رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لاظوغلى

ربما لا يعلم البعض أن لاظوغلى الذي ينتصب تمثاله في قلب القاهرة في الميدان الذي يحمل اسمه، هو مؤسس الأمن السياسي في مصر.

اسمه الرسمي المدون في سجلات الحكومة المصرية هو لاظ أوغلي محمد أغا كتخدا جناب والي مصر محمد على باشا، وكتخدا كلمة تركية وتعني نائب الوالي.

وهو أول من ابتكر الطرق البوليسية التي استعملتها أجهزة الأمن فيما بعد في جمع المعلومات بأنواعها المختلفة من مصادرها، وتبويبها، وتوزيعها. وهى نظرية معقدة تقوم أساسا على فكرة جمع كل المعلومات المتاحة مهما كانت، سواء كانت تافهة أو ذات قيمة، ثم تبويبها وتصنيفها، والاستفادة منها.
كما أن لاظوغلى هو أول من فكر في نظرية الفصل بين مصدر المعلومات وكيفية الاستفادة منها. وهو أول من أدخل النساء في عمل الأجهزة المخابراتية. وإن كان ذلك لم يكن بقصد استغلال النساء كإناث، ولكنه استغلال لشيء تعلمنه ولا يتقنه غيرهن. 
وعندما نعود إلى الحالة في مصر في أعقاب تولي محمد على الحكم فيها عام 1805، نجد أن محمد على كان بالفعل في حاجة إلى رجل له قدرات لاظوغلى الخارقة. 
كانت القوي السياسية المناوئة أو المنافسة لمحمد على تنحصر في ثلاث مجموعات. كل منها كان له شأن في السلطة وطامع فيها. وتلك المجموعات هى: المماليك، المشايخ، الأتراك والجراكسة والأجانب وأبناء العرب. 
وكانت كل قوة من تلك القوي تحاول الحصول على السلطة، أو على الأقل المشاركة فيها. ولكن محمد على بعقليته المنظمة لم يحتمل المشاركة في الحكم. لذا فإنه بادر بتصفية تلك القوي واحدة تلو الأخرى. 
وفي عملية التصفية تلك احتاج محمد على إلى جمع المعلومات الكافية عن كل قوة من تلك القوى، وكان له ما أراد في لاظوغلى.
بعد مذبحة القلعة كان هناك عدد من المماليك لديهم علاقات قوية بالخلافة في تركيا، ومن هؤلاء لطيف باشا، وكان هذا مملوكا لمحمد على نفسه. أوفده إلى الآستانة ليزف البشري للحكومة التركية بالقضاء على فتنة الحجاز، فأنعمت الحكومة التركية على لطيف برتبة الباشوية، وكان هناك من تكلم معه في معارضة محمد على، وبالفعل عاد لطيف إلى مصر وبدا عليه الكبرياء والغطرسة، وتغير تجاه محمد على، فأوكل أمره إلى نائبه لاظوغلى والأخير لم يتأخر في الخلاص منه. 
أما المشايخ فقد جمع لاظوغلى عنهم معلومات في غاية الأهمية، تتعلق بمسلكهم وأموالهم واجتماعاتهم وتصرفاتهم، ومنهم عمر مكرم والشيخ الشرقاوي وغيرهما، مما سهل لمحمد على مهمة التخلص منهم واحدًا تلو الآخر بالنفي والعزل والموت، بعد أن واجههم بالمعلومات التي جمعها عنهم. 
أما القوة الثالثة فهم أولاد الأتراك والجراكسة والعرب ممن يمتلكون الأموال والأراضي، أي طبقة الأرستقراطيين. 
