رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسرار المنشاوى.. أسرة «القارئ الباكى» تتحدث: نجا من الاغتيال بعناية إلهية

الشيخ المنشاوى
الشيخ المنشاوى

رغم رحيلهم؛ لا تزال أصوات قراء مصر العظماء مسموعة فى مصر والدول العربية، نتذكرهم دائمًا، وتطير الرحمات حاملة أسماءهم إلى السماء، خاصة فى شهر رمضان المبارك.

وبالطبع يأتى الراحل العظيم الشيخ محمد صديق المنشاوى فى المقدمة، فصوته العذب المصحوب بمسحة حزن تعلقت به قلوب ملايين المسلمين فى مصر والعالم أجمع. وفى هذه الأيام العطرة، أيام القرآن، التقت «الدستور» ابن وحفيد القارئ الراحل محمد صديق المنشاوى، حيث تحدثا عن مواقف ومحطات مهمة فى حياة القارئ صاحب الشهرة العالمية، منها أنه رفض القراءة أمام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ونجا من محاولة قتل باستخدام السم، وغيرهما من التفاصيل فى السطور التالية.

الابن عمر:  سورة «المؤمنون» سبب نجاحه.. وإعداد الختمة استغرق شهرين

قال الدكتور عمر محمد صديق المنشاوى، نجل القارئ الراحل محمد صديق المنشاوى، إن والده ولد يوم ٢٠ يناير عام ١٩٢٠ بمدينة المنشأة بمحافظة سوهاج، وهو الابن الأكبر لوالده الشيخ صديق السيد تايب.

وأضاف «عمر»: «هيأه والده لكى يكون خلفًا له فى حفظ وتلاوة القرآن، ولما رأى فيه استجابة سريعة لحفظ كتاب الله، أرسله للشيخ محمد النمكى، الذى لم يجد صعوبة فى تحفيظه للقرآن الكريم، وقد سجل له الشيخ النمكى عدة مميزات تتمثل فى سرعة الاستيعاب ودقة مخارج الحروف وعذوبة الصوت وكذلك هدوء الطباع».

وواصل: «ثم أرسل الشيخ صديق ابنه الشيخ محمد إلى القاهرة ليتعلم أحكام التلاوة وعلوم القراءات، وكان ذلك على يد الشيخ محمد السعودى والشيخ أبوالعلا محمد، وقد أتم، رحمه الله، دراسة أحكام القراءات على يد الشيخين الكريمين، وعلماه السبعة والعشرة الكبرى، وحصل على الإجازة منهما». 

وكشف عن أن أول قراءة لوالده كانت فى إحدى ليالى رمضان سنة ١٣٧١ هجريًا، الموافق ١٩٥٢، بمحافظة سوهاج، حيث اصطحب الشيخ صديق ابنه الشيخ محمد ليقرأ معه فى هذه الليلة، وقد قرأ تلاوة لخواتيم سورة المؤمنون، واستمرت تلاوته حوالى ساعة، وما أن انتهى من تلاوته حتى تدافع الحاضرون يثنون عليه ويكيلون له المديح لينطلق فى تلك الليلة نجم الشيخ محمد صديق المنشاوى.

وأشار إلى أنه بعد واقعة التحاقه بالإذاعة، خصصت الساعة الثامنة مساء يوم الأربعاء من كل أسبوع، ليتلو لمدة نصف ساعة ما تيسر له من القرآن، وفى ذلك الوقت كانت القراءة تذاع على الهواء مباشرة من الإذاعة المصرية، وكان يأتى من بلدته فى الصعيد ليكون فى الموعد المحدد للقراءة، ولما شق عليه ذلك قرر أن يقيم فى القاهرة حتى يكون قريبًا من مقر الإذاعة المصرية. 

ولفت إلى أن للