رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

موسم مميز

المقارنة بين الحال فى أول ثلاثة أيام من رمضان وبين الحال أول ثلاثة أيام من شوال تكشف الكثير.. أما مسرح المقارنة فهو وسائل التواصل الاجتماعى أو كثير منها إذا شئنا الدقة.. الحال فى أول رمضان أن حسابات مجهولة أو معلومة تولت إهالة التراب على الموسم الدرامى قبل أن يبدأ.. وكنت أقول لنفسى إن بعض صفحات التواصل الاجتماعى تشبه الإذاعات الأهلية فى مصر قبل ١٩٣٤ فقد كان لدينا عشرات المحطات المجهولة.. يديرها من ليس على مستوى المسئولية وتذيع المواد التى تخطر على بال المسئولين عنها.. وكان معظم هذه المواد عبارة عن سباب وهجوم بين بعض المطربين وبعضهم البعض.. وكان الهجوم دائمًا مدفوعًا من طرف ضد طرف ومن مطرب ضد مطرب آخر.. وقد انتبهنا أن الوضع على السوشيال ميديا أصبح مقاربًا لحال الإذاعات الأهلية فى الماضى بشكل أو بآخر.. فلدينا صفحات تحمل أسماء مبهمة مثل الناقد والمخرج والاستديو والمشاهد.. إلخ، وهى صفحات مجهولة الهوية لمن يشاهدها.. فنحن لا نعرف أسماء المسئولين عنها ولا نعرف من يكتب المنشورات التى تنشر عليها ولا نعرف من أين ينفق من يصدرون هذه الصفحات على أنفسهم ولا على هذه الصفحات التى تسرق دور الصحف دون أن تتحمل أعباءها المهنية والأخلاقية والمادية.. وهكذا وجدنا أنفسنا فى مهرجان كبير للتضليل يتولى توجيه الرأى العام فى اتجاهات مختلفة ويستغل ظاهرة إعادة إنتاج الأفكار التى تتسم بها السوشيال ميديا فى نشر أفكاره من جديد.. فضلًا عن ظاهرة الإحباط السياسى لدى البعض والذى دفعه للتفكير فى أن مهاجمة المسلسلات التى تساهم فى إنتاجها الدولة هى وسيلة للنضال السياسى أحيانًا أو للابتزاز السياسى فى أحيان أخرى إذا شئنا الدقة.. وبغض النظر عن الدوافع فإنه ما إن مضت الأيام حتى اكتشفنا أن ما تم ترويجه هو مجرد أكاذيب وانطباعات خاطئة.. وأننا أمام موسم درامى مميز للغاية فى مجمله.. وأن عدة مسلسلات من مسلسلات الموسم ستدخل تاريخ الدراما المصرية والعربية وتعيش فى ذاكرة المصريين طويلًا.. وأن الاختلاف حول المسلسلات ومضامينها هو تقليد موجود منذ عقود طويلة ولا يقلل إطلاقًا من قيمة هذه المسلسلات وأنها كانت مصدر سعادة للمصريين.. ويكفى أن نذكر أن عملًا رائعًا مثل «ليالى الحلمية» كان عُرضة لاعتراض البعض من الناحية السياسية.. ولم يقلل هذا من قيمته فى شىء. 

وإذا نظرنا لهذا الموسم سنكتشف أنه اتسم بالتنوع الكبير.. وأن الشركة المتحدة وحدها قدمت سبعة عشر مسلسلًا من كل الأنواع.. كان فيها الاجتماعى والكوميدى والتاريخى والدينى والشعبى والفانتازيا والدراما البوليسية.. إلخ، كما أقدمت الشركة لأول مرة على تقديم المسلسلات الخمس عشرة حلقة.. وهى فكرة ممتازة نجحت نجاحًا يدعو للتوسع فى تطبيقها، وكان من مميزاتها أن النصف الثانى من رمضان احتوى على مفاجآت درامية لا تقل روعة عن النصف الأول.. فقد انجذب الناس لمسلسلات فائقة الجودة مثل «تحت الوصاية» و«جت سليمة» فاستمرت معدلات المشاهدة مرتفعة فى النصف الثانى كما كانت فى النصف الأول.. فضلًا عن تركيز الأحداث وعدم وجود ضرورة للمط والتطويل.. وبحسب مؤشرات المشاهدة على منصة «ووتش إت» فإن الناس تشاهد العمل الجيد بغض النظر عن الجنس الذى ينتمى إليه.. فقد احتل مسلسل «جعفر العمدة» المرتبة الأولى للمشاهدة فى مصر والوطن العربى.. وهو انتصار لا شك فيه للدراما المصرية وريادتها فضلًا عن أنه رواج لصناعة الدراما المصرية من الناحية الاقتصادية والإعلانية بكل تأكيد.. واحتل المرتبة الثانية فى المشاهدة مسلسل «ضرب نار» للنجمة ياسمين عبدالعزيز.. بسبب شعبيتها وسط السيدات وتاريخها الطويل فى العمل الفنى.. واحتل المرتبة الثالثة مسلسل «تحت الوصاية» رغم أنه أقرب لمزاج النخبة من ناحية ورغم أنه لم يبدأ سوى من منتصف رمضان من ناحية ثانية.. ومع ذلك تقدم الصفوف ليحتل المرتبة الثالثة فى المشاهدة على مستوى مصر والوطن العربى وهو إنجاز كبير بلا شك.. وفى المرتبة الرابعة جاء المسلسل الكوميدى «الكبير أوى» رغم الحملة التى شنها البعض ضده فى أول الشهر، ورغم إحساس البعض بالتشبع منه بعد ستة أجزاء قدمها صناعه.. إلا أن الأيام أثبتت أنه يحظى بجماهيرية عالية وأن أحداثه حملت مفاجآت سارة لمشاهديه.. وجاء فى المرتبة الخامسة مسلسل «حرب» الذى يسجل معركة الشرطة المصرية ضد الإرهاب، وهو مسلسل ذو مستوى متميز رغم أن عرضه لم يبدأ سوى يوم عشرين رمضان، وهو من بطولة نجمين كبيرين هما أحمد السقا ومحمد فراج، ومن إخراج مخرج مميز هو أحمد نادر جلال.. وقد جاء فى المراتب الخمس التالية مسلسلات مثل «جت سليمة» و«ألف حمد الله ع السلامة» و«سوق الكانتو» و«جميلة» و«عملة نادرة».. وهو ما يعنى أن الانطباعات التى حاول البعض ترويجها حول بعض المسلسلات هى انطباعات كاذبة تنفيها نسب المشاهدة.. وأن الازدحام فى الموسم وهو أمر طبيعى يجعل من الصعب أن يحكم شخص واحد على كل المسلسلات أو أن يشاهدها كلها.. ويعنى أيضًا أنه لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.. وأن هذا هو الهدف الأساسى من تنوع المسلسلات المعروضة بحيث يجد كل مشاهد ما يناسب ذوقه.. وبالتالى فإن هجوم شخص على مسلسل لا يعجبه ليس معيارًا على رداءة المسلسل.. لأن ما يعجب البعض قد لا يعجب البعض الآخر وهذه سنة الله فى خلقه.. أما من جهة التنوع والتأثير والرواج والمشاهدة والقدرة على خلق الحالة الجماهيرية وبث الوعى أيضًا، فنحن إزاء موسم درامى ناجح للشركة المتحدة نشكرها عليه ونطلب منها فى العام المقبل ما هو أفضل.