رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"لا تسرقوا أصواتنا".. صراع بين العاملين في الدبلجة والذكاء الاصطناعي

فن الدبلجة
فن الدبلجة

في عالم يزداد فيه استخدام التكنولوجيا والابتكار، يواجه العاملون في مجال الدبلجة تحديات جديدة ومنافسة شرسة من قبل الذكاء الاصطناعي، الذي يهدف إلى إنشاء أنظمة يمكنها أداء المهام التي تتطلب ذكاءً بشرياً مثل الإدراك والاستدلال والتعلم واتخاذ القرار.

هذه التقنية قد تستخدم في دبلجة الأصوات في الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وهذا قد يشكل خطراً على مستقبل المؤدين الصوتيين والمترجمين والمخرجين والمهندسين الصوتيين، الذين يضفون لمسة فنية وإبداعية على عملية التحويل من لغة إلى أخرى، وبالتالي يؤدي إلى خسارة فرص عمل وانخفاض جودة المحتوى وفقدان التنوع والثقافة.

يواجه هؤلاء المحترفون تحديات جديدة ومنافسة شرسة من قبل الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنه محاكاة الأصوات واللغات بطريقة "فائقة الواقعية"، فهل سيحل الذكاء الاصطناعي محل المؤدين الصوتيين؟ وكيف يمكن للعاملين في مجال الدبلجة أن يواجهوا هذا التحدي؟ هذا ما نجيب عليه في التقرير التالي.

 

انسجام ضائع

تقول آلاء حسن، مؤدية صوت، إنَّ مجال الدبلجة حساس وفريد من نوعه، يحتاج إلى مزيج من الذكاء والموهبة والخبرة والشغف، ولا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل هذه العوامل، لذا يجب على العاملين في هذا المجال أن يثبتوا قدرتهم على التميز والابتكار والتنافس في عصر التكنولوجيا.

وتوضح الفتاة العشرينية التي تركت مهنة الصحافة قبل 4 سنوات ونصف، واتجهت لمجال الدبلجة التي طالما عشقته منذ الصغر، أن أول تجربة حقيقة قدمتها في الإذاعة المصرية على راديو القاهرة الكبرى، هي تأدية قصص صوتية اسمها "تيتة توتة وبسكوتة"، والذي حّولته إلى كتاب صوتي مخصص للأطفال، تم نشره في معرض القاهرة للكتاب السابق، كما شاركت في تقديم مسلسل "شركة الخوارق المضحكة" الذي تم عرضه في شهر رمضان الماضي.

آلاء حسن

تؤكد "آلاء" أن الذكاء الاصطناعي سيواجه صعوبة في مطابقة حركات الشفاه والتعبيرات الوجهية للممثلين الأصليين، وقد يخطئ في نطق بعض الكلمات أو الأسماء، وقد يفتقر إلى الإحساس والانسجام مع المشهد، كما أنه سيتبع قواعد وخوارزميات ثابتة، وقد لا يستطيع التعامل مع المواقف المفاجئة أو المتغيرة، وقد لا يستطيع أيضًا إضافة لمسات فنية أو ثقافية أو كوميدية تزيد من جاذبية المحتوى.

وفي ختام حديثها، نوّهت "آلاء" إلى أن الذكاء الاصطناعي سيولد أصواتاً تبدو متشابهة أو مملة أو مخالفة لشخصية الممثل أو دوره، وقد تفقد المحتوى المدبلج روحه وسحره، لذا يجب علينا جميعًا أن نواجه هذا التحدي بطرق مختلفة من خلال التطور المستمر والتحديث بأحدث المهارات والأدوات في المجال، الترويج لأهمية دور المؤدي الصوتي كفنان ولا يمكن استبداله بآلة.


تدقيق صوتي

ومن جانبه، يوضح المهندس شاكر الجمل، خبير أمن المعلومات، أنه في بعض الأحيان يكون من الصعب معرفة ما إذا كان الصوت الذي تسمعه حقيقياً أم إنه صوت مفبرك بواسطة ذكاء اصطناعي، ومع ذلك، يمكن استخدام بعض الخصائص للتحقق من صحة الصوت. 

