رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبراء دوليون لـ«الدستور»: القمة الروسية الإفريقية تسهم فى إقامة نظام عالمى عادل يحترم مصالح كل الدول

القمة الروسية الإفريقية
القمة الروسية الإفريقية

نتائج إيجابية لا حصر لها يتوقعها خبراء وسياسيون من القمة الروسية الإفريقية، المقرر عقدها غدًا ولمدة ٤ أيام، فى مدينة سانت بطرسبرج الروسية، فى إطار تحركات الدب الروسى على المستوى الدولى الرامية لإيجاد عالم متعدد الأقطاب.

وتستهدف روسيا من القمة كذلك طمأنة الأصدقاء والحلفاء بشأن احتياجاتهم من الغذاء والحبوب، بعد أن أعلنت عن وقف العمل باتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، بعد انقضاء عام على تفعيلها، مبررة الخطوة بأن الدول الكبرى استغلت الاتفاقية فى تدبير حاجات شعوبها على حساب باقى الدول، ومن بينها الشعوب الإفريقية.

كما من المتوقع أن تسفر القمة عن توقيع عدة اتفاقيات لتعزيز التعاون فى مجالات الصناعة والتجارة والتنمية وتبادل الخبرات، وغيرها من الخطوات الفاعلة فى ملف التعاون الروسى الإفريقى، تستعرضها مجموعة من الخبراء السياسيين الدوليين، فى أحاديثهم التالية مع «الدستور».

تيمور دويدار: توجه روسى لاستعادة العلاقات مع القارة.. وتعزيز التعاون الاقتصادى والتصدى للتمييز

قال تيمور دويدار، رئيس وكالة تنمية التجارة الدولية فى موسكو، إن القمة الإفريقية الروسية مهمة للغاية، معتبرًا أن العلاقة بين موسكو وجميع عواصم دول القارة السمراء قائمة على الاحترام المتبادل والسعى المشترك لتحقيق التنمية، خاصة أن روسيا لم تتورط فى أى صراع أو نشاط استعمارى فى القارة.

وأضاف «دويدار» لـ«الدستور»: «اهتمام روسيا بإفريقيا حديث للغاية، وبدأ فى ستينيات القرن الماضى، من خلال الاتحاد السوفيتى الذى كان يدعم حركات الاستقلال والتحرر، وقدم العديد من المساعدات التكنولوجية فى قطاعات مختلفة، مثل الطاقة والغذاء والطب والتعليم، كما كان له دور فى بناء البنية التحتية فى الدول الإفريقية، وكانت تدخلاته قائمة على المنفعة المتبادلة».

وأشار المسئول الروسى إلى وجود توجه روسى لاستعادة العلاقات مع إفريقيا، بالفاعلية نفسها التى كانت عليها فى النصف الثانى من القرن الماضى قبل تفكك الاتحاد السوفيتى.

واستشهد بنشاط مجموعة «بريكس»، التى تترأسها جنوب إفريقيا، وتضم البرازيل والصين والهند وروسيا، والذى يدخل فى هذا الإطار ويحقق مساعى الدول الأعضاء الرامية لإيجاد عالم متعدد الأقطاب، يضمن تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين شعوب العالم أجمع، ويتصدى للتمييز والكيل بمكيالين.

وأضاف: «استجابة قادة ٥٠ دولة فى العالم لدعوة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لحضور القمة أمر مهم، فالدول الإفريقية تعانى من تخلف التقنيات الصناعية، واحتكار بعض الدول المتقدمة التكنولوجيات الحديثة، فيما الروس منفتحون على مشاركة وتبادل الخبرات مع دول القارة لتحقيق المنافع المشتركة».

وواصل: «القمة مهمة للغاية، وسيكون لها دور فى تغيير المنظومة العالمية، فى ظل وجود مخاطر تهدد الأمن الغذائى والطاقة والتكنولوجيا»، مشيرًا إلى أن المصالح الروسية تتعرض لضغوط كبيرة من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المتوقع أن تناقش القمة آليات تخفيف تأثيرات هذا الأمر. 

وتوقع أن تسفر القمة الروسية الإفريقية عن إيجاد سبل لدعم الأمن الغذائى للدول الإفريقية، من خلال تسهيل توريد المواد الغذائية بأسعار مخفضة، خاصة أن إفريقيا غنية بالأراضى الزراعية، وكل ما ينقصها لزيادة الإنتاج هو السماد والمعدات والآلات الحديثة، وهى أشياء متوافرة لدى الجانب الروسى، لكن لا يستطيع مشاركتها مع باقى الدول بسبب العقوبات الغربية عليه.

واختتم بقوله: «القمة تعد فرصة ذهبية للمنتجات الروسية لتحجز موضع قدم فى أسواق إفريقيا المتعطشة للمنتجات ذات الجودة العالية والأسعار المخفضة». 

