رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الشاويش عطية".. رياض القصبجى

ممثل مصري قدم من الجنوب فارًا من الثأر، ليعيش بالقاهرة وينخرط بين أبنائها، عمل موظفًا بهيئة السكة الحديد، لعب بوكس وتدرب في نادي مختار وعرضوا عليه العمل فى السينما فوافق، ليخلد في ذاكرة السينما من الوهلة الأولى من خلال  فيلمه "سلفني 3 جنيه"، وفقا لتصريحات ابنه.
الذي أكد أن والده كان غاية في الطيبة والجدعنة ودموعه قريبة، كما كشف لغز كلمة "بوروروم"، مشيرًا إلى أن والده كان يقولها لوالدته عندما يجدها غاضبة.
ارتبط ظهوره بالكوميديان العظيم إسماعيل يس، اشتهر بأداء دور الشاويش عطية.. إنه الفنان رياض القصبجي الذي علم نفسه بنفسه، أضحك الملايين وعانى من الوحدة والتهميش والتجاهل حتى من أقرب أصدقائه، حاول البعض رفع روحه المعنوية بإسناد أدوار إليه أثناء وعكته الصحية إلا أن قدماه خانته، ليسقط فريسة للاكتئاب والمرض، حتى رحل وحيدًا في جنازة لم يحضرها أحد، أحزنه أنه عاش فقيرًا، ومات حزينًا.
رياض القصبجي أشهر من أدى دور ابن البلد، والمعلم، والتاجر، وعضو العصابة، يظل الدور الأشهر الذي تميز به هو شخصية «الشاويش عطية»، دائم المناكفة مع إسماعيل ياسين، سواء في البوليس الحربي أو الطيران أو البحرية.. من أشهر إفيهاته: "هو بغباوته".
البداية:
ولد القصبجي في13 سبتمبر عام 1903، بمدينة جرجا بمحافظة سوهاج، على الرغم من أنه أضحكنا كثيرًا خلال مسيرته الفنية، إلا أنه عانى من العديد من الأزمات والأحداث المأساوية، هرب إلى الإسكندرية، بسبب الثأر وفق تصريحات خاصة لابنه فتحي ، يؤكد أنه أقام في منزل مقابل لمنزل ريا وسكينة، ولكنه لم يعلم أنه منزلهما. 
لم يكن عدم التحاقه بالتعليم عائقا أمام مشواره في الحياة، حيث تعلم القراءة والكتابة مع الوقت، وبدأ حياته المهنية «كمسري» في هيئة السكة الحديد، ومنها اشترك في فرقة التمثيل الخاصة بالسكة الحديد، وبسبب موهبته الكبيرة في التمثيل صار واحدًا من أبرز أعضاء تلك الفرقة، نصحه أصدقاؤه بالسفر إلى القاهرة والاشتراك في إحدى الفرق المسرحية. التحق بفرقة أحمد الشامي المسرحية التي كان غالبية أعضائها من الهواة، عمل في فرق على الكسار وجورج أبيض وإسماعيل ياسين.
محطات فنية:
قدم القصبجي عدداً من الأعمال السينمائية، منها: «مغامرات إسماعيل يس، ودايما معاك، وحلاق بغداد، والآنسة حنفي، ونهارك سعيد، ونحن بشر، وإسماعيل يس فى الجيش، وإسماعيل يس فى البوليس، وإزاي أنساك، وصراع في المينا، وأنت حبيبي، وإسماعيل يس في الأسطول، وابن حميدو، وإسماعيل يس في البوليس الحربي، وبحبوح أفندي، وإسماعيل يس في مستشفى المجانين، وإسماعيل يس بوليس سري، وإسماعيل يس في الطيران، والعتبة الخضراء، ولوكاندة المفاجآت».
بالرغم من أن البداية كانت من المسرح، إلا أن الفضل يعود للسينما فهي التي عرفته بالجمهور، يؤكد أن المسرح بالنسبة له عشقه وحياته، أما السينما فهي نقطة مهمة في مشواره الفني، خاصة مجموعة الأعمال التي قدمها مع الراحل إسماعيل يس.
علم المخرج حسن الإمام بأن رياض القصبجى تماثل للشفاء من الشلل الذي أصابه، وكان شللاً نصفياً نتيجة ارتفاع في ضغط الدم، وأنه بدأ يتحرك ويمشى، فأراد أن يرفع من روحه المعنوية فهو يدرك أن أسعد أوقات أي فنان عندما يكون أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح، ومن هنا اقترح على أسرة الفيلم إعطاء دور له، والدور بالفعل كان مناسبًا له، وكانت هذه لفتة طيبة من «حسن الإمام» وأسعدت الفنان رياض القصبجى كثيراً، لأنه شعر بأنه ما زال محبوبًا ومطلوباً، لكن قدرته الجسدية جعلته غير قادر على أداء الدور.. فعاد إلى بيته مهمومًا وحزينًا وكانت هذه آخر مرة يذهب فيها إلى الاستديوهات.
