رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شادن دياب: الشعر والفلسفة يخوضان معركة.. والأزمة المناخية أخلاقية

صورة للمفكرة والكاتبة
صورة للمفكرة والكاتبة المبدعة:شادن دياب..

أصدرت شادن دياب، والتي تعمل مهندسة كيميائية، كتابًا في باريس للأطفال رحلات باري في الفضاء يتحدث عن مستقبل الأرض والتلوث بالفرنسية ترجم للعربية عن خطر الهجرة المناخية والتلوث وعملت على إصدار العديد من كتب أنشطة للأطفال للتعريف بالبيئة، باللغة العربية والتركية، وعلى النقيض من كل ذلك، كان للمفكرة وعالمة البيئة وكاتبة الأطفال.

ولشادن دياب نشاطات أخرى جمالية/ إبداعية فيما يخص روافد ومسارات شعرية وكتابة للأطفال والفتيان، وبثمة تماس مع روح العالم والأدباء والفلاسفة في الغرب والشرق، الدستور التقتها وكان هذا الحوار.

شادن دياب مع الأطفال وأحلامهم. في كل بقاع العالم..

ما علاقة الشعر والكتابة والأطفال من جهة بالتخصصات البيئية من جهة أخرى؟   

الكتابة والشعر وعلم البيئة جميعها أفكار فلسفية تدعو للتأمل ومراقبة المجتمع وظواهره، فعلم البيئة يدرس التفاعلات بين الكائنات الحية وبيئتها الفيزيائية الحيوية، كما أن الشعر والكتابة يرسخان هذه التفاعلات.

يجب أن نشير أيضا إلى أن العلاقة التأملية البحتة في الشعر والكتابة وعلم البيئة، يمكن أن تفسر العلاقة بينهم، فالشاعر يتأمل الكون في جوهر وباطن حوادثه ويرسخه بالكلمات ويحاول فهمه بنظرة تجريبية.. ولم تكن نظرة شعرائنا العرب في العصر الجاهلي فلسفية فقط - كما هو الحال عند اليونانيين - وإنما نتيجة لحياتهم اليومية وتجاربهم ومشاهدتهم للناس والكون وموجوداته.

فيما يخص التلوث والتغير المناخي، ما تفسيرك للأزمات التي يحياها البشر على كوكب الأرض، وما هي الحلول؟

الأزمة المناخية أخلاقية بحتة، فالإسراف في استخدام الموارد البشرية بشكل غير متساوٍ بين البلدان الغنية والفقيرة، والرغبة في التقدم الصناعي والتكنولوجي وغض النظر عن النتائج كالاحتباس الحراري والتلوث، يعكس أنانية الإنسان وعدم مراعاته للطبيعة.

غلاف الديوان الشعري عارف الروح للمبدعة شادن دياب..

كما تسبب الاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية، مثل الغابات والمياه والأراضي الزراعية، في نقص واستنزاف هذه الموارد الحيوية، بينما تشكل زيادة الاستهلاك والهدر في المجتمعات الحديثة ضغطًا أكبر على الموارد، وبالتالي نعاني حاليًا من نتائج وخيمة جدًا.

ويكمن الحل في المحاولة الجادة لتطبيق بنود الاتفاقات الدولية بهذا الخصوص، لكن أخشى أننا دخلنا مرحلة حرجة تدعونا لأخذ الحيطة في التكيف مع نتائج تغير المناخ، فالتعايش مع عالم جديد مختلف يتضمن تحديًا كبيرًا للأجيال القادمة. ولذا يجب علينا زيادة الوعي بين الناس حول أهمية الحفاظ على البيئة، وتأثير أنشطتهم عليها.. يمكن استخدام وسائل الإعلام والتعليم لنشر المعرفة وتوعية الجمهور بمسائل البيئة والتغير المناخي، إلى جانب تعزيز استخدام الطاقة المتجددة، مثل الشمسية والرياح والمائية، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.. يمكن أن يسهم ذلك في تقليل الانبعاثات الضارة للغازات الدفيئة.

فيما يتعلق بالكتابة، كيف ترين مستقبل الكتابة والإبداع في ظل التغير المناخية؟

يواجه الجيل القادم تحديات وتغييرات في نمط الحياة، على غرار التغير المناخي وأزمات أخرى كالغذاء والاحتباس الحراري والنزوح بسبب الحروب والعوامل الاقتصادية، كما أن التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي سيتطلب من الجيل القادم الإبداع والتدرب على آليات جديدة، للعمل والتأقلم مع هذه التغيرات الاجتماعية.

ماذا عن رؤيتك لعالم وعوالم الأطفال؟

أطفالنا لن يعيشوا في نفس عالمنا، وإن بدا من الصعب تخيل هذا الأمر، فالوعي به أول الخطوات المهمة.. لذا يعد الأدب والكتابة فنًا تحضيريًا في ظل التحديات المستقبلية، فالأعمال الأدبية تجسد المواقف واللحظات الحياتية المؤثرة، حتى نستطيع أن نتخيلها أو نعيشها واقعًا أمامنا، إلا أن هذا الدور قد يكون إيجابيًا أو سلبيًا بحسب توجهات الكتاب وقناعاتهم الفكرية،لذلك يجب توخي الحذر لإيصال الرسالة.

عن جماليات الشعر وانطلاقًا من ديوانك الأخير "عازف الروح"، كيف ترين مستقبل البشرية في ظل كل هذه الفتوحات الفنية والفكرية؟

كما أشرت سابقًا،المستقبل مليء بالتحديات والتغيرات، بما فيها التغيرات المناخية والأزمات الاقتصادية والتقدم التكنولوجي الرقمي، لكن هذه الظاهرة أمر حتمي، فقد أشار العديد من الفلاسفة إليها مثلًا بن خلدون، الذي يدفعنا منظوره السوسيولوجي للقول إن الأحداث التاريخية ليست عشوائية، ولا هي تعسفية مطلقة، إنما تسير وفق قوانين تكاد تشبه القوانين الطبيعية.

وبالتالي تتوازى هذه التغيرات الطبيعية مع تغيرات النظم والقوانين الاقتصادية والعالمية،لذا نحتاج اليوم للعودة إلى المفاهيم الإنسانية والإبداع، للمساهمة في خلق مستقبل أفضل والتكيف مع هذه الأزمات بالعودة للفطرة السليمة، وأن نستلهم من الطبيعة طرق الابتكار المقتصد كحلول لأزمات البشرية.. لكننا نحتاج أولا لفهم هذه الظواهر والتغيرات قبل التكيف معها، وقد حاولت في "عازف الروح" التطرق لهذه الظواهر بشكل شعري.

حدثينا عن دور الأدب والشعر في عصر الحروب، وكيف يكون لهما دور تفسيري لمثل هذه الإشكاليات؟

كان للأدباء والشعراء دور مهم في نقل الأفكار والتعبير عن تجاربهم، فالأدب الفرنسي في القرن الثامن عشر هو الذي مهَّد للثورة الفرنسية بنقل أفكار ومعاناة الشعب،كما برز الدور الاجتماعي للأدب في رواية "البؤساء" لفيكتور هوجو، وكلمة زولا المأثورة"أنا أتهم...!" في قضية دريفوس، ويأتي ذلك استنهاضًا لمسؤولية المثقف تجاه وقائع المجتمع، مرورًا بقضايا اجتماعية معاصرة، كما في رواية "الغريب" لكامو التي طرحت مسألة التشظي بين عالمي فرنسا والجزائر والسياق الاستعماري.

وتضيف المفكرة والكاتبة وعالمة البيئة والمناخ شادن دياب: "لكن سطوة السوق التهمت الشعراء والأدباء، وهذا ربما يعود بي لما ذكره أفلاطون في كتابه "الجمهورية" من أن الشعر والفلسفة يخوضان معركة طويلة الأمد، فعندما تكتب وتتجاوز ماهية الأنا، لتكون قادرًا على نقل نظرة المجتمع ومشاكله وتصبح بمثابة قلمه، حينها تدرك ماهية الفيلسوف والرسالة الحقيقية للكتابة".

