رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معك يا وائل إحسان "مطرح مطروح"

هذا مقال تأخرت عن كتابته كثيرًا، ربما ثلاثين عامًا أو يزيد، كلما قررت الاحتفاء بالمخرج المصري الموهوب وائل إحسان، تراجعت خطوتين للخلف لأن شهادتي عنه هي شهادة مجروحة، حيث صعدنا معا ونحن في العشرينات من أعمارنا نحو نيران الفنون، كنا جيران في السكن بالإسماعيلية نرتاد الندوات وبروفات المسرح في قصر الثقافة ونقضي بقية الليل نتابع مسار النجوم في سماء الصيف.
وائل إحسان الموهوب حتى النخاع هو المغامر الأكبر من بين أبناء جيله، انتهي من بكالوريوس التجارة بجامعة الزقازيق، وكنت أدرس الآداب بنفس الجامعة، نسافر يوميًا في قطار السابعة صباحًا ونعود مع المغرب لنبدأ حرث شوارع الإسماعيلية وندواتها. 
لن أطيل في نوستالجيا التاريخ، ولكنني سوف أقفز سريعًا كي أصل إلى هذا الأسبوع، وائل إحسان يحضر افتتاح فيلمه الأخير "مطرح مطروح" في سينما بأحد المولات الشهيرة ويحضر معه نجم الصف الأول الفنان الكبير محمود حميدة، هنا بالتحديد لم يعد للخجل من حكاية الشهادة المجروحة من معنى وصارت الكتابة عن رحلة وائل إحسان الفنية واجبة.
جاءت الشهرة للمخرج وائل إحسان من بوابة الفيلم الكوميدي، ربما كانت السوق السينمائية في هذه المرحلة تحتاج إلى تلك النوعية من الأفلام والمعروف هو أن وائل إحسان دمه خفيف أصلًا ولا يمكن وأنت معه أن تتوقف عن السعادة من قفشاته الذكية، لذلك كان طريق الكوميديا بالنسبة له سهلًا، وشاهدنا له، على سبيل المثال، أفلام "الباشا تلميذ، واللمبي، واللي بالي بالك، وكذلك وش إجرام، ورمضان مبروك أبو العلمين حمودة  وأمير البحار ومطب صناعي وعندليب الدقي وزكي شان وظرف طارق وغيرها"، لكن وائل إحسان المغامر الرافض للقولبة الفنية، يتوقف لحظة ثم يستعرض مهاراته ويقدم للمشاهد الفيلم المختلف الذي يسحب الدموع من عينيك سحبًا، وهو فيلم "ساعة ونص".
من الحبكة الصعبة لفيلم "ساعة ونص"، التي لعبت على عنصر الزمن وضيق موقع التصوير يأتي فيلمه الجديد "مطرح مطروح"، حيث يحاصر وائل إحسان نفسه في بقعة ضيقة لتصوير فيلم كامل وهذه صعوبة كبرى وتحد عظيم تكشف إمكانات المخرج الموهوب القادر على إيجاد الحلول.
الإمكانات المتاحة لتصوير أي فيلم تفرض على المخرج وفريق العمل جودة معينة، لكن الحكاية عند وائل إحسان مختلفة تمامًا، بالرغم من أهمية الإمكانات، ولكن وائل يذهب بهدوء إلى المناطق المختفية في أدوات العمل ليخلق منها نسيجا جديدا مبهرا، يفعل ذلك بكل سلاسة مع فريق التمثيل المشارك معه؛ ليفجر من داخلهم المناطق الأكثر تميزًا فيهم، لذلك تجد كوميديا الفنان محمد سعد مع وائل إحسان مختلفة تمامًا عن كوميديا محمد هنيدي مع نفس المخرج، أما كوميديا أحمد حلمي مع وائل، فهي مختلفة عن هنيدي وسعد، إذن نحن أمام مخرج يفتش عن المسكوت عنه ويلعب عليه فتنفجر الضحكات على طبيعتها أو تنسال الدموع بمصداقية عالية.
فيلم وائل الجديد "مطرح مطروح" من إنتاج عائلة السبكي، التي تطور عطاؤها السينمائي كثيرًا ومنحت المخرج وفريق العمل كل أدوات النجاح، لذلك نعتقد أن الفيلم الجديد سوف يحقق رقمًا مهمًا في شباك السينما، والرهان هنا على التوليفة التي اجتمعت في الفيلم حتى إن الفنان الكبير محمود حميدة، بطل الفيلم، حرص مع وائل إحسان على ضم ممثل بريطاني معروف عن تخصصه في الأكشن وسبق له المشاركة في فيلم مصري وهو فيلم "حرب كرموز". 
لن يتوقف وائل إحسان عن التجريب والتغيير وتطوير أدواته؛ لأنني أعرفه جيدًا، هو "المهووس" بالسينما، وهو النجم الذي صعد مع النجوم التي راقبناها معًا في سماء الإسماعيلية ذات صيف.