رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العنف الأسرى

يعرّف العُنْف لغةً على أنّه الشدّة والقسوة، والفعل منه عَنُفَ، فيُقال: عَنُف بالرجل؛ أيّ لم يَرفق به وعاملهُ بشدةٍ وعنفٍ، أو لامه وعيَّره، والفعل منها أيضاً عَنّفَ. 
العنف اصطلاحاً:

- يعرف العنف اصطلاحاً بأنّه استخدام القوة بطريقة غير قانونية، ويُعرّف العنف في علم الاجتماع على أنّه اللجوء إلى الأذى من أجل تفكيك العلاقات الأسرية؛ كالعنف ضد الزوجة، أو الزوج، أو الأبناء، أو كبار السن، قد يكون بسبب الإهمال، أو الإيذاء البدني، أو النفسي، أو العنف الأخلاقي.

وفي تعريف آخر للعنف هو أيّ سلوك عدواني يُمارسه فرد، أو جماعة، أو طبقة اجتماعية معينة هدفها استغلال أو إخضاع الطرف المقابل ذي القوة غير المتكافئة، كما يُعرف على أنّه سلب حرية الآخرين سواء حرية التعبير، أو حرية التفكير، ممّا يؤدّي إلى أضرار مادية، أو معنوية، أو نفسيّة.

كما أن العنف الأسري اصطلاحاً
يعني أنّه إلحاق الأذى بين أفراد الأسرة الواحدة؛ كعنف الزوج ضد زوجته، وعُنف الزوجة ضد زوجها، وعنف أحد الوالدين أو كلاهما تجاه الأولاد، أو عنف الأولاد تجاه والديهم، حيث يشمل هذا الأذى الاعتداء الجسدي، أو النفسي، أو التهديد، أو الإهمال، وعادة ما يكون القوة والبطش هما طابع ذلك العنف أو أهم أوجه إظهار سلوكيات العنف، فالعنف يتنوع ويتراوح في أضراره من الأقل إلى الأسوأ والأفدح.

وفي تعريف آخر للعنف الأسري
هو أيّ سلوك يُراد به إثارة الخوف، أو التسبب بالأذى، سواء كان جسديا، أو نفسيا، دون التفريق بين الجنس، أو العمر، أو العرق، وتوليد شعور الإهانة في نفس الشريك، أو إيقاعه تحت أثر التهديد، أو الضرر العاطفي، وعادة ما يفقد ضحايا العنف الأسري ثقتهم بأنفسهم، وينتابهم الشعور بالعجز، والقلق، والاكتئاب الذي يتطلب تدخُلا طبّيا لعلاج هذه الآثار.

أما دوافع العنف الأسري فتتلخص في الآتى:

- أولًا: الدوافع الاجتماعية 
تتمثّل الدوافع الاجتماعية في العادات والتقاليد التي يرثها الأبناء عن الآباء والأجداد، ومن هذه المعتقدات الثقافية المورّثة أنّ للرجل الحق في السيطرة على شريكة حياته.

كما تظهر دوافع أخرى للعنف ناتجةً عن التغيرات الاجتماعية الرئيسية التي تمرّ بها الأسرة، 
وتختلف صور الدوافع الاجتماعية المؤدية إلى العنف باختلاف مستوى الدين، أو مستوى تأثّر الأسرة بالمحيط الخارجي، وباختلاف شكل الأعمال، والتقاليد، والأعراف، فتكون درجة العنف إمّا كبيرةً أو صغيرةً، بمدى انتشار صور الدوافع الاجتماعية المؤدية للعنف، منها اختلاف المستويات الفكرية، والعمرية، والدينية، والاجتماعية، والثقافية بين الزوجين، وعدم استقرار الحياة الزوجية، أيضاً النزاعات بين أفراد الأسرة وتدخّل أهل الزوجين في حلّها، وحدوث الطلاق أو فقدان أحد الوالدين.

كما أنّ هناك التنشئة الخاطئة لأحد الوالدين أو كلاهما وضعف الوازع الديني أو تشيىء الدين (كقيم كثيرة صارت كأشياء مادية فلا نبالي بها)، والذي صار للأسف منهجا لدى الكثيرين، أي إهمال روح التعامل السمح، فيكون الدين ككائن جامد لا روح فيه بسبب عدم الفهم وعدم إخلاص العبادة بل والبعد عن إعلاء القيم الإنسانية دون تفرقة.

- ثانيا: الدوافع الثقافية
يؤدى نقص الوعى الثقافى بحقوق الإنسان، وانخفاض المستوى التعليمى، وثقافة تمييز الذكور، وصراع القيم بين الأجيال، إلى حالة من القناعة بمشروعية ما يقوم به المعنِّف ضد المعنَّف، فالجهل وعدم معرفة كيفية التعامل مع الآخر واحترامه من الأسباب المؤدية إلى العنف الأسري وقد يظهر ذلك من خلال بعض من المظاهر التالية:  

- التباين الثقافي بين الزوجين:
فجهل المرأة بحقوقها وواجباتها من جهة، وجهل الآخر بهذه الحقوق من جهة ثانية قد يؤدي إلى التجاوز وتعدي الحدود، بالإضافة إلى المستوى الثقافي للأسرة..