عبدالقادر بريش: اهتمام العالم بالقارة السمراء أصبح ملحوظًا

وصف عبدالقادر بريش، عضو البرلمان الجزائرى، انعقاد القمة الثانية الروسية الإفريقية فى هذا التوقيت بأنه مهم جدًا، فى ظل التحولات الجوسياسية الحادة التى يشهدها العالم، والمساعى الروسية على المستوى العالمى من أجل إعادة تشكيل النظام العالمى الجديد، والخروج من الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وأضاف «بريش»: «دول العالم الكبرى تبدى اهتمامًا كبيرًا بإفريقيا فى السنوات الأخيرة، فقد دعت الولايات المتحدة واستضافت قمة خاصة لدول إفريقيا، كما فعلت الصين الأمر نفسه».

وواصل: «روسيا شريك وحليف استراتيجى لكثير من الدول الإفريقية المحورية، مثل مصر والجزائر، وهى مصدر رئيس للغذاء والحبوب، وفى الأزمة الاقتصادية الأخيرة التى تفاقمت نتيجة الحرب لم تدر ظهرها لإفريقيا، لكنها على العكس قررت إمداد بعض الدول الفقيرة بكميات كبيرة من الحبوب والمواد الغذائية مجانًا».

حسن دنقس: تركز على الاقتصاد والأمن وجذب استثمارات عديدة من موسكو

قال الدكتور حسن شايب دنقس، مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية والاستراتيجية فى السودان، إن انعقاد القمة الروسية الإفريقية يأتى فى وقت يشهد فيه العالم تحولات سياسية واقتصادية على كل الصعد، فيما تجابه الدول الإفريقية تحديات داخلية وإقليمية كبيرة، خاصة فى قضايا الاستقرار السياسى والأمنى.

وأضاف «دنقس»: «أهمية القمة تكمن فى عملها على تعزيز العلاقات الروسية الإفريقية فيما يتعلق بكل عناصر قوى الدولة الشاملة، وكيفية توظيفها بما يحقق المصلحة والمنفعة لكل الأطراف، خاصة أنها تأتى بعد انقطاع دام لأكثر من ٣ سنوات، بسبب الظروف الطبيعية وغير الطبيعية التى يشهدها العالم»، متوقعًا أن تخرج القمة بنتائج وتوصيات تهدف إلى تعزيز قيم الشراكة والتعاون.

ورأى أن السؤال الذى يطرح نفسه: «هل مخرجات القمة ستكون قابلة للتطبيق؟»، مضيفًا: «من الصعب أن تطبق المخرجات فى ظل صراع المحاور بين الولايات المتحدة، التى تسعى جاهدة لإبقاء هيمنتها على العالم، وروسيا التى تحاول أن تعيد النظام ثنائى القطبية».

وأكمل: «أما من جانب إفريقيا، فستركز دول القارة على جذب الاستثمارات الروسية، مع توفير الضمانات وتهيئة البيئة المناسبة لهذه الاستثمارات، إلا أن انتشار الفساد فى إفريقيا يعد العقبة الكئود أمام عدم استغلال مواردها، وفى تقديرى، ستركز القمة عمومًا على قضايا الاقتصاد والأمن، وستركز روسيا على استقطاب بعض الدول الإفريقية لمحورها..

جبرين عيسى: ستصنع فرصة كبيرة للاستفادة من الدب الروسى خاصة فى التكنولوجيا

رأى الصحفى والمحلل السياسى التشادى، جبرين عيسى، أن أهمية القمة الإفريقية الروسية تكمن فى التوقيت، فالعالم فى هذه السنة تغير بشكل كبير جدًا، ما أثر بشكل أو بآخر على الدول الإفريقية.

وقال «عيسى»: «القمة تخلق فرصًا كبيرة من أجل مواجهة التقلبات الاقتصادية والأمنية فى إفريقيا، وتعمق التعاون مع روسيا فى ملفات مختلفة، منها- بحسب أجندة المؤتمر- مجال الأمن والتنمية ومجالات العلوم والتكنولوجيا والمجال الإنسانى والاجتماعى، إضافة إلى التعاون فى المجال السياسى».

وأضاف: «القمة مهمة جدًا؛ فهى تأتى بعد انقطاع دام سنوات بسبب فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، والمتغيرات التى أثرت بشكل سلبى على إفريقيا فى مجالات كثيرة، وأتوقع أن تقدم لإفريقيا الكثير، فمن ناحية روسيا لديها تكنولوجيا متنوعة وصناعات عسكرية وصناعات إنشائية وصناعات زراعية متقدمة، وهذه كلها مجالات تستطيع الدول الإفريقية أن تستفيد منها، خاصة فيما يتعلق بمشاريع التنمية والبنية التحتية، وكذلك مشاريع التنمية الزراعية، إلى جانب الاستفادة من التكنولوجيا الروسية».

وواصل: «أعتقد أن هذه القمة ستخلق فرصة كبيرة للاستفادة من الدب الروسى، كما أن موقف الدول الإفريقية من العقوبات الغربية على روسيا سيكون مختلفًا، فمن المتوقع أن تلعب الدول الإفريقية دورًا مهمًا جدًا على مستوى العالم، إذ بدأت إفريقيا تأخذ مكانتها فى العلاقات الدولية والاستقطاب الجارى بين الشرق والغرب، وذلك بسبب مواقعها الاستراتيجية، إضافة إلى أن إفريقيا هى المستقبل والقارة الخام».

إيمان الشعراوى: توقيتها مهم بعد «تمرد فاجنر».. وتسهم فى تحقيق الأمن الغذائى وإقامة مشروعات مشتركة

رأت الدكتورة إيمان الشعراوى، الباحثة فى الشئون الإفريقية، أن انعقاد القمة فى هذا التوقيت يحمل الكثير من الدلالات، على رأسها عدم اقتصار الصراع الدولى بين روسيا والغرب على أوكرانيا، بل دخول إفريقيا على الخط كساحة أكثر تنافسية بين الطرفين لتحقيق المصالح، والاستفادة من الثروات الطبيعية التى تتمتع بها القارة، وكتلتها التصويتية الكبيرة فى المحافل الدولية.

كما أشارت إلى انعقاد القمة بعد «القمة الأمريكية/ الإفريقية» فى واشنطن، خلال ديسمبر ٢٠٢٢، وفى ظل المحاولات الأمريكية لاستعادة علاقاتها مع إفريقيا، بعد فترة التراجع التى شهدها عصر الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب.

وأضافت أن هناك أمرًا هامًا متعلقًا بتوقيت انعقاد القمة، وهو الخلاف بين قوات «فاجنر» والحكومة الروسية، والضبابية التى تحيط بدور هذه القوات فى إفريقيا، وما يُثار حول دعمها عددًا من أنظمة الدول الإفريقية، وتدريب الجيوش الوطنية، والسيطرة على أماكن استخراج الذهب والمعادن المهمة، وتمركزها فى نحو ١٥ دولة إفريقية، خاصة إفريقيا الوسطى وليبيا ومالى والسودان.

وتوقعت أن تحقق هذه القمة الكثير من الإيجابيات للدول الإفريقية، خاصة ما يتعلق بمواجهة أزمة الأمن الغذائى التى تعانى منها القارة، عن طريق دعم التعاون مع دول القارة فى المجال الزراعى، فى ظل تجاوز صادرات روسيا الزراعية ٤١ مليار دولار، ووجود الإمكانات لزيادة التجارة وتنفيذ مشروعات زراعية مشتركة.

وأضافت: «الأهم من ذلك العمل على نقل التكنولوجيا الزراعية الحديثة إلى إفريقيا، كما أنه من المنتظر أن يكون هناك تعزيز للتعاون فى مجال الطاقة مع الدول الإفريقية، الأكثر إنتاجًا للطاقة، فى ظل التنافس الغربى للحصول على النفط الإفريقى، بعد الأزمة الروسية الأوكرانية».

وأشارت إلى أن روسيا لا تركز فى علاقاتها مع الدول الإفريقية على الجانب الاقتصادى، وهو ما ظهر جليًا فى نصيب روسيا من التجارة الخارجية مع الدول الإفريقية، والذى يبلغ ٢٪ فقط، وهى نسبة ضعيفة.

نزار جليدى: ضربة للغرب وورقة رابحة فى إقامة نظام مالى عالمى جديد

قال نزار جليدى، المحلل السياسى التونسى، إن روسيا باتت أكثر اهتمامًا بورقة إفريقيا حاليًا، خاصة بعدما أصبح العديد من الدول الإفريقية حلفاء لروسيا، ومنها الجزائر على سبيل المثال.

وأضاف «جليدى»: «روسيا تعول كثيرًا على التغييرات الجديدة فى إفريقيا، خاصة فى دول الساحل والصحراء، بعد أن استنفدت فرنسا مكانتها فى القارة، ما يجعل موسكو تفكر فى الاستفادة من ثروات هذه المنطقة».

وواصل: «روسيا تبحث عن ورقات سياسية واقتصادية رابحة، وستحقق تنمية اقتصادية فى إفريقيا، من أجلها ومن أجل إفريقيا، لأن تحالفهما يمثل ورقة أمان ودعم دولية، فبالنظر إلى الأرقام، فإن إفريقيا بها عدد كبير للغاية من القوى العاملة، ومن هنا تستطيع روسيا أن تجد حلًا لمشكلاتها الاقتصادية، خاصة مع انهيار النظام المالى العالمى».

وتوقع «جليدى» أن تركز القمة على التنمية، وإقامة نظام مالى عالمى جديد، خاصة مع محاولات دول عديدة الانضمام إلى تجمع «بريكس»، معتبرًا أن القمة ستكون ضربة موجهة للتحالف الأوروبى الغربى القديم، الذى يؤكد ويتعامل مع إفريقيا باعتبارها «تحت الوصاية».