رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسرار ما جرى فى عملية القضاء على «كتيبة المقاومة» فى جنين

جنين
جنين

انطلقت، فجر الإثنين الماضى، عملية عسكرية واسعة للجيش الإسرائيلى فى منطقة جنين بالضفة الغربية المحتلة، ومخيم جنين للاجئين، واستمرت حتى الأربعاء، بعد أن أسفرت عن استشهاد ١٢ فلسطينيًا ومقتل جندى إسرائيلى.

ووفقًا للحكومة الإسرائيلية، فقد جاءت العملية العسكرية الأخيرة فى جنين بعد تنفيذ نحو ٥٠ عملية ضد إسرائيليين انطلاقًا من المدينة، وفى إطار عملية «كاسر الأمواج» فى الضفة الغربية المحتلة فى مارس ٢٠٢٢، التى تعد هذه العملية مرحلة منها، الأمر الذى يستدعى دراسة الاستراتيجية الإسرائيلية فيها، ورصد النتائج المترتبة عليها، وهو ما نوضحه فى السطور التالية.

التخطيط للعملية العسكرية بدأ منذ عام.. والهدف تكرار الضربة ضد «عرين الأسود» 

مخطط العملية ضد جنين أُقرّ قبل أسبوعين من تنفيذها، مع توجه المؤسسة الأمنية إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وطلب موافقته على خطة العملية، وسط رؤية جهاز الأمن العام «الشاباك» والاستخبارات العسكرية بأن هناك فرصة للقضاء على عناصر «كتيبة جنين».

وحسب تقارير عبرية، فإن العملية تم تخطيطها والاستعداد لها قبل عام كامل، وتمثلت أهدافها الرئيسية فى توجيه ضربة إلى كبار المسئولين فى «كتيبة جنين»، وإلى مركز عملياتهم، تشبه الضربة التى وُجِّهت فى نابلس ضد كتيبة «عرين الأسود».

ووفقًا للتقارير، فقد تم اتخاذ القرار النهائى بالقيام بالعملية بعد تفجير عبوة ناسفة بمركبة «النمر» الإسرائيلية قبل أسبوعين، وإطلاق الصواريخ من جنين تجاه إسرائيل لأول مرة، وبعد جمع معلومات استخباراتية تتهم إيران بالوقوف خلف بعض التنظيمات الصغيرة فى جنين بالضفة. من جانبه، وافق «نتنياهو» على العملية دون عقد اجتماع لمجلس الوزراء الأمنى، وإن كان قد عقد اجتماعًا عامًا لتقييم الوضع مع رؤساء الفروع الأمنية الإسرائيلية قبل ساعات من انطلاق العملية، حول الأوضاع فى الضفة الغربية.

فيما أمر وزير الخارجية الإسرائيلى، إيلى كوهين، جميع السفارات الإسرائيلية بالاتصال بصناع القرار فى الدول المختلفة، لعرض الرسائل الإسرائيلية حول غارة الجيش الإسرائيلى على جنين.

وحددت حكومة نتنياهو موعد العملية رغم معرفة رئيس الحكومة ومحيطه بأن الجمهور الإسرائيلى سيرى أن هذا الموعد قد تقرر لتحويل الاهتمام عن يوم الإضراب الذى كان مقررًا للاحتجاج على الانقلاب الحكومى ضد السلطة القضائية. وأشارت التقارير إلى أن الحكومة الإسرائيلية ترى أن الأوضاع فى جنين أخطر منها فى نابلس، لوجود عدة مراكز لتنظيمات «حماس» و«الجهاد الإسلامى» و«فتح» بها، بالإضافة إلى عدة تنظيمات هامشية أخرى، ما حوّل المدينة، وفقًا لوجهة نظر حكومة نتنياهو، إلى منصة انطلاق للعديد من الهجمات ضد إسرائيل.