- قد يولّد عدم التوازن لدى الزوج كرد فعل فيحاول تعويض هذا النقص بممارسات السب والإهانة والضرب والإيذاء، ولا سيما في الحالة التي تكون فيها المرأة ذات مستوى ثقافي أرفع من الرجل، فيتكون لدى الرجل حالة من النقص يلجأ إلى تعويضها من خلال استخدام العنف ضد الزوجة، أو الأبناء.

- تأثير وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة
ساهمت في توسيع دائرة العنف لما تتناقله بعض هذه الوسائل من مظاهر العنف الأسري، ما يعزِّز من ثقافة نشر هذا المرض المجتمعي واتساع مفهومه في المجتمع.

- غياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة.

فسوء الاختيار، وعدم التناسب والتكافؤ بين الزوجين في مختلف الجوانب؛ بما فيها الفكرية قد  يؤدي إلى مثل ذلك العنف.

 ثالثًا: الدوافع الاقتصادية: 

حيث يدفع الوضع الاقتصادي المتدهور في حياة الأسرة الناتج عن فقدان الوظيفة، أو تراكم الديون، أو اللجوء للرهن، إلى ممارسة الفرد العنف تجاه أفراد أسرته؛ وذلك نتيجة مشاعر الخيبة.

يجدر بالذكر أنّ المشكلات الاقتصادية المؤدّية إلى العنف تتخذ أشكالًا مختلفة، ومنها ما يأتي:

  • عجز الأسرة عن توفير احتياجات المعيشة؛ بسبب ضعف الموارد وتدنّي مستوى الدخل. حدوث نزاعات بين أفراد الأسرة؛ لعدم الاتفاق في كيفية إدارة موارد الأسرة. 
  • حدوث نزاعات بين الزوجين ناتجة عن كيفية إدارة راتب الزوجة، وإمكانية إضافته إلى ميزانية الأسرة.
  • تدهور الظروف الاقتصادية لوقوع حادث مفاجئ لأحد أفراد الأسرة، أو تعرّض الأسرة لخسارة مالية غير متوقعة إطلاقًا. 

رابعًا: الدوافع الذاتية والنفسية 
تُعرف الدوافع الذاتية بأنّها الدوافع التي تنبع من داخل الإنسان وتدفعه نحو ممارسة العنف، ويُمكن تلخيص هذه الدوافع في صعوبة التحكّم بالغضب، وتدنّي احترام الذات، والشعور بالنقص، واضطرابات الشخصية، وتعاطي الكحول والمخدرات، كما يُمكن تقسيمها إلى نوعين كالآتي:

- النوع الأول:عوامل خارجية:

عاشها الإنسان منذ طفولته وقد تكون رافقته خلال مسيرة حياته، مثل الإهمال أو تعرّضه لسوء المعاملة، فيلجأ إلى العنف داخل الأسرة، كما قد تظهر هذه الدوافع بسبب مشاهدة الإنسان في سن الطفولة للعنف العائلي، واعتقاده مع مرور الوقت أنّ العنف وسيلة لضبط الأمور العائلية.

- النوع الثاني: عوامل وراثية: يُعدّ العنف العائلي سلوكًا متعمّدًا، وقد يكون دافعه وراثيًا فقد يكون منهجية حياة أسرة الزوج اعتادت العنف واحتقار الزوجات، وفي بعض الأحيان يُمارس دون قصد، ويكون ناتجاً غالباً عن عدم قدرة الأفراد على التأقلم مع ذويهم.

أما أنواع العنف الأسري مثل العنف الجسدي.. فيعرف العُنف الجسدي بأنّه التسبّب بالضرر أو إحداث إصابة جسدية لأحد أفراد الأسرة، فالعنف الجسدي يتحقّق بتوافر شرطين:

- الأول: أن يفعل الفرد أو يمتنع عن فعل أمر معين ينتج عنه أذى بدني، أمّا الشرط الثاني: أن يكون هذا الفعل عن سبق إصرار في إحداث الأذى الجسدي، بينما لا يُشترط أن يحدث الشرطان في وقتٍ واحدٍ، فقد تفصل بينهما فترة زمنية كحالة إهمال الآباء والأمهات لمتابعة أطفالهم، ممّا يُلحق بهم الضرر الجسدي، كما أنّه لا يُنظر إلى دوافع العنف الجسدي كتبرير لفعل العنف سواء كانت بدافع الانتقام، أو التربية، أو السيطرة على الضحيّة، أو الحصول على المال، فطالما أنّ الشرطين السابقين متوافران تُعتبر الحالة عنفًا جسديًا.

- الثاني: العنف الجسدي قد يصل ضرره إلى تعطيل الحواس، أو القتل في بعض الأحيان، كما تختلف الأدوات المستخدمة لإحداث الضرر الجسدي؛ فمنها ما هو بسيط كالصّفع أو الدّفع، ومنها ما هو شديد كالآلات الحادة أو الأسلحة.

