رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة العصور الوسطى| كارثة إبداعية فى العالم الغربى: تعديل على كتب منشورة.. ومنع «إصدارات الميم والسود» فى المكتبات والمدارس

جريدة الدستور

لم ينقطع الجدل طوال الشهرين الماضيين عن مستقبل حرية التعبير فى الغرب، جراء الإجراءات الرقابية المتخذة بشأن الكتب، ما بين جهود رامية إلى إجراء تعديلات على كتب منشورة من قبل بما يلائم أفكار «الصوابية السياسية»، وسعى آخر حثيث على الجانب الآخر لمنع بعض الكتب من المكتبات. وعلى الرغم من الاختلاف بين الحالتين، فإن كلتيهما أثارت الجدل لدى الكُتّاب والروائيين من مختلف الدول حول مستقبل حرية التعبير فى الغرب. 

تعديلات علي كتب منشورة

كان الجدل قد تصاعد فى بريطانيا بعد أن أعلنت دار نشر أعمال رولد دال، كاتب الأطفال الشهير، عن عزمها إجراء تعديلات على أعماله المنشورة لإزالة اللغة العنصرية من أعماله، ومنها وصف شخصية ما بأنها «بدينة»، أو أخرى بأنها «سوداء» أو «قبيحة»، والاستعاضة عن هذه التوصيفات بكلمات أكثر حيادية.

لم يكد الجدل حول ذلك «التزييف» لأعمال منشورة يهدأ، بوعد من دار النشر بأن تكون النسخ الأصلية متاحة جنبًا إلى جنب النسخ الأصلية، حتى أعلنت إحدى دور النشر عن عزمها إجراء تعديلات على اللغة العنصرية والإيحاءات الجنسية فى سلسلة «جيمس بوند» لإيان فليمنج، ثم أعلنت صحيفة «التليجراف» عن أن أعمال كاتبة الغموض والجريمة أجاثا كريستى ستخضع هى الأخرى للتحرير والتعديل بما يتوافق مع الحساسيات الجديدة ما يعنى حذف أى وصف فى أعمالها يشير إلى العِرق أو اللون.

حظر بعض الكتب

على الجانب الآخر، كانت هناك مناقشات ساخنة فى أمريكا عن تراجع حرية النشر، بعد أن أصدرت جمعية المكتبات الأمريكية تقريرًا يشير إلى أن محاولات حظر الكتب فى عام ٢٠٢٢ وصلت إلى الضعف عنها فى عام ٢٠٢١، مسجلة رقمًا قياسيًا لا مثيل له منذ ٢٠ عامًا، وأن الزيادة فى محاولات حظر الكتب لم تنحسر، فقد وصل مجموع الكتب التى استهدفتها الرقابة ٢٥٧١ كتابًا فى عام ٢٠٢٢ بزيادة ٣٨٪ على العام الذى سبقه، ومعظمها يتطرق إلى موضوعات تخص مجتمع الميم وأخرى عن «السود». 

ومن بين الأعمال التى استُهدف حظرها من المدارس والمكتبات فى الولايات المتحدة كلاسيكيات مثل «العيون الأكثر زرقة» لتونى موريسون. و«حكاية الجارية» لمارجريت أتوود، و«هذا الكتاب» لجونو داوسون وهو مثلى الجنس.

أيهما أكثر قمعًا؟

هل التعديل على الكتب بما يسمح بإزالة كل تعليق عنصرى أكثر قمعًا أم حظر الكتب والمؤلفات التى تعزز فكرة الاندماج؟ 

تطرح الكاتبة «شرى بارادكار» فى مقال بصحيفة «the star» الكندية السؤال لتقارب الحالتين، لتصل إلى أن التوجه لإجراء تعديلات على الكتب هو دعوة لتعزيز القبول، بينما فى المقابل يمثل حظر الكتب تعصبًا أعمى، موضحة: «تحرير أعمال مؤلف بريطانى لتجنب تعزيز التمييز على أساس العرق أو الجنس أو مجموعة من السمات الجسدية ينقذ أجيالًا جديدة من الوصم، وهو ما يختلف عن التوجه لحظر آلاف الكتب التى تروج لإدراج جميع الأجناس والسمات الجسدية فى المدارس بمختلف الولايات الأمريكية مع دعوات لحظر مماثل فى كندا». 