ما هو المطلوب توفيرة في تلك الحقبة المقلقة الغائمة؟

نحتاج اليوم ليس لأقلام بل لأحبار قادرة على تخطي الذات، والكتابة عن تحديات المجتمع المقبلة، وربما فتح الطرق نحو إيجاد الحلول.

مع كل هذه الإبداعات وعلاقتك الثقافية بالعديد من المسارات، ألم تفكر المبدعة شادن في اختراق أدب الرحلات؟

لا أعلم إذا كنا اليوم قادرين على تبسيط مفهوم الرحلة وإيصاله من خلال الأدب، لأنه كما ذكرت، الكتابة رسالة، حيث نحاول من خلال تجاربنا الزمنية والمكانية التنويه لقضية اجتماعية أو تحدٍ مستقبلي للجيل القادم.

غلاف كتاب الأطفال. رحلات باري للكاتبة المبدعة دكتورة شادن دياب

ماهو مفهومك إذاً عن المكان، وخاصة بعد قيامك بالتجوال والسفر عبر مدن العالم؟

المكان كان ومازال بالنسبة لي فرصة للتنقل بين عوالم مختلفة، والتفكير في تباينها وفهم سلوكها، حتى في طريقة التعامل مع المدينة وحيواناتها الأليفة، وذلك ما حاولت التعبير عنه في كتابي الجديد الذي سيظهر قريبًا، ويتناول الزمان والمكان والتنقل عبرهما كرحلة فردية يمكن أن تمثل نوعًا خاصًا من الرحلات، نفسية كانت أو مكانية.

بعد أكثر من ثلاثة عقود مع الكتابة والإبداع وسط حراك الكوكب وما ينتج عنه من فن.. ومساهمتك على أكثر من مستوى.. وكيف ترين جدوى أعمالك؟

لمعرفة جدوى وتأثير أي عمل فني وثقافي، نعتمد على مؤشرات توضح هذا الأمر، وتجعل منا قادرين على الاستمرار في استخدام شتى أنواع التأثير الإبداعي، الذي يمكن أن يكون على مراحل طويلة.. يوجد مثل فرنسي يقول إن هناك قضايا ضائعة تحتاج لأبطال، وأظن أننا عندما نكون محملين برسالة ما، لا نستطيع التخلي عنها رغم الصعوبات.

ما القضايا التي تستحوذ على تفكيرك والأمور التي توقفت عندها الكاتبة شادن.. وكيف تنظرين لصدى إبداعات المرأة في العالم؟

قضية المناخ والعدالة البيئية، وما سينجم عنها من أزمات مستقبلية كالغذاء والصراعات والهجرات، تستحوذ على اهتمامي حاليًا..والكتابة بالنسبة لي طريقة فلسفية للتأمل في المجتمع الراهن، ومحاولة تفكيكية لوضع بعض الخطوط العريضة لأولويات المجتمع، وآليات التعايش الفكري والبيئي في المستقبل.

وأرى أن دور المرأة مهم ككاتبة،كما أنها قد تكون أيضًا فيلسوفة وعالمة، وقادرة على تخطي الأدوار الثانوية لتكون في الخطوط الأولى كمفكرة لإيجاد الحلول للتغيرات المستقبلية.

حدثينا عن المنتظر من سرديات وأعمال جديدة لك؟

قريبًا سيُنشر كتابي الجديد الذي يتضمن نصوصًا شعرية نثرية تخص قضايا اجتماعية، وأتمنى أن يُنشر في مصر، وهذا بالإضافة لفيلم وثائقي قصير عن دور التجربة التعليمية والتوعية البيئية مع الأطفال.

بورتريه للكاتبة المبدعة دكتورة شادن دياب