وأوضحت أن الهدف المركزى من هذه الغارة العسكرية هو تدمير البنية التحتية للتنظيمات بجنين، والمواقع التى حاول فيها الفلسطينيون تصنيع صواريخ ومتفجرات، مع استهداف نشطاء «كتيبة جنين» بشكل مباشر.

تسريب متعمد لموعدها مع الخداع فى التنفيذ وعدم الالتزام بجدول زمنى محدد

أوضحت التقارير أن الجيش الإسرائيلى يتحرك فى العملية العسكرية الأخيرة على جنين وفق استراتيجية «الاستفزاز والرد»، من أجل جر أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين إلى الدخول فى مواجهة معه، أو الاستسلام لإرادته، كما تقضى الخطة عدم السماح بطرق للهرب، ومنع تمركُز عناصر «كتيبة جنين» فى مكان آخر بالضفة الغربية المحتلة.

وأشارت إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلى حاول استغلال الفرصة الحالية مع توافر العناصر التالية من معلومات عن مدى استعداد عناصر «كتيبة جنين»، ووجود وسائل قتالية وعبوات فى القيادة المركزية بها، كشفتها المعلومات الاستخباراتية التى تم جمعها فى «الشاباك».

ولفتت إلى أن الجيش الإسرائيلى كان يريد التأكد من وجود مسئولين كبار من «كتيبة جنين»، مع توافر الطقس الملائم، الذى يسمح باستخدام دقيق للوسائل الجوية، لمنع التصعيد غير المرغوب فيه.

ونوهت بأن جيش الاحتلال استخدم فى العملية حجمًا كبيرًا من القوات الخاصة فى الضفة الغربية، منها لواء من الكوماندوز، وكتائب استطلاعية من لواء المظليين، التى يمكنها القيام بهذا النوع من العمليات.

وذكرت أن العملية بدأت بخدعة قام بها الجيش الإسرائيلى، إذ تم تسريب خبر العملية وعلم بها صحفيون فلسطينيون قبل عدة أيام، مع التمويه بأن القيادة الإسرائيلية تفكر فى إلغائها، ولكن ما حدث هو أنه خلال الليل لاحظ عناصر من «كتيبة جنين» حركة كبيرة للقوات الإسرائيلية، مع تسرب خبر العملية، ما جعل الهجوم غير مفاجئ فى موعده، وإن كانوا قد اعتقدوا أن العملية ستبدأ بعد وصول الآليات المدرعة، فيما كانت الضربة الأولى المفاجئة موجهة من الجو.

وأفادت التقارير بأن قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلى، بحجم لواء يضم قرابة ألف جندى، تحركت دون أن تُستخدم الدبابات فى العملية، فيما تم توجيه النيران الكثيفة من الجو، توخيًا للدقة والقدرة على مراقبة الحركة فى داخل المخيم، مع استخدام المسيّرات لجمع المعلومات الاستخباراتية لمنع تحرُّك النشطاء أو هروبهم.

ورغم أن العملية كانت محدودة واستمرت لفترة قصيرة، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلى أكد أنها لن تكون العملية الوحيدة فى جنين، وأنه عند الحاجة سيتدخل مجددًا، المرة تلو الأُخرى، مستخدمًا أساليب عمل أخرى تتناسب مع المعلومات الاستخباراتية، وذلك حسب تقرير لصحفى الشئون العسكرية روى بن يشاى فى صحيفة «يديعوت أحرونوت».

نتائج غير حاسمة وإنجازات تكتيكية مؤقتة.. وشكوك فى القدرة على وقف الهجمات المضادة

رغم الأهداف التى وضعتها إسرائيل للعملية فإن النتائج لا تزال غير حاسمة، إذ تمكن الجيش الإسرائيلى من مصادرة مئات القنابل وكميات كبيرة من الأسلحة، ولكن يمكن للفلسطينيين والنشطاء فى جنين صنع وشراء قنابل جديدة فى غضون أشهر.

