رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رِجل الغُراب والمُساكنة وفصل الخِطاب!

قبل ١٠ سنوات تقريبًا، أذاعت إحدى الفضائيات "غير المشفرة" عملًا تليفزيونيًا جديدًا كان اسمه "رِجل الغراب"، حظى المسلسل بالمشاهدات، وحقق بعض النجاحات، كما تعرض للانتقادات التى كان أبرزها، عدم مراعاته التقاليد والعادات كمبيت البطل في شقة خطيبته دون زواج، وشرب الخمور والمسكرات، وارتداء بعض البطلات للقصير، أو الخفيف، أو الضيق، أو الشفاف من الفساتين والبناطيل والجيبات، إلى غير ذلك من الأزياء! قائمة طويلة من الانتقادات أنا فى حل عن ذكرها الآن، فلست معنيًا بالمسلسل، أو كل ما قيل فى حقه، من مدح أو قدح، أو إشادة أو انتقاد، ما يعنيني فقط هو الموضوع الذى أنا بصدد الكتابة اليوم عنه، وهو "بدعة زواج المساكنة"!! 

فى أحد مشاهد المسلسل المذكور دار الحوار التالى بين اثنتين من بطلاته... (فريدة): أنا ملاحظة إن العلاقة بينك وبين مازن اتحسنت أوى، (بيرى): ده أنا نسيت أقولك، مش أخيرًا وافق إنه ييجي يعيش معايا؟، (فريدة): لاء.. بتهزري، (بيرى): آه والله، (فريدة): يعني خلاص؟ نقول مبروك؟، (بيري): لاء لسه.. ييجى يعيش معايا الأول، (فريدة): والله العظيم إنتى عبيطة، إنتى كنتى اتفقتى معاه على موضوع الجواز الأول، (بيرى): لاء طبعًا يا فريدة، إنتي عارفة مازن، لازم آخده واحدة واحدة، وبعدين أنا مش مستعجلة!! 

لم تكن تلك السطور سوى تفريغ كتابى قصير لجزء من حوار ورد فى هذا المسلسل، ولمن لم يشاهده نقول..  بيرى وفريدة صديقتان، أما الأخ مازن فهو زميلهما فى العمل، شاب ثلاثينى وسيم، اتفقت معه إحداهما على أن يعيش معها فى شقتها (من غير جواز ولا يحزنون)، وده لأن الست زى ما قالت مش مستعجلة!!!! دخل المسلسل لبيوتنا فشاهدناه، شاهده معنا أبناؤنا وبناتنا، وإخوتنا وأخواتنا، وأهلنا وذوونا، فخبرونى بربكم أدام الله فضلكم، إن لم يكن هذا المشهد تحديدًا هو الترويج المباشر للمساكنة، فماذا عساه أن يكون؟ وعلى ذكر (زواج المساكنة)، هذا المصطلح اللقيط، السخيف، البذىء، العبيط، الدخيل على مجتمعنا "المحافظ" وسائر المجتمعات العربية، التى عمت بها البلوى في عصر النت والفضائيات وغيرها من وسائل التواصل المفروضة، والمفترضة، والمرفوضة! وليس فى وصفنا لها بالمفروضة أية مبالغة أو تجاوز، لأنها بالفعل باتت مفروضة علينا، ونحن من فرضناها على أنفسنا عندما تعاملنا معها من البداية على أنها أمر واقع، وأننا مجبرون على التعاطى معها، وإلا وصفنا البعض بالرجعيين، ووصمنا آخرون بالمتأخرين، أو ألقى بنا كلاهما إلى آتون التزمت، أو التخلف، أو الانغلاق، ومن هنا بدأ الانطلاق! ركضنا جميعًا خلف قطار "التعولم"، الجاهل والمثقف والأمى والمتعلم، انجذب الشباب إلى وسائل التواصل انجذاب الفراشات لأضواء المصابيح، فاحترقت أجنحتهم ونالنا ما نالنا من بعدهم!، عن أى "مساكنة" يتحدثون؟ هل عن المساكنة بمفهومها القديم، الذى تحدث العلماء عنه قبل مئات السنين؟ أم عن المساكنة بمفهوم الست "بيرى" بتاعة المسلسل اللى مش مستعجلة على الجواز؟!

الإمام ابن حجر الهيثمى، المولود هنا في مصر سنة ١٥٠٣م، أى قبل ما يربو على (أربعمائة عام) أو يزيد؟ كان قد ذكر فى كتابه "الفتاوى الفقهية"، أنه إذا "سكنت" المرأة مع أجنبى فى حجرتين، أو فى علو وسفل، أو دار وحجرة، اشترط أن لا يتحدا في مرفق واحد، كمطبخ، أو خلاء، أو بئر، أو سطح، أو مصعد، فإن اتحدا فى واحد مما ذكر، حرمت ((المساكنة)) لأنها حينئذ مظنة الخلوة المحرمة، وكذا إن اختلفا فى الكل ولم يغلق ما بينهما من باب أو يسد، أو أغلق لكن ممر أحدهما على الآخر، أو باب مسكن أحدهما فى مسكن الآخر.

يعني الإمام، الله يرحمه، اتكلم عن المساكنة من أكتر من ٤٠٠ سنة فاتوا وقال إنها حرام! ثم هنروح بعيد ليه؟ أو لم يحرم ديننا الحنيف الخلوة بين المرأة والرجل؟ ألم يقل نبينا صلىوات ربنا وتسليمه عليه (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينها وبينه محرم)؟ ألم يحرم ربنا سبحانه وتعالى اتخاذ "الأخدان" أى الصديقات والأصدقاء على كل من الرجال والنساء؟.. يقول ربنا عز وجل فى كتابه العزيز (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان)، هذا فيما يخص النساء، وعن الرجال يقول (محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان)، إذًا فاتخاذ الأخدان محرم على الرجال والنساء بأمر إلهى صريح، وتوجيه نبوى فصيح، فلا توجد فى ديننا علاقة تسمى المساكنة أو الصداقة بين الرجل والمرأة، وهذا هو فصل الخطاب، فاتقوا الله شوية يا إخواننا، لجل ما ينصلح حالنا. 
حفظ الله بلدنا وأعانكم وأعاننا.