في سلسلة حوارات «أبى.. الذي لا يعرفه أحد»  تحدث فتحي الابن، هذا الرجل  الذي تجاوز الستين عاماً، لكنه مازال يحتفظ بملامح أبيه، وخفة دمه، وبساطة كلماته.
ليؤكد أن أباه كان إنسانا عاديا، يجمع بين الشدة واللين، وأن حالة اللين بداخله كانت أكثر من الشدة، على عكس ما قد يتصور البعض، أحياناً أدواره في السينما هي التي تعطي  هذا الانطباع بالقوة والغلظة، لكن ذلك ليس صحيحاً، رياض القصبجي رجل عطوف ودمعته قريبة، يفرح من أي شيء يحزن لأبسط شيء!
يواصل ابنه الحديث قائلاً: تعلمت من والدي الصبر.. عندما كنت طفلا صغيرا، كنت أخرج معه كي أكون ذراعه التي يتكئ عليها، كنت أسمعه يقول: الصبر.. الصبر يا رب، فسألته بطفولة بريئة: ولماذا تقول كلمة الصبر يا بابا؟ فيرد قائلاً: «الصبر مفتاح الفرج» وعندما كبرت عرفت معنى كلامه، وعرفت أنه كان شديد الرضا بما هو فيه، وهذا الرضا كان يستمده من الصبر. يؤكد أن أبيه كان رجلًا بسيطاً، يحب التمثيل والحياة والناس، أحلامه بسيطة، كان يقول دائماً: «يا رب.. الستر والصحة»، والحمد لله هكذا عاش «مستور» وتحققت نعمة الستر له، صحيح المرض هاجمه وضغط عليه وأبعده عدة سنوات عن الجمهور، لكنه كان راضياً.. حتى آخر يوم فى حياته.
أزمات:
بالرغم من مشاركته في أكثر من 100 فيلم، إلا إن دخله كان لا يزيد على 25 جنيهاً في السنة، ينفق على أسرته وتعليم ابنه فتحي الذي كان طفلا في المدرسة وقتها، بعدما أقعده المرض، ساءت أحواله المادية، خاصة مع حاجته للعلاج، عاش فقيرًا حتى وفاته.
عرض عليه الفنان نور الشريف العمل معه في أحد مسلسلاته، وتجسيد دور عمدة مشلول يحرض أبناءه على الأخذ بالثأر، وبعد أن ذهب للتصوير مع زوجته، سمع تهامس العاملين عليه، انخرط في البكاء، وطلب من زوجته أن تصطحبه إلى المنزل رافضًا البقاء.
من أصعب الأمور التي واجهته وكانت سببًا في معاناته هي قطيعة أصدقائه بالوسط الفني، فلم يسأل عنه غالبية زملائه، ومنهم رفيق أعماله الفنان إسماعيل ياسين، مما أثر على حالته النفسية  كثيراً، كما غاب أيضًا عن جنازته..!
داوم الفنان فريد شوقي على زيارته ومراعاة أهله بعد وفاته.
كما  أرسل المخرج حسن الإمام للفنان الراحل للقيام بدور في فيلم «الخطايا» بطولة الفنان عبدالحليم حافظ، في أبريل 1962 وما إن بدأ القصبجي يتحرك مندمجا في أداء دوره، إلا أنه سقط مغشيًا عليه وانخرط في البكاء وهم يساعدونه على النهوض ويحملونه بعيدا عن البلاتوه.
عاد إلى منزله حزينًا، لتكون هذه هي آخر مواجهاته مع الكاميرا! 
خذلان:
أكد فتحي رياض القصبجي، قائلا: «رغم اشتراك والدي مع الفنان إسماعيل ياسين في معظم الأعمال الفنية التي كانت سببا في شهرته إلا أنه لم يزره أثناء مرضه بل لم يأت للعزاء فيه».
الوفاة:
عانى الفنان رياض القصبجي من الإصابة بشلل نصفي في الجانب الأيسر بسبب ارتفاع ضغط دمه، أثناء تصوير فيلم «أبوأحمد» بطولة الفنان فريد شوقي، حتى غاب عن عالمنا يوم 23 أبريل عام 1963 عن عمر يناهر 60 عامًا، رغم وفاته لم تتوقف أزماته حيث إن أسرته لم تجد ما يغطي تكاليف جنازته وظل جسده مسجى في فراشه حتى تحمل تكاليف الجنازة المنتج جمال الليثي.. لتخرج جنازته من منزله في شارع حجر المتفرع من شارع قطة في شبرا الساعة الرابعة عصرا محمولا على الأعناق في جنازة صغيرة، لم يسير وراءها سوى عدد قليل لا يتعدى الـ 20 شخصا من أهله وجيرانه، وغابت الوجوه الفنية اللهم إلا محمد غزاوي نقيب الممثلين نيابة عنهم وبصحبته باقة ورد، ليرحل من أضحك الملايين وحيدا ويفارقنا في هدوء تام.