ويشرح "الجمل" في حديثه لـ "الدستور": "على سبيل المثال، يمكن أن يظهر الصوت الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي بعض الخصائص التي تختلف عن الصوت الحقيقي، مثل عدم توفر الأصوات المتنوعة والتفاصيل الدقيقة التي يحتوي عليها الصوت الحقيقي، كما يمكن استخدام تقنيات التحليل الصوتي، مثل تحليل الطيف الصوتي والترددات الموجودة في الصوت، لتحديد ما إذا كان الصوت حقيقياً أم مفبركاً باستخدام الذكاء الاصطناعي".

المهندس شاكر الجمل، خبير أمن المعلومات

وتابع: "من الممكن أيضاً أن يخلق الذكاء الاصطناعي صوتاً واقعياً، مما يجعل من الصعب التفريق بينه وبين الصوت الحقيقي، وبالتالي، قد تحتاج إلى الاعتماد على مصدر الصوت والمصداقية والمصدرية لتحديد ما إذا كان الصوت حقيقياً أم لا، وهناك بعض الطرق التي يمكن استخدامها للتحقق من صحة الصوت المسموع، ومعرفة ما إذا كانت الصوتية المُستخدمة في إنتاج الصوت مؤهلة ومناسبة أم لا".

ويشير "الجمل" إلى إمكانية التحقق من الظروف المحيطة بالصوت، مثل المكان والوقت والأحداث المحيطة به، ومعرفة ما إذا كانت هذه الظروف تدعم أو تنفي صحة الصوت، كما يمكن أيضًا المقارنة بين الصوت المسموع ومصادر أخرى للصوت، مثل الصوت الحقيقي أو الصوت المسجل في وقت سابق، ومعرفة ما إذا كانت هناك أية اختلافات غير طبيعية أو مشبوهة.
 

وفي ختام الحديث، ينصح "الجمل" العاملين في مجال الدبلجة باستخدام تقنيات التحليل الصوتي للتحقق من الخصائص الفيزيائية والدقيقة للصوت، مثل الترددات والطيف الصوتي، والتحقق من مطابقتها للصوت الحقيقي، إذ اكتشفوا في أي وقت أن أصواتهم قد تم سرقتها واستخدمت في أعمال فنية أخرى.


سلاح ذو حدين

وفي هذا السياق، يوضح أحمد وليد فريد، الذي قدم 6 مسلسلات كرتونية في الفترة الأخيرة، إنّ فن الدوبلاج من وجهة نظره هو الجزء الأهم والأصعب في الكرتون؛ لأنه من الممكن أن تكون الفكرة والسيناريو والشخصيات مكتوبة بشكل مميز للغاية، لكن إذ لم تتم تأدية الدور بشكل محترف لن تصل طبيعة الشخصية بشكل صحيح إلى المشاهدين.

وعن أبرز أعماله الفنية، يشير "فريد" إلى مسلسل شركة الخوارق المضحكة، الذي تم عرض على قناة النهار الفضائية في شهر رمضان، ومسلسلات أخرى مثل (شقلطة - اتنين في واحد - فول وطعمية - أبو التنانين).

أحمد وليد فريد

ويستكمل: "من حيث تطورات الذكاء الاصطناعي، فمن الممكن أن تؤثر بشكل كبير في المستقبل على صناعة الدوبلاج، وذلك من خلال أنها ستحل محل أصوات المشاهير وتبدأ في ترويج الأعمال بأسمائهم، كما يحدث حاليًا في الأغاني المنتشرة بأصوات نجوم كبار ومشاهير، وذلك سيتطلب مواكبة التطور التكنولوجي من أجل الحفاظ على مكانة هذه الصناعة واستخدام الذكاء الاصطناعي لخدمته وليس العكس".

وفي ختام حديثه، ينوّه "فريد" إلى أن هذا الأمر سيتطلب منه دراسة المزيد عن مجاله وارتباطه بالذكاء الاصطناعي، مثل تحسين جودة الصوت بضغطة واحدة من خلال برنامج الذكاء الاصطناعي، للتغلب على صوت الضوضاء أو الأعطال التي تحدث في المايكروفونات أثناء التسجيل، وهنا سيعتبر الذكاء الاصطناعي سلاحاً يمكن الاستفادة منه في تطوير جودة الصوت دون أي عائق، ومواجهة أيضًا الأسعار الباهظة لأدوات التسجيل الصوتي.