وهناك أيضًا العنف النفسي.. والذي يُعتبر العنف النفسي من أكثر أنواع العنف انتشارًا في المجتمع، فمن أشكال العنف النفسي، التعرّض لألفاظ مؤذية تُسبّب احتقارًا لنفس الضحية؛ كالسّب، والشتم، والقذف، أو تجاهل أحد أفراد الأسرة كشخص غير مرغوب فيه وعدم الأخذ برأيه في أمورٍ تخصّ الأسرة. 

يُعتبر منع أحد أفراد الأسرة من مخالطة أقاربه أو أصدقائه؛ كمنع الزوجة من زيارة الأهل، أو منعها من الخروج لممارسة العمل من صور العنف النفسي، بالإضافة إلى فقدان مشاعر الود والمعاشرة الطيبة وأيضًا فقدان الحب والعطف بين أفراد الأسرة، وعدم إيجاد حلول مناسبة لمشاكلهم.

وفيما يتعلق بآثار العنف الأسري ضد المرأة.. فقد أشارت دراسات أجرتها منظمة الصحة العالمية على المستوى العالمي إلى أنّ 30% من النساء المتزوجات حول العالم يتعرّضن للعنف الجسدي أو العنف الجنسي، وأنّ 7% من النساء في سنّ 15 عامًا وأكثر أيضًا يتعرّضن للعنف الجنسي، لكن تتفاوت هذه النسب باختلاف المجتمع الذي يقطُنّ فيه.

تحتاج بعض النساء اللواتي تعرّضن للعنف الأسري إلى رعاية صحية لعلاج أثر العنف، لكنّ الأطباء يواجهون صعوبةً في التعامل مع هذه الحالات.

وذلك لعدم استجابة المرأة للإفصاح عن تجربتها في التعرّض للعنف أو طلب المساعدة من الجهات المعنية، ويعود ذلك إلى مشاعر الخوف والخجل التي تتملّك الضحيّة، أو الشعور بالذنب، أو وضع اعتبار للمفاهيم والتقاليد العائلية التي تمنعها من ذلك، وعليه يجب تقديم التوعية اللازمة للمختصين في مجال الطب في طُرق التعامل مع الضحايا من النساء اللواتي تعرّضن للعنف، ويُمكن تصنيف آثار العنف ضد المرأة إلى ثلاثة أنواع، وهي كالآتي:

 - الآثار الجسدية على المدى القصير:

 تتمثّل بظهور الكدمات، أو الجروح، أو كسور في العظام، أو إصابة داخلية تتطلّب صور أشعة وفحوصات طبية.

 - الآثار الجسدية على المدى الطويل:

 يؤدّي العنف الجسدي على المدى الطويل إلى ظهور مشاكل صحيّة؛ كالتهاب المفاصل، والربو، ومشاكل قلبية، وقرحة المعدة، ومتلازمة القولون والضغط العصبي، ومشاكل في جهاز المناعة، ومشاكل في النوم، والكوابيس، والصداع، والصداع النصفي، واتباع أنماط غير صحيّة في تناول الطعام، وإدمان المخدرات، أو الكحول.

وهناك ما يسني الآثار على الصحة العقلية.. حيث تتمثّل بالإيذاء الجسدي والجنسي فتظهر عدّة أعراض نتيجة التعرّض للعنف منها فقدان الوعي، والاستفراغ، والغثيان، وفقدان الذاكرة أو إيجاد صُعوبة بالتذكّر والتركيز، واضطراب النوم واكتساب أفكار سلبيّة، وهناك اضطرابات ما بعد الصدمة التي ينتج عنها شعور بالتوتر يضطر الضحيّة إلى طلب مساعدة إخصائي صحة عقليّة. 
 

- آثار العنف الأسري على الأطفال:

يشهد أطفال الأسر التي تُعاني من العنف الأسريّ الناشئ بين الوالدين حالةً من الخوف والقلق الدائم، تأهباً لأيّة حالة عنف قد يتعرّضون لها، كما تظهر عليهم علامات القلق؛ كالبكاء والأنين المستمر وعلامات الرعب؛ كالتأتأة وصُعوبات في النوم.

الأطفال في سن المدرسة: يبدأ الطفل الذي يشهد حالات عنف أسري في سن المدرسة بالشعور بالذنب ولوم نفسه، ويُصبح أكثر انطوائية ويُلاحظ أيضًا انخفاض في درجاته المدرسية، كما تظهر عليه آثار صحيّة؛ كالصداع وآلام المعدة.

المراهقون: تتمثّل آثار العنف على المراهقين في ممارسة سلوكيات غير أخلاقية؛ كتعاطي الكحول والمخدرات، كما يظهر لديهم مشاكل في تكوين الصداقات، ويقل احترامهم لذاتهم، بالإضافة إلى تنمّرهم على الآخرين، كما تظهر عليهم علامات الاكتئاب والعزلة.

أخيرًا: إن العنف الأسري مدمر للمجتمع بأسره؛ لأنه يفرغ المجتمع من ترابطه بل ومبادئه الجميلة.