رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشاعر محمود قرنى فى عيون رفقائه.. النسيم الذى عبر

محمود قرني النسيم
محمود قرني النسيم الذي عبر

توفي الكاتب والشاعر الكبير، محمود قرني، فجر اليوم بعد معاناته من مرض طويل، وكان قد أُدخل إلى وحدة العناية المركزة في أحد المستشفيات الخاصة في مصر الجديدة قبل إجراء عملية زراعة الكبد. 

كان قرني، الذي بلغ من العمر 62 عامًا، يعتبر أحد أصوات جيل الثمانينيات في الشعر، وكان من أبرز المؤسسين لملتقى قصيدة النثر في القاهرة عامي 2009 و2010، حيث شارك مع أكثر من 40 شاعرا عربيا في تأسيس مجلة "مقدمة" التي تهتم بالقصيدة النثرية، ونشر العديد من المقالات حول الشعر والسياسة والفلسفة والرواية والنقد الأدبي والفنون التشكيلية. 

كما كان عضوًا في مجلس أمناء مركز أحمد شوقي التابع لوزارة الثقافة في القاهرة، في هذا التقرير، سنلقي نظرة على حياة الشاعر والكاتب محمود قرني من خلال أعين رفقائه.

 

صابر رشدي: قرني ورفاقة أبناء جيل الخسارات 

وقال الكاتب القاص صابر رشدي: "نحن أبناء أتعس جيل جيل الخسارات، والمعارك الدونكشوتية التي تجلب العداوات؛ ولا تغير من الواقع شيئاً لا أعرف أحد غير قرني  شق لموهبته، بأظافره، مسارًا في الصخر، وهو لا يملك من الحياة سوى ثقافة رفيعة، جدية مفرطة، وعزيمة لا تلين".

وتابع رشدي: "ربما فرقتنا بعض الأشياء، ولكن العشرة، العيش والملح، جلساتنا الطويلة، الصداقة الحميمة منذ البدايات، دعمه لي منذ اللحظات الأولى، وأحاديثنا المطولة، تقديري العميق لرحلته، أشياء كثيرة لم تنقص محبتي له، لقد كنت أحب الاستماع إليه أنصت إلى آرائه الثاقبة، الحادة أحيانًا، عندما يتحدث بوضوح وشجاعة عن معظم قضايانا". 

ولفت رشدي إلى أن "كان وجوده في حياتي، والمرحوم فتحي عبدالله صديق العمر، فارقاً ومهمًا، ما زالت ذكرياته تخايلني، جلساتنا التي كانت تتناثر منها، في الهواء، آراء وأفكار، كانت كفيلة بتغيير العالم".

وأضاف: "نم هانئًا يا محمود، فقد انصرفت قبل النداءات المحبطة للدولة كي تتحمل نفقات عملية زراعة الكبد، وأنت الكريم، عزيز النفس، فهذا نظام لا يقدر مبدعيه الكبار".

إبراهيم داود: مناضل عرف قدر الجيش ومكانته في الوجدان  الجمعي 

قال الشاعر الكبير إبراهيم داود إن هناك أشخاصًا في الثقافة المصرية قد قضوا حياتهم في سبيل العدل والخير والجمال، ولم ينتظروا مكافأة من أحد. قد عملوا على نشر التفكير الإبداعي؛ لمواجهة التشدد والضيق الأفقي، هؤلاء الأشخاص هم أشخاص مستقلون، استمدوا سلطتهم من نبل الغاية والعمل المجتهد، ومن حسن الحظ أنهم ليسوا قلة، بل هم من يصنعون ذاكرة هذه الأمة النقية في زمن مليء بالشوائب وأبطال التليفزيون، واحد من هؤلاء الأشخاص هو الشاعر محمود قرني، وليس بسبب شعره الذي يحتل مكانة عالية في خريطة الشعر العربي الحديث، ولكن بسبب أنه نموذج للمثقف الذي لم يتورط في الحسابات الآنية التي أفسدت الكثيرين. 

وأكد أنه عاش وهو منحاز لأشواق أهله ووطنه، وناضل بطريقته ضد الاستبداد وضد المتمسحين بالدين الحنيف ودعاة التطبيع مع العدو الإسرائيلي، والذين يدعمون التمويل الأجنبي، يؤيد الدولة المدنية ويعرف قدر الجيش المصري ومكانته العظيمة في وجدان الجميع.