جهود رقابة كوميدية

لا يتفق الروائى البريطانى الهندى سلمان رشدى مع هذا الرأى، فمنذ أيام ألقى خطابًا عبر رسالة فيديو انتقد فيه ما سمّاه «الجهود الكوميدية» لجعل «جيمس بوند» معدلًا وفق قواعد الصوابية السياسية، محذرًا من أن حرية التعبير مهددة فى الغرب أكثر من أى وقت مضى، ومنوهًا بأهمية قبول الكتب الكلاسيكية على أنها منتجات ترتبط بالعصر الذى ظهرت فيه. 

وفى وقت مضى، حذرت المديرة التنفيذية لـ«جمعية القلم الأمريكية» سوزان نوسيل، من التوجه لإجراء تعديلات على الكتب المنشورة، قائلة إن التحرير الانتقائى لجعل الأعمال الأدبية تتوافق مع حساسيات معينة يمكن أن يمثل سلاحًا جديدًا خطيرًا، ويجب على الذين يؤيدون التعديلات أن يفكروا فى إمكانية استخدام من لا يشاركونهم نفس القيم قدراتهم فى إعادة كتابة الكتب ضدهم.

تاريخ طويل من الحظر

فى حديثه مع «الدستور»، قال الأستاذ المشارك فى جامعة كاليفورنيا الجنوبية، المتخصص فى الأدب الأمريكى، توماس جوستافسون، إن الوضع الحالى ليس بجديد، ذلك أن هناك تاريخًا طويلًا من حظر الكتب أو الرقابة عليها فى الولايات المتحدة، فلقد تعرضت الكتب التى تعتبر كلاسيكيات اليوم للحظر مثل «مغامرات هكلبرى فين» لـ«مارك توين»، و«عوليس» للكاتب الأيرلندى جيمس جويس، و«لوليتا» للكاتب الأمريكى من أصل روسى «فلاديمير نابوكوف».

واستطرد: «اليوم، مرة أخرى هناك محاولات صريحة لحظر كتب معينة. لحسن الحظ، يتيح الإنترنت للأشخاص فرصة الوصول إلى الكتب والمعلومات بخلاف القرارات التى يتخذها أمناء المكتبة والمعلمون بشأن ما يجب تضمينه على الأرفف أو فى المناهج الدراسية». تبعًا لذلك، رأى جوستافسون أن «معركة الرقابة على الأعمال هى معركة خاسرة على المدى الطويل حتى لو كانت هناك بعض المحاولات الناجحة للقيام بذلك». واختتم حديثه بقوله: «كان بن فراكلين (أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة) شخصية رئيسية فى دعم المكتبات العامة، وقد كان توفير الوصول المجانى للكتب جزءًا مهمًا من روح الديمقراطية فى وقت كان فيه الوصول إلى الكتب مقصورًا على الأثرياء أو الأرستقراطيين.. الآن، إنه لأمر مزعج للغاية رؤية حملات المحافظين الجدد لإلغاء تمويل الثقافة ودعم المكتبات بما يوفر الوصول إلى الكتب والمعلومات التى تتحدى الأفكار المسبقة والأيديولوجية لبعض المكونات، لكنها سياسة الديماغوجية، إقناع الآخرين بالاستناد إلى مخاوفهم وأفكارهم المسبقة، وللأسف ستكسب بعض المعارك.

أبعاد سياسية

أما الكاتب الأمريكى جيمس شيبرد، فأشار إلى الأبعاد السياسية وراء قضية «الحظر» التى تثير انقسامًا واسعًا بالأوساط الثقافية الأمريكية فى الوقت الراهن. وأوضح الأستاذ بكلية ويليامز، فى حديثه مع الدستور، أن «الحزب الجمهورى فى أمريكا أدرك خلال العقود القليلة الماضية أنه نظرًا لأن سياساته الاقتصادية تحابى الأغنياء، وبالتالى الأقلية، للفوز بالانتخابات، فإنه يحتاج (لتوسعة قاعدة داعميه) إلى إجراء محادثة سياسية حول القضايا الثقافية (الأوسع نطاقًا)، وإثارة الخوف من الضرر الذى يحدث جراء تلك القضايا».

وتابع: «من أهم تلك القضايا ما يرتبط بالقيم التقليدية، من خلال التفكير الليبرالى أو التقدمى، خاصة فى الفنون»، مشددًا على أن ذلك مكّن الحزب الجمهورى من حث عديد من الأمريكيين على التصويت ضد مصلحتهم الاقتصادية، بجعلهم يركزون على شىء آخر تمامًا». وتبعًا لذلك، فقد أتاحت هذه المناورة للحزب «التعبئة بشكل أكثر نجاحًا لصالحه، من خلال كراهية الأجانب والتمسك بالقومية، باعتبارهما دافعتين اجتماعيتين قويتين».