استعان لاظوغلى بعدد من المخبرين، بعضهم يجيد اللغة التركية، وأناط بهم بوسائل شتي أن يدخلوا البيوت التي يسهر فيها هؤلاء بصفتهم باعة لما يحتاجه الناس في الليل، بعضهم يحمل كعكا وبيضا وحب العزيز واللب بأنواعه، وكل هذه الأصناف من مال الحكومة، ويتردد هؤلاء الباعة على الساهرين في البيوت الواسعة التي يفد الناس إليها للسهر، وفي هذه البيوت يكون الخدم قد تعبوا، والساهرون يحتاجون للتسلية، فيفد عليهم هؤلاء المخبرون، فيسمعون ما بينهم من حوارات الساهرينة ويقومون بتدوينها في تقارير. ويلقونها في فتحة من باب منزل قفطان باشا في الساحة التي أمام مقام وضريح السيدة زينب. باب هذا البيت مفتاحه عند لاظوغلى نفسه، وكانت تقيم في هذا البيت سيدة لها دراية واسعة باللغتين العربية والتركية. 
كانت السيدة كل صباح تقوم بجمع التقارير وتلخصها وترتبها. 
وكل يوم قبيل الظهر يرسل لاظوغلى بغلة تحمل السيدة المشار إليها وأوراقها إلى القلعة، فتجد الشيخ يوسف أحد مساعدي لاظوغلى حاضرا، فتقرأ الملخصات، وبناء عليه تؤخذ الاحتياطات التي يجب على الحكومة اتخاذها لمواجهة المؤامرات التي كانت تتم أثناء سهرهم وسمرهم، وقد تتسبب تلك المعلومات في منع كوارث ومشاحنات كانت غير منتظرة، وبهذه الطريقة ساد الأمن والأمان بعد أيام طويلة من الاضطرابات.
وعن طريق تلك التقارير، كان الوالي محمد على يراقب المباشرين والملتزمين، ويعلم مقدار ثرواتهم وما لديهم من أموال، وكان يفاجئهم ويطلب منهم أموالا زائدة. ومن هؤلاء المعلم جرجس الطويل، وحنا الطويل، ومنقريوس البتانوني وطلب منهم أن يدفعوا مبلغا من المال، فرفضوا، أمر بهم أن يضربوا ضربا مبرحا، فلما أوجعهم الضرب، دفعوا ما طلبه منهم الوالي.
وفي يوم 22 رمضان 1242هجرية 19 أبريل 1827 توفي لاظوغلى، بعد أن أسس دواوين ومصالح الحكومة، وكان مطلق التصرف في أمور الإدارة.
عندما أرادت الحكومة في عهد الخديو إسماعيل تكريم السابقين، اقترحت عمل تماثيل لمحمد على باشا وإبراهيم باشا ولاظوغلي بك وسليمان باشا الفرنساوي وجدت للجميع صورا شائعة في أوروبا إلا لاظوغلي بك فلم تجد له صورا، وحتمت الحكومة على محافظ مصر حينذاك المرحوم أحمد باشا الدرملي في يوليو سنة 1869 فلم يجد عند أسرته، ولا من له علاقة به صورة له،  ولكن اتفق وجود الباشا المشار إليه والمرحوم محمد ثابت بجهة خان الخليلي عصر يوم، فوقع نظر المرحوم ثابت على سقا حريم فتفرس في وجهه، فوجده يشبه لاظوغلى في الطول واللمحات،  فلفت نظر الدرملي نحو هذا الرجل الذي يحمل قرب المياه، ودعاه الدرملي باشا، واتفق معه على أن يقابله بمقر الضبطية صباح اليوم التالي، وأمله خيرا حتي لا يخلف وعده، في الصباح حضر السقا، وكلف الدرملي أحد المعاونين لمرافقته لتفصيل بدلة تناسب لاظوغلى, وأحضروا سيفا بعد استكمال الملابس والعمامة وكل ما يلزم، وأخذت صورة فوتوغرافية لهذا السقا،  واعتبرت صورة للاظوغلي كالذي تراه منصوبا الآن ميدان المالية، هو تمثال السقا الذي يشابه لاظوغلى.
أي أن التمثال المقام في الميدان الذي يحمل اسم الرجل ليس للاظوغلي، ولكنه لرجل يحمل نفس ملامحه ويعمل سقا حريم.