تطوير الموهبة

يوسف ممدوح الحساني، مؤلف شاب تخصص في الأعمال الفنية المدبلجة منذ 4 سنوات، وتعلم مجال الدوبلاج من خلال متابعة الأفلام الكرتونية والأعمال الفنية وتركيب الصوت على الصورة، من خلال التدرب على نوعيات الصوت المختلفة، وكيفية تركيب الأصوات على المشاهد، ومع مرور الوقت أتقن فن الدوبلاج، ليترجم موهبته إلى أعمال فنية حقيقة يتم عرضها للجمهور.

يقول "الحساني" إنّه قدم 5 أعمال مدبلجة حتى وقتنا الحالي، وهم (مسلسل مملكة الشر - مسلسل الأبالسة - مسلسل يونس سبايدر مان مصر - مسلسل المهموم)، معبرًا عن أهمية عالم الدوبلاج لحياته الفنية، والذي يستخدم فيه الأحاسيس والصدق في المشاعر حتى يقدم أعمالًا مبدعة وتتسم بالمهارة.

يوسف ممدوح الحساني

وعن نظرته للتطورات التكنولوجية الحالية، يوضح أن الذكاء الاصطناعي لا يقلق مسيرته الفنية في المستقبل؛ لأنه من الصعب الاستعانة بالتقنيات التكنولوجية في كافة الأشياء المتعلقة بالأعمال المدبلجة، ولن تنتج محتوى متكاملًا كما يعتقد البعض، ولكنه يرى أنه من الضروري تطوير موهبته وعدم تكرار نفسه في الأعمال الصوتية، حتى يستطيع التغلب على تحديات الذكاء الاصطناعي وعلاقته بمجال الدبلجة.
 

واختتم: "سنحاول كمؤديين صوتيين أن نتبادل الخبرات والأفكار لمواجهة هذا التحدي، وإيجاد حلول مشتركة تدعم صناعة الدبلجة، وذلك بجانب تعلم مهارات فنية ولغوية جديدة لإنتاج أصوات ذكية تحترم التراث الثقافي، وتحدث فارقًا واضحًا بين الأصوات الحقيقية والمصنوعة باستخدام الذكاء الاصطناعي".


برامج التحقق
 

أما عن البرامج المتخصصة في التحقق من صحة الصوت، يؤكد "الجمل" أنها تعتمد على تحليل العينات الصوتية لتحديد ما إذا كان الصوت أصلياً أم مفبركاً، ومن بين هذه البرامج:

  • Adobe Audition: يمكن استخدامها لمعالجة الصوت وفحصه بحثًا عن أي علامات على أن الصوت تم تعديله أو تحريفه.
     
  • Voxal Voice Changer: يعتبر هذا البرنامج أداة تغيير الصوت الشهيرة، ولكنه يمكن استخدامه أيضاً لاكتشاف ما إذا كان الصوت أصلياً أم مفبركاً.
     
  • TrueVoice: يعد هذا البرنامج من بين أكثر البرامج دقة في التحقق من الصوت، حيث يمكنه تحديد ما إذا كان الصوت أصليًا أم مفبركًا باستخدام تقنيات تحليل الصوت.
     
  • iZotope RX: يستخدم هذا البرنامج عادة في مجال تحرير الصوت وإصلاحه، ولكنه يمكن أيضاً استخدامه للتحقق من صحة الصوت ومعرفة ما إذا كان أصلياً أم مفبركاً.
     

واختتم: "من الضروري ملاحظة أنه لا يوجد برنامج مؤكد الدقة في التعرف على الصوت المفبرك بنسبة 100٪، حيث يمكن للأشخاص المتخصصين في تحرير الصوت التلاعب بعينات الصوت بشكل متقن لدرجة أنه يصعب التعرف عليها كصوت مفبرك".