رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحديات الجمهورية الجديدة.. القوى الناعمة المصرية

تواجه الدول تحديات دائمة ومستمرة في مسيرتها وتاريخها، ومع تغير الأزمنة والأنظمة تتغير التحديات وتتطور مع تطور المجتمع وتوسعه وتفرع طبقاته ومؤسساته، وهو ما يحدث مع الجمهورية الجديدة كمرحلة جديدة تمر بها مصر حاليًا.

فالجمهورية الجديدة لها تحدياتها ومشاكلها التي تعمل الدولة على تجاوزها وحلها من أجل مستقبل أفضل لمصر والمصريين، في هذه المساحة نحاول تسليط الضوء على أبرز هذه التحديات، لعل الإشارة تكون عاملًا مساعدًا للجهود الكبيرة التي تتم من أجل غدٍ مصري أفضل.

من أبرز التحديات التي تواجهها مصر في ظل الجمهورية الجديدة هي كيفية إعادة القوى الناعمة لمصر، والاستفادة منها عربيًا وإقليميًا كما فعلت مصر دائما طوال القرن الماضي وحتى العقد الأول من القرن الحالي، ثم بدأت القوى الناعمة المصرية في التراجع والاضمحلال مفسحة الطريق لقوى ناعمة أخرى إقليمية استطاعت أن تتسلل في خفة وبنعومة في البداية، ولكن ما لبثت أن بدأت في أخذ دور ومكانة القوى المصرية بدءًا من الفن  وحاولت في الأدب وحتى في السياسة والإعلام.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هو لماذا نحتاج القوى الناعمة؟، وكيف يمكن أن يتم العمل على إعادة إحيائها؟.. في الحقيقة هذا التساؤل يدور في ذهني منذ فترة طويلة  وربما يبلغ التساؤل والتفكير فيه ذروته في شهر رمضان، فقد كنت محظوظًا بأن لحقت رمقًا وقدرًا لا بأس به من فترة أعتقد أن يجوز وصفها باللامعة أو المتوهجة من عمر القوى الناعمة المصرية فنيًا على الأقل، فقد شببت على سبيل المثال لا الحصر، على مؤلفات أسامة أنور عكاشة بروائعه المتتالية من ليالي الحلمية والراية البيضا وضمير أبلة حكمت وأرابيسك وحتى زيزينيا، وتترات سيد حجاب والخال الأبنودي بأصوات علي الحجار ومحمد الحلو وألحان بليغ حمدي وعمار الشريعي وميشيل المصري.

فترة عايشت فيها توهج كتابات وتنبؤات العظيم وحيد حامد مع إبداع الزعيم عادل إمام، ومع البريء أحمد زكي، ومع الساحر محمود عبد العزيز، والمتجدد نور الشريف، فترة وجدت فيها الفن يبحث عن هموم وقضايا الوطن إلى جانب الكوميديا والترفيه وحتى أفلام المقاولات، وبرغم أي تسرع أو ما يسمى بسلق "الإبداع" فإن حجم الإسفاف كان قليلًا، وكان الفنان يعرف حجم تأثيره ودوره ورسالته، وأنه في نظر مجموعة قلت أو كثرت من المجتمع قد يكون قدوة ومثال يحتذى.

البعض قد يسأل هل ما يسمى بالقوى الناعمة لها هذا القدر الكبير من الأهمية، وما أهميتها للناس؟ فالإجابة هي نعم، مهمة بل شديدة الأهمية فالكلام هنا لا يقتصر على الفن بل يتسع ليشمل الموسيقى والأدب والإذاعة والإعلام وحتى السياسة والدين وربما مجالات أخرى أيضًا، ولكن الأهم أيضًا أنها تكون وسيلة لربط وتعريف الناس بأوطانها وتاريخها وتدفعها في أحيان كثيرة للبحث والمعرفة في كثير من الأمور المهمة، وحتى التأثير في الآخرين خارج حدود الوطن وإقليميًا.

ويحضرني هنا مثال، فقد جمعتني جلسة مع بعض الأصدقاء وقادتنا سبل وأطراف الحديث إلى الكلام عن السينما وجاء ذكر فيلم كيرة والجن وتصويره بشكل مهم وواضح لعدة أجيال لا تعرف القدر الكافي عن حركة المقاومة الشعبية المصرية، ولا عن تاريخ وجرائم الاحتلال وكيفية تعاملهم مع المصريين، ومثال آخر عن مسلسل ممالك النار والصورة التي قدمها دولة المماليك والاحتلال العثماني لمصر والحالة التي خلقها والتي وصلت فيما بعد بأن نشر أحد الأشخاص صورة لورقة من الكعبة يفيد بأنه أجرى عمرة ووهب ثوابها إلى روح الشهيد البطل طومان باي.
لذا فالحاجة إلى عودة القوى الناعمة المصرية أمر ضروري لتبقى الأجيال الجديدة على اتصال بماضي وتاريخ وطنهم، وكذلك الارتقاء بالذوق العام للمجتمع كباره وصغاره وتكون حائط صد وسلاح ردع مهم في مواجهة التهديدات الاجتماعية والثقافية الخارجية وحتى الداخلية المدافعة والناشرة للإسفاف وكل عوامل الرداءة والتراجع والجهل والاستغلال باسم الدين، ومن ثم العودة للتأثير المصري في محيطه العربي والإقليمي بما يتناسب مع تشهده المنطقة والعالم من تحولات.