يسرى عبد الله: صاحب مبادرات خلاقة 

قال الدكتور يسري عبدالله، الناقد والأكاديمي: "اتفقنا على لقاء بيني وبين محمود قرني وعاطف عبد العزيز، وقررنا أن يكون اللقاء في منزل الشاعر الكبير محمود قرني بدلاً من المقهى الذي كنا نلتقي فيه خلال العامين الماضيين تقريبًا، والذي يقع بالقرب من بيت محمود، تلقيت رسالة نصية من محمود يفيد بأنه دخل المستشفى في 25 يونيو 2023، فرددت برسالة أخبرته فيها بأنني سأعاود الاتصال به في المساء. عندما حاولت الاتصال به ولم يرد، زاد قلقي. قمت بالاتصال بابنه العزيز، المهندس أحمد، وأخبرني بما حدث، بعد ساعات، أرسل لي الشاعر الكبير رسالة قصيرة تعتذر فيها عن عدم الرد قائلاً: "آسف يا دكتور، دخلت المستشفى فجر اليوم، أعاني من انخفاض في الدورة الدموية، أشعر بتحسن نسبي الآن، شكرًا يا حبيبي على اتصالك"، عندما تحدثنا يوم الأربعاء 28 يونيو، أخبرني بمواصلة معاناته وتفاقم الألم. في نفس الليلة، اتصل به الصديق الشاعر أحمد المريخي، وتحدثنا أنا والمريخي بعدها، ثم كانت المكالمة الأخيرة بيني وبين محمود يوم الخميس 29 يونيو، وكان الوهن يظهر في صوته الشجاع والحر، وفي اليوم السابق، رد عليّ الابن البار، المهندس أحمد، وأخبرني بأن محمود يرقد في العناية المركزة.

أشار عبد الله إلى أن الشاعر الكبير يعاني منذ سنوات ولم تتحرك وزارة الثقافة أو أي من مؤسساتها لمساعدته، على الرغم من معرفتها بحالته الصحية المتأخرة. كان محمود رمزًا للتواضع والشرف النادر، وقد أنفق مئات الآلاف من الحنينات على علاجه بكبرياء نادر.

وأشار عبد الله إلى أن محمود قرني سيترك وراءه تراثًا كبيرًا من الشعر والفكر والمحبة الناصعة والشجاعة النادرة، والمبادرات الخلاقة التي نشرها بفكره وعززها بروحه الطليعية المتجددة. كان يشارك معي في تأسيس منتدى المستقبل للفكر والإبداع، وكتب بيانه التأسيسي بالاشتراك مع الأستاذ جمال القصاص والأستاذ عبد الستار حتيتة، بالإضافة إلى المشاركة في العديد من المنتديات والملتقيات الأدبية التي كرست لقصيدة النثر، حيث كان أحد أهم فرسانها وأحد أبرز داعميها، جمعتنا العديد من التفاصيل والأحداث والفعاليات الثقافية والمعارك الفكرية التي خضناها معًا بنبل وكبرياء.

 

محمد الروبي: محمود قرني النسيم الذي عبر

قال الكاتب والناقد المسرحي محمد الروبي إن محمود قرني لم يكن مجرد شاعر موهوب يشبه نفسه فقط، بل كان يتميز شخصيته بأنه لم يكن يسعى لأي شيء في هذه الحياة، لم يكن يناضل أبدًا من أجل منصب، ولم ينتقد أي مهرجان لأنه لم يتلق دعوة لحضوره، لم يدعي - مثل الكثيرين - أنه الأفضل والأحكم والأذكى، محمود قرني لم يكن مجرد شاعر، بل كان إنسانًا، ولذلك، حزن الجميع عليه، على الرغم من عجز الجميع عن تقديم أي شيء له في مرضه الذي لم يملك أمامه أحد سوى الدعاء.

يعد محمود قرني أحد أبرز الأسماء الشعرية في الساحة المصرية والعربية خلال العقود الأخيرة، ولد في قرية العدوة بمدينة الفيوم 1961 ويقيم بالقاهرة منذ العام 1987، حاصل على درجة الليسانس في القانون من جامعة القاهرة 1985.

عمل بالمحاماة والصحافة، وشارك في العديد من المهرجانات الشعرية العربية والدولية بينها مهرجان أصوات المتوسط بفرنسا 2002، جرش 2004، مهرجان الشعر العربي بالمغرب 2009، مهرجان وهران لفنون الصورة والفيلم التسجيلي 2013، بالإضافة لعدد من المهرجانات الشعرية بالكويت، العراق، الأردن، أبوظبي، والمغرب، وكذلك بعض المشاركات البحثية الأخرى، كما شارك في لجان تحكيم بعض الجوائز العربية والمصرية مثل جائزة بلند الحيدري التي يمنحها منتدى أصيلة بالمملكة المغربية.