رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لـ«الكرم التقليدى» حدود

 

 

لدينا، فى مصر، أكثر من تسعة ملايين مهاجر، ينتمون إلى ١٣٣ دولة، حسب التقرير الصادر عن «منظمة الهجرة الدولية»، التابعة للأمم المتحدة، فى أغسطس الماضى. والمهاجر، بتعريف المنظمة التابعة للأمم المتحدة، هو أى شخص ينتقل من مكان إقامته، عبر حدود دولية، سواء بشكل طوعى أو قسرى، وبغض النظر عن وضعه القانونى أو مدة إقامته أو سبب انتقاله، ما يعنى أن هذا التعريف يشمل اللاجئين وطالبى اللجوء.

مع ذلك، دعا فيليبو جراندى، مفوض الأمم المتحدة السامى لشئون اللاجئين، الحكومة المصرية، إلى أن تواصل «كرمها التقليدى» وتستمر فى فتح أبوابها أمام اللاجئين السودانيين. ومشكورًا، طالب «المجتمع الدولى» بألا يترك مصر وحدها فى مواجهة تدفق اللاجئين من الجنوب، ودعا «المانحين الدوليين» إلى سرعة الاستجابة للنداءات، التى أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، لحشد التمويل اللازم للتعامل مع هذه الأزمة الإنسانية، مشيرًا إلى أن الاستجابة لم تصل حتى الآن إلى ١ أو ٢٪ من المبالغ المطلوبة!

فى ختام زيارته مصر، التى استغرقت ثلاثة أيام، عقد المفوض الأممى مؤتمرًا صحفيًا، أمس الأول الإثنين، قال فيه إن الحكومة المصرية أبلغت المفوضية بضرورة الأخذ فى الاعتبار أهمية توفير الدعم اللازم، لمواجهة تدفق اللاجئين، وأكد تفهمه لما أعرب عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى من قلق إزاء الأعباء الاقتصادية والضغط على الخدمات والإجراءات الأمنية اللازمة لمواجهة تدفق اللاجئين، بأعداد كبيرة، على جنوب مصر. وأشار المفوض الأممى إلى أن الرئيس أكد له التزام مصر بتقديم الدعم للاجئين بأقصى قدر ممكن.

مصر، كما قال الرئيس السيسى، فى مناسبات وسياقات مختلفة، لم ترفض استضافة المهاجرين أو اللاجئين، كما فعلت دول أوروبية عديدة، بل إنها رفضت، من منظور إنسانى وأخلاقى، أن يسكنوا فى مخيمات أو معسكرات، وقامت بدمجهم فى المجتمع ومنحتهم كل الحقوق، التى يحصل عليها المصريون، وأتاحت لهم كل ما لديها دون كثير من الكلام، ولم تقبل أن يهاجروا إلى أوروبا ويلقوا مصيرًا قاسيًا فى البحر المتوسط.

زار المفوض الأممى القاهرة، السبت الماضى، واستقبله الرئيس السيسى، أمس الأول الإثنين، بقصر الاتحادية، وجرى خلال اللقاء استعراض مستجدات حالات النزوح من السودان فى ضوء استمرار الأزمة الراهنة، إضافة إلى مناقشة سبل التعاون بين مصر والمفوضية، فى ضوء الأعباء الكبيرة التى تتحملها الدولة المصرية كمقصد للاجئين من العديد من الدول الشقيقة. وفى هذا السياق، ثمن المفوض السامى الجهود المكثفة، التى تبذلها مصر للمساعدة فى تسوية الأزمة واستعادة الاستقرار فى السودان، وأكد أنه لمس، خلال زيارته المعابر على الحدود المصرية السودانية، الجهد الهائل الذى تقوم به الجهات المصرية المعنية، بالتعاون مع الأمم المتحدة والهلال الأحمر المصرى، لمساعدة الوافدين، سواء من السودانيين أو الجنسيات المختلفة.

بالتزامن مع زيارة المفوض الأممى مصر، كانت «عملية التشاور العربية الإقليمية حول الهجرة واللجوء»، تعقد اجتماعها التاسع، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بالقاهرة. وخلال هذا الاجتماع، قالت السفيرة هيفاء أبوغزالة، الأمين العام المساعد، رئيس قطاع الشئون الاجتماعية، إن دول المنطقة العربية تستضيف ما يقرب من نصف إجمالى عدد اللاجئين على مستوى العالم، من بينهم ٥.٩ مليون لاجئ فلسطينى، مؤكدة أن ذلك يلقى بضغوط وأعباء مضاعفة على كاهل النظم الاقتصادية والسياسية والأمنية فى دول المنطقة التى تعانى ضعف الموارد، خاصة فى ظل التوقعات بزيادة أعداد اللاجئين بعد أحداث السودان الأخيرة.

.. وأخيرًا، لو عدت إلى تقرير «منظمة الهجرة الدولية» الذى أشرنا إليه، ستعرف أن حوالى ٣٧٪ من التسعة ملايين مهاجر المقيمين فى مصر يعملون فى وظائف ثابتة، وأن ١٨٪ يبحثون عن عمل، بينما ٤٥٪ لا يعملون ولا يبحثون عن عمل. والأهم، هو أن لوران دى بوك، مدير مكتب المنظمة فى القاهرة، أقر بأن الحكومة المصرية تعاملهم على قدم المساواة مع المواطنين، وأشاد، مرارًا، بإدراجهم فى النظم الوطنية للتعليم والصحة، رغم التحديات التى يواجهها هذان القطاعان، وتكاليفهما الاقتصادية الباهظة.