رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو الموت.. السباحة في ضفاف النيل تتحول إلى مقبرة للأطفال

جريدة الدستور

على ضفاف النيل الذي يطل نحو محافظة القليوبية، كان الطفل ع.م، 12 عامًا، يعوم في مياهه من أجل التخلص من درجات الحرارة المرتفعة مع دخول الصيف الشديد، إلا أن المياه غلبته وشدة التيارات دفعته للقاع ليغرق في ثوان معدودة، وذلك ما كشفته المباحث الجنائية بدائرة مركز شرطة طوخ، الطفل نزل للاستحمام بالمياه إلا أنه لعدم إجادته السباحة جرفه التيار ولقي مصرعه غرقًا.

طفل القليوبية الذي غرق في مياه النيل لم يكن الواقعة الأولى من نوعها لوفاة أطفال وشباب غرقًا في مياه النيل، بعدما انتشرت عادة السباحة في مياهه بمختلف المحافظات لاسيما الصعيد وباتت تحصد الأرواح التي تبحث عن منفذ للتخلص من ارتفاع درجات الحرارة.

"الدستور" رصد عددًا من الحوادث التي وقعت في الفترة الأخيرة وأكثر المحافظات التي وقعت بها إلى جانب آراء الخبراء لمعرفة السبب الذي يدفع الأطفال نحو ذلك الفعل إلى جانب الحلول لمنع السباحة في النيل لاسيما للأطفال.

  • «عُد لأهلك سالمًا».. في العام 2020 أطلقت محافظة القليوبية بهذه العبارات حملة تحذيرية من مخاطر السباحة في نهر النيل بعد تزايد ظاهرة غرق الأطفال والشباب في مياه النهر.

أستاذ تخطيط: غياب الخدمات يدفع السكان للبحث عن بدائل خطيرة

محمد إبراهيم، أستاذ التخطيط العمراني، يرى الأزمة أن كثير من المناطق العشوائية سواء في القاهرة أو المحافظات والقرى بنيت بعيدًا عن الرقابة من الدولة على الأحوزة الزراعية وبشكل غير مناسب ولم تتدخل فيها الأجهزة التخطيطية لذلك تعاني من نقص حاد في الخدمات اللازمة للسكان.

ويؤكد لـ«الدستور» أن أي منطقة سكينة أثناء إنشائها لا بد من دراسة الخدمات التي يحتاجها السكان وأن يكون هناك توازن بين السكان المستهدفين والخدمات سواء الترفيهية أو الرياضية أو التجارية: «كثير من المناطق التي نمت في إطار عشوائي بعيدًا عن أعين الرقابة وإشراف الأجهزة المعنية نمت من أجل توفير المسكن فقط وكلها تعاني من القصور في الخدمات».

ويوضح أستاذ التخطيط أن تلك المناطق يجبر فيها السكان على تدبير أحوالهم من الخدمات التي المنقوصة لديهم، وقد يكون الاشتراك في نادي أو مركز شباب هو أمر يعد ترفيهي بالنسبة لهم، لذلك يلجأون إلى النيل بدلًا من ممارسة السباحة في أي مكان مخصص لها حتى لو عرضهم ذلك للخطر.

ويرى أن الحل في تدعيم القرى بأنشطة رياضية أو مراكز شبابية لأن الشباب في أمس الحاجة لممارسة الرياضة: «غياب أي خدمة في منطقة سكنية يحاول المجتمع تعويضها بأي صورة حتى لو تلك الوسيلة تمثل عليه خطر، مثل الهروب من الحر للترع والنيل وممارسة السباحة وبالتالي نظرة الدولة لهذه المناطق ومراجعة الظهير الخارجي لها وطبيعة احتياجاتها أمر في غاية الأهمية".

حوادث الغرق في النيل

خلال العام 2019 غرق قرابة من 6 أشخاص خلال شهر واحد في نهر النيل أثناء السباحة واحدًا تلو الآخر، مما دفع محافظ أسوان لإصدار قرار بمنع السباحة فى النيل وتكليف دورية من الإنقاذ النهري لمتابعة تنفيذ هذا القرار، إلا أن الحوادث لازالت مستمرة.