ووفقًا للتقارير، فإن نتيجة عملية جنين غير معروفة، ولا أحد يعرف كيف سيرد الفلسطينيون فى غزة عليها، وبالإضافة إلى ذلك، فإن قيادة الجبهة الداخلية للجيش الإسرائيلى فى حالة تأهب قصوى الآن، فى كل من الشمال والجنوب، خشية إطلاق صواريخ.

ووفقًا لهيئة البث الإسرائيلية «كان»، فإن العملية ليست قريبة حتى مما كان يحدث خلال العام الماضى، لكن إسرائيل أرسلت خلالها رسالة لا لبس فيها إلى حركتى «حماس» و«الجهاد الإسلامى» فى غزة، مفادها بأن أى هجوم سيقابل برد قوى.

وعقب تنفيذ العملية، نفذ فلسطينى، يدعى الوهاب خلايلة، ٢٠ عامًا، من سكان جنوبى جبل الخليل، عملية دهس شمالى تل أبيب، الثلاثاء، أسفرت عن إصابة ٩ إسرائيليين.

وقالت الحكومة الإسرائيلية إن منفذ العملية دخل إسرائيل خلافًا للقانون، وإنه ليس من ذوى السوابق الأمنية، مع الإشارة إلى أنه تم قتله بيد إسرائيلى مسلح.

فيما قالت حركة «حماس» إن العملية نُفِّذت ردًا على العملية العسكرية الإسرائيلية فى جنين، وأضافت أن «خلايلة» كان عضوًا فى الحركة، لكنها لم تتبنّ المسئولية عن الحادث. 

وفيما يتعلق بالنتيجة النهائية للعملية على جنين، فمن المرجح أنها أسفرت عن إنجازات تكتيكية مؤقتة جدًا لإسرائيل، لكنها لم توقف العمليات بشكل نهائى، ما يعنى الحاجة إلى تكرار العملية كل فترة.

وقال مسئولون كبار فى الجيش الإسرائيلى لصحيفة «جيروزاليم بوست»، مرارًا وتكرارًا، إن أحد الأسباب الرئيسية لفشل الجيش الإسرائيلى فى قمع موجة العمليات فى العام الماضى هو أن المراهقين الفلسطينيين اليوم لا يتذكرون الانتفاضة الثانية، وبالتالى فإن ذكريات الانتفاضة الأليمة لا تردعهم. ومن جانبه، علق المحلل السياسى والعسكرى فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» أفى يسخاروف قائلًا: «يمكن وصف العملية فى جنين بأنها عملية تكتيكية ناجحة، حققت هدفًا عسكريًا مركزيًا، هو تقليص كميات السلاح الموجودة فى حوزة المسلحين الفلسطينيين فى جنين».

وأضاف: «تعتبر العملية من العمليات الناجحة، سياسيًا، بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو، لكن صور القتلى من جنين ستمنح حكومته غير المستقرة بضعة أسابيع أو أشهر من الاستقرار، وفى إمكان مؤيديه النجاح فى جعل الناس ينسون حقيقة أنه منذ ولاية حكومة اليمين بالكامل نشهد تصاعدًا دراماتيكيًا فى الهجمات، وهجوم يوم الثلاثاء الماضى فى تل أبيب هو نموذج آخر من ذلك».

واتفق «يسخاروف» مع الآراء التى قالت إن العملية ستقلل المخاطر المترتبة عن مخيم اللاجئين فى جنين من ناحية العتاد العسكرى الموجود فيه، لكنها بالتأكيد لن تخفض عدد الهجمات، كما أن المداهمات والاعتقالات الليلية داخل المدن الفلسطينية، بما فى ذلك داخل جنين، لم تتمكن من وقف العمليات ضد إسرائيل، التى قتل فيها خلال العام الحالى وحتى الآن ٢٨ إسرائيليًا، بينما قتل ٣٣ فى عام الانتفاضة الثانية ٢٠٢٢ بأكمله.