسابك: "اتعودنا على المشقة" (صور)

جريدة الدستور

صناعة مصرية أصيلة بجهد "الأيادي الشقيانة"، تقف أمام النار لتقتنص من بين لهيبها رزقها ورزق من تعولهم، لتروضها ويصبح عمال المسابك "أصدقاء النار". 

 

تعرف متى تغضب ومتى يهدأ شرارها المتطاير، وفي كلتا الحالتين لا يستطيع أحد أن يقترب منها سوى "عمال المسابك". 

 

ليكون عمال المسابك بعددهم المتناقص آخر ما تبقى من تلك المهنة الشاقة، والتي لا يعرفون سواها منذ أن جاءوا إليها وهم في مقتبل أعمارهم ليمضي يوما تلو الآخر ويصبحوا من شيوخها دون أي خيار آخر يجعلهم قادرون على تلبية مسؤوليات حياتهم. 

 

خميس: “اتعودنا على النار وشرارها المتطاير” 

 

ومن داخل ورش المسابك بمنطقة اللبان، بالإسكندرية، يقف خميس محمد، الرجل الستيني، يمسك بعصا حديدية ويستعد لمواجهة النار الذي أشعلها وعليه أن يروضها لإنجاز مهمته، يعرفون متى تغضب ومتى يهدأ شرارها المتطاير "الوقفة دي ثمنها سنين كتير أوي، ودايما اللي يشوفنا يكون قلقان، لكن أصبحنا متعودين". 

 

يقف العامل الستيني ويحافظ على آخر ما تبقى من تلك المهنة، لتكون صناعة المسابك لتسييح النحاس مهنة أوشكت على الاندثار بسبب مشقتها الخطرة، عائدها المادي الذي لا يقوى على متطلبات المسؤولية وعدم إدراجنا في التأمينات الاجتماعية بالإضافة إلى فتح سوق المستورد الذي ينافس بقوة بخامات أقل جودة وبأسعار أقل تكلفة.

 

يلقي عامل المسابك في لهيب النار الخردة الصلبة وعليه أن يروضها حتى تخرجها لينة القوام كقوام الماء السائل، لتأخذ إلى مرحلتها الثانية ويصب النحاس السائل المستخلص في قوالب حديدية مكونة أشكال المنتج النهائي المحتوم بفخر الصناعة المصرية المحلية. 

 

وعلى عامل المسابك دائما الحيطة والحظر ليعرف متى تغضب النار وتخرج عن مألوفها ومتى تروض وتنجز ما أراد منها، فالنار تبتلع كل شيء، ولكن عليك أن تفهمها لأنك إذا أخطأت وألقيت بداخلها قطع نحاسية لا تأتلف الحرارة البالغة الشدة تتحول لقنبلة تشكل خطرا على من حولها، وهذا ما نستطيع أن نفرقه بخبرة السنوات وتفاصيل العمل في تلك المهنة الشاقة.

 

في كل يوم يتذكر "خميس" أول يوم جاءت به جدته إلى تلك الورشة وهو في عمر الـ10 سنوات لتعليمه صنعة حرفية، ليقضي من حياته 50 عاما لا يعرف صديقا لحياته سوى النار والخردة، ليعمل في كل مراحلها من غربلة التراب الحراري ليتدرج عاما تلو العام حتى مواجهة النار وتصنيع المنتج النحاسي النهائي ليصل لزبونه المحب والمقدر للصناعة المحلية. 

 

وبسبب مشقة المهنة، وقلة العائد المادي، رفض عامل المسابك، أن يواصل ابنه مسيرته لمهنة لا تورث، ويكون جيلها الحالي هو آخر أجيالها، وهذا ما نتج عنه قلة العمالة الحرفية، ولكن تظل لتلك المهنة مكانتها التي تدرجت فيها الأجيال حتى الجيل الحالي حفاظا عليها.

 

مصطفى آخر شيوخ مهنة المسابك

 

50 عاما من حياته، قضاها مصطفى حسن، أحد شيوخ مهنة المسابك، بين ترويض النار لصهر الخردة وبين لمساته الفنية في تحويل المادة النحاسية المنصهرة إلى أنتيكات ومجسمات فنية تكتسب قيمتها من جهد مراحل صناعتها ودقة تفاصيلها المنقوشة.

 

ويقف آخر شيوخ المهنة يرثيها، ويتذكر كيف تحولت من مهنة ازدهرت صناعتها في الماضي، إلى مهنة تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب محاولاتها في البقاء ولكن سيطرة المستورد أصبح هو الغالب.

 

ليقول إن لم يتبقى سوى من يعي قيمة ما تصنعه داخل المسابك من مستلزمات ومجسمات مثل الأجراس النحاسية خلاطات المياه، المواسير، وغيرها ومقارنتها بالمستورد الذي يقل سعره ولكنه يقل جودته أيضا.

 

وذكر أن عدم وجود تسعيرة محددة لسعر النحاس في الأسواق الحرفية، جعل الأسعار على هوى الحرفي المصنع وهو ما جعله عرضة للاستغلال في ظل نقص الطلب فأصبح لا حدود في التسعيرة وزيادة التنافسية المحلية بجانب الخارجية، ليزيد من حالة الركود.

351270382_564628465832829_5871686163054118900_n
351270382_564628465832829_5871686163054118900_n
348361914_649979263182999_6335699467476150563_n
348361914_649979263182999_6335699467476150563_n
348362341_912219039891880_2968990847660322659_n
348362341_912219039891880_2968990847660322659_n
351767313_921076795634535_441145442662679060_n
351767313_921076795634535_441145442662679060_n
352446169_939805830630957_272819702265341398_n
352446169_939805830630957_272819702265341398_n
352192225_267409162613548_3958106077648638993_n
352192225_267409162613548_3958106077648638993_n
348361934_993155198719907_462036248229204488_n
348361934_993155198719907_462036248229204488_n