ومن قبل تلك الوقائع خلال أمس، تمكنت قوات الإنقاذ النهرى بالقليوبية، من انتشال جثة طفل لقى مصرعه غرقا بمياه ترعة الإسماعيلية بمنطقة مسطرد دائرة قسم شرطة ثان شبرا الخيمة وذلك أثناء قيامه بالاستحمام رفقة مجموعة من أصدقائه، إلا أنه جرفه التيار لعدم إجادته السباحة.

وقبل أسبوع لقى طفل مصرعه غرقًا أثناء استحمامه في مياه النيل في نطاق مركز ناصر شمال محافظة بني سويف أثناء الاستحمام في النيل، وفي جنوب الأقصر لقى طفل مصرعه، رابع أيام العيد غرقًا بمياه النيل بقرية الحميدات شرق التابعة لمركز ومدينة إسنا جنوب الأقصر.

الحسين حسان: "لا بد من تفعيل دور مراكز الشباب"

الحسين حسان، خبير التخطيط العمراني، يرى أن الأزمة في غياب الدور الحقيقي لمراكز الشباب لاسيما في محافظات الصعيد مثل أسوان، والتي يكثر بها مثل تلك الحوادث بشكل كبير، فلا بد من زيادة عدد مراكز الشباب التي تتضمن رياضة السباحة حتى يهرب الأطفال والشباب من حرارة الجو والتغيرات المناخية إلى تلك الرياضة المفيدة.

ويؤكد لـ"الدستور" ضرورة تفعيل دور  جمعيات المجتمع المدني سواء في محافظة أسوان أو غيرها من المحافظات التي يوجد بها امتداد للنيل، وإعادة تقسيم الجميعات وتخصصها في رعاية الأطفال وتأهيلهم، سواء بتوفير مساحة آمنة لهم بممارسة الرياضة أو توعيتهم بخطورة السباحة في النيل.

حسان يشير إلى وجود للمحافظة في الإشراف على حملات توعية الأطفال، بأن السباحة في النيل تحتاج لمتخصصين وماهرون لأن التيارات هناك مرتفعة، وتعتبر الوسيلة الوحيدة أمام الأطفال لممارسة تلك الرياضة لذلك لا بد من توفير وسائل أكثر أمانًا لهم.

ويوضح أن قصور الثقافة لها دور في الحد من تلك الحوادث عن طريق توفير أنشطة ترفيهية للأطفال توفر لهم الترفيه والأمان في الوقت ذاته، ودور لمديرية التربية والتعليم في توعية بمخاطر السباحة في النيل ونشر الوعي: «إذا توفر للأطفال ممارسة تلك الرياضة بشكل آمن سيبتعدون عن النيل فهم لا يلقون بإيديهم للتهلكة».

سباح يشرح سبب غرق الأطفال في النيل أثناء السباحة

كابتن عصام حمدي، سباح حر، يشرح سبب غرق الأطفال في النيل وخطورة السباحة فيه، بسبب اختلاف كثافة المياه من البحر للنيل، لأن البحر مالح فكثافته عالية تسهل من ممارسة السباحة، بينما المياه العذبة ذات كثافة أثقل من المياه المالحة: «الملح يساعد جسم الأنسان على الطفو بينما المياه العذبة تعيق من عملية السباحة».

وبين أن النيل يعد مياه طينية والتي تمتلأ بالأعشاب والرواسب ما يزيد من كثافتها وصعوبة ممارسة السباحة بها، لذلك لا يستطيع العوم فيها الأطفال تحتاج إلى مهارات عالية من السباحة: «السباحة في النيل تحتاج إلى قوة جسدية ضخمة حتى يستطيع الفرد».

يختتم «تخضع عملية السباحة في النيل لقانون الطفو الذي يتأثر بالكثافة، فتكون قوة الدفع التي تؤثر على الجسد الطافي حالة البحر أكبر من النهر، لذلك يسهل العوم في مياه البحر وليس النيل أو النهر».