رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المشروع هو الحل.. هل يسير كولر على خُطى موسيمانى؟

كولر
كولر

ما بين أغلبية سعيدة بالفوز والانتصار على الرجاء البيضاوى المغربى، وأقلية مشككة، جاءت ردود الأفعال الجماهيرية حول أداء الأهلى مع مارسيل كولر أمام بطل المغرب بالتحديد، وفى الآونة الأخيرة عمومًا.

بعض الأصوات التى سجلت اعتراضها على أنه مجرد عبور من دور الثمانية إلى نصف نهائى دورى أبطال إفريقيا ترى أن المدرب السويسرى يعود بالأهلى إلى الوراء، وأخرى قالت: ما الفارق بينه وبيتسو موسيمانى الذى لم نرد له البقاء بسبب غياب الهوية الهجومية معه؟

فأى الطرفين صحيح فى وجهة نظره

كانت الأغلبية الساحقة داعمة للانتصار، بعض منها عن قناعة بأهمية «التكتيك» وجدواه، وأخرى- وهى القطاع الأعرض والأكبر- لا يهمها سوى النصر، ومن بعده التتويج والميدالية الذهبية.

وبين هؤلاء جميعًا صادفتنى تساؤلات كثيرة فى أى نقاش حول الأهلى وأدائه مؤخرًا: لماذا لا تتقدم الكرة المصرية وعلى رأسها الأهلى؟ وأين هى مما يدور فى عالم كرة القدم الحديثة؟ لماذا يبدو لنا فى أوروبا أنهم يلعبون كرة قدم أخرى، بينما نشعر بأن أفضل ما لدينا لا يجيد التمرير والتسلم؟!

إن الخلافات الحاصلة حول أداء الأهلى والطريقة التى فاز بها، ومثيلتها التى فاز بها بيتسو موسيمانى، لم تعد مجرد حلقة نقاش حول مباراة أو بطولة، بل هو الموضوع فى حد ذاته، والتى يمكن إن بحثنا فى تفاصيلها، وأردنا أجوبة جادة وحقيقية، فإننا لن نجد مخرجًا للأهلى فحسب، بل لعموم الكرة المصرية.

مما لا شك فيه أن البطولات هى عنوان وهوية الأهلى، والضمانة الأهم وليست الوحيدة لبقاء أى مدرب، ومن هنا جاء التحول فى فلسفة السويسرى مارسيل كولر.

فبعدما كان متفاخرًا بفلسفته الهجومية خلال مونديال الأندية، رغم الرباعيتين اللتين تلقاهما أمام ريال مدريد وفلامينجو، عاد ليبدل من تلك الفلسفة ويغلب النتيجة على الكرة الهجومية التى قال لن نتخلى عنها.

وبحثًا عن تلك البطولات، ربما اضطر المدرب السويسرى ليلعب أمام الرجاء بشكل متحفظ، أكثر مما كان عليه أمام ريال مدريد بطل أوروبا.

ربما تحدث معه مسئولو الأهلى عن أهمية الفوز قبل الأداء، وربما وعى الدرس، وربما هو يؤمن بأن ذاك الأسلوب هو الأنسب لتلك المرحلة، وربما كل ذلك.

لكن الحقيقة الأوضح بالنسبة لنا جميعًا أن «كولر» يحب الكرة الهجومية، وأن «موسيمانى» الذى جاء بسبب ما قدمه من كرة جميلة مع صن داونز، جرى تحت إمرته نفس التحول فى الأهلى، وكأن الأهلى جاذب لكرة القدم الدفاعية، وهذا غير حقيقى بالمرة، فطوال تاريخه الأهلى كان الأجمل، ونجومه الأمتع، وذكرياته الأروع فى كل مكان.

اضطرار «كولر» لاستبدال فلسفته، ومن قبله «موسيمانى»، تقف وراءه معطيات كثيرة، أرى أهمها على الإطلاق إدارة لا تمتلك مشروعًا، وتحكم وفق اللحظة، ومن أجل اللحظة، فى كثير من الأمور.

على سبيل المثال، كان «موسيمانى» مفضلًا لأن الأهلى كان سيلعب قبل نهائى إفريقيا آنذاك، ورأت الإدارة أن تعيين مدرب خبير بكرة القدم الإفريقية وعلى دراية بالأهلى والزمالك وصاحب تجربة مثالية مع صن داونز، هو الحل النموذجى لهذه اللحظة وتلك المرحلة، وقد كان، نجح مخطط الأهلى ورؤيته اللحظية، وربما كان بين أهم قرارات الطوارئ فى تاريخ الكرة المصرية.

