رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأستاذ حسام هاشم!

أول مرة أصطدم به كانت فى ٢٠٠٣، كنت أعد تقريرًا لروزاليوسف عن أمر ما، وخطر فى ذهنى أن أستطلع رأيه.. على الهاتف الأرضى جاء صوته وكأنه خارج من ثلاجة.. يجمع بين التعالى والبرود بدرجة متساوية.. ما أن طرحت سؤالى عن غزو أمريكا للعراق حتى انفتح يتحدث لمدة ساعة بحماس ليس له نظير.. مع عباراته الأولى قررت ألا أقاطعه أو أتحاور معه من الأساس.. استقبلت كلامه بنوع من اللا اهتمام وتوقفت عن تسجيل نقاط الحديث على ورق الدشت كما كنا نفعل فى الماضى.. أغلقت سماعة التليفون الأرضى وأنا أضحك.. سألنى زميلى فى المكتب المجاور.. ما الذى يضحكك؟ قلت «أول مرة أرى مصريًا من المحافظين الجدد أو ربما من حزب الليكود نفسه»!.. كان ذلك بعد غزو العراق مباشرة.. وكان الغزو من نتاج أفكار المحافظين الجدد فى أمريكا.. وشهدت مصر ظهور بعض من يعتنقون أفكارهم.. لأسباب واضحة.. كان حسام هاشم مؤيدًا لغزو العراق أكثر من جورج بوش نفسه.. وكان يرى فى قتل مئات الآلاف من المدنيين عملًا رائعًا لا مانع منه.. وكان يرى أن الفلسطينيين مخطئون على طول الخط، وأن الإسرائيليين على صواب دائمًا! وأن الليكود الإسرائيلى «أكثر الأحزاب هناك تطرفًا» هو أفضل من تعامل مع العرب! كان الأستاذ «حسام هاشم» قائد فصيل عُرف فيما بعد باسم «المارينز الثقافى»، وهو وصف مؤدب لنوع صريح من العملاء والآكلين على موائد السفارات الأجنبية.. استوقفنى هذا النموذج وحاولت أن أفهم دوافعه.. كان لديه نوع من «الانبهار بالعدو» والتماهى معه.. كان وما زال من نوع يمكن اعتباره «عميلًا بالاختيار»، عرفت أنه درس الأدب الإنجليزى وبدأ طريقه بالعمل بالقطعة فى الصحافة الأجنبية.. دراسة اللغات الأجنبية أمر رائع ووسيلة لفهم حضارات الآخرين.. ولكن أحيانًا يتسلل لأقسام اللغات الأجنبية نوع مريب من الطلبة.. يعتبرون أن ولاءهم يجب أن يكون للبلد الذى يتحدث اللغة التى درسوها.. أو أن اللغة تصلح لتكون معبرًا يقفز به الطالب من واقع فقير مجدب إلى حياة فخمة يحياها الدبلوماسيون فى البيوت الملحقة بالسفارات والمراكز الثقافية الأجنبية.. الحالة النموذجية لهذا الانبهار كانت حالة «زكريا موساد»- الاسم حقيقى- وهو طالب كان يدرس العبرية، واعتبر أن هذا مبرر كافٍ لأن يقضى كل أوقاته فى سفارة الدولة التى تتحدث هذه اللغة ومركزها الأكاديمى.. وقد شاع أمره بين زملائه فى منتصف الثمانينيات فسموه ساخرين بهذه التسمية التى هى حل عبقرى يجمع بين الإدانة والقبول فى نفس الوقت.. فقد انتفى الخطر منه لأن آلاف الطلاب يعرفون أنه ليس مجرد زكريا.. ولكنه «زكريا موساد»!.. أظن أن الأستاذ «حسام هاشم» ينتمى لهذه النوعية.. وقد ترقى من صبى للمراسلين الأجانب لرئيس تحرير مجلة بالإنجليزية ثم لمشرف على مشاريع إعلامية تمولها الخارجية الأمريكية بعد ٢٠٠٥، ومن الواضح أنه كان يبلى بلاءً حسنًا لدرجة أن الرئيس جورج بوش الابن قابله مقابلة خاصة «بوش أكثر رؤساء أمريكا نيلًا لغضب الأمريكيين ويصفونه بالكذاب لأنه ادعى امتلاك العراق أسلحة دمار شامل».. الأستاذ «حسام هاشم» له أسلاف تاريخيون شكلوا سابقة فى حالة «الانبهار بالعدو» والعمل فى خدمته تحت شعارات كبيرة.. من هؤلاء المعلم يعقوب وهو مصرى انضم لقوات الحملة الفرنسية وحارب معها وأشيع أن علاقة آثمة ربطته بالقائد الفرنسى ديزيه.. وقد خرج مع الحملة إلى فرنسا لكنه مات فى عرض البحر، فوضع الفرنسيون جثمانه فى برميل نبيذ حتى لا يتعفن ويأكله الدود.. مع الاحتلال البريطانى كان هناك فارس نمر وإخوته، وهم صحفيون شوام أصدروا جريدة المقطم للدفاع عن الاحتلال البريطانى ومهاجمة القوى الوطنية.. وقد ذهبت المقطم مع الاحتلال وأصبحت أثرًا بعد عين.. أسقطها المصريون من ذاكرتهم وداسوها بأقدامهم.. غير أن العمالة للعدو خطيئة لا تموت.. من عدة أيام رأيت الأستاذ «حسام هاشم» على شاشة قناة إخوانية يتحدث عن التغيير والديمقراطية... إلخ.. فابتسمت ابتسامة خفيفة وتذكرت أن الأستاذ حسام هاشم هو أول مصرى يعتنق أفكار الليكود.. كما سميته ساخرًا فى عام ٢٠٠٣.

من كتاب «درج الذكريات»