لكن بعد ذلك، هل امتلك الأهلى و«موسيمانى» مشروعًا واضحًا لفلسفة كروية؟ هل شفعت بطولتا إفريقيا لـ«بيتسو»؟ ولماذا خسر أمامهما بطولتى دورى، وهو ما لم يحدث فى تاريخ الأهلى أن يستفيق قاريًا ويسقط محليًا موسمين متتاليين؟

الإجابة ذاتها، فالأهلى الذى يدير من أجل اللحظة، انتقلت فلسفته للمدرب الذى يريد أن يفوز الآن، لا يبنى فريقًا ومشروعًا يفوز الآن وغدًا وبعده، فكان التذبذب عنوانًا دائمًا لتلك المرحلة، التى شهدت أكبر انقسام فى تاريخ الأهلى الحديث.

وهل ستكون بطولة إفريقيا شفيعة لـ«كولر» فيما بعد إذا فاز بها، أم سنظل نطارده فى القادم، فيظل يدافع ويغلق المساحات، ويبحث عن هفوة للعبور، فيكون الانتصار مرة والانكسار مرة، حسب طبيعة الخصوم؟

هنا لا أتهم السويسرى، بل أقف مدافعًا عنه وفى صفه، وأرى أنه فى مباراة الرجاء، بالتحديد، اتبع «التكتيك» الأفضل، وبرع فى إغلاق المساحات، صحيح إرهاق مهاجميه حسين الشحات وبيرسى تاو فى الأدوار الدفاعية منع الأهلى من التحولات، ولم يعطه مجالًا ليظهر هجوميًا، لكن تحقق المراد.

وأقول هنا إنه معذور لوجود «نواقص»، فعلى سبيل المثال لم يمتلك الأهلى المهاجم القوى والسريع والقادر على الفوز بالالتحامات، وهو أمر مهم جدًا فى مثل هذه المباريات.

ألتمس له العذر لأنه يلعب بظهير أيسر، على معلول، أوشك على ٣٥ عامًا، فاضطر لبقائه بالخلف دائمًا، وهو كان أهم مهاجمى الفريق سابقًا.

نلتمس له العذر ولديه ظهير أيمن، محمد هانى، يكون خارقًا حينما تحميه بمنظومة دفاعية يعود فيها الجميع، وإن تركته فى مساحة يعريك.

نلتمس له الأعذار لأن «النواقص» كثيرة، فالأهلى لم يعد يمتلك «معلول» الذى نعرفه، ولا أحمد فتحى الظهير الذى لا يعوض، ولا بديله أكرم توفيق الذى كان عمودًا رئيسيًا تظهر قيمته فى هذه المناسبات، وحتى هجومه فمنذ غابت شمس وليد سليمان، وانطفأ نجم مؤمن زكريا، ورحل النيجيرى جونيور أجاى، و«خلع» رمضان صبحى، لم نجد صفقة فى هذا المكان بهذا الثقل، عدا حسين الشحات، وإن قارنته برباعيتهم فستجده إلى جوار أقلهم أو خلفهم.

إن كل هذه المعطيات تقول إن الأهلى إداريًا هو الذى بحاجة إلى أن يبدل سياسته، لينتقل من منطقة «مريض وسط موتى» إلى «زعيم القارة» الذى يبهر ويمتع أينما حل.

وما نقصده هنا أن الأهلى يحتاج إلى امتلاك مشروع، ويدعم مدربه فى تطبيق فلسفة كروية تعبّر عن هوية النادى، وتجمع بين الانتصارات وكرة القدم الهجومية، وامتلاك نجوم بارعين يخلدون فى الذاكرة مثل كل الأجيال، لا مجرد «مؤدين» أو ما يمكن أن نصفه بـ«أحسن الوحشين»، فإن كنا جادين حقًا، ستجد غالبية نجوم هذا الجيل مكروهين عند جماهيرهم، ورؤيتهم فى الملعب تسبب المشقة لمتابعيهم.

وذلك لن يتحقق سوى بأمرين، الأول تقديم التدعيمات الكافية لسد النواقص وصناعة التفوق النوعى للأفراد، والثانى الدفاع عن خطط وأفكار المدرب بالتوعية والتنوير والمحاسبة أيضًا، والحساب هنا على التفاصيل والشكل لا مجرد نتائج مؤقتة.

فى الختام ربما نستخلص معًا أن نجاح منظومة كرة القدم المصرية، والتى تنطلق من الأهلى أولًا، ما يجب أن يخضع لمعيار «ماذا يريد الجمهور؟»، وألا يكون هذا المعيار الأوحد فى كل شىء، وأن ذلك مرهون بإدارات استراتيجية تخطط وتعمل لا إدارة طوارئ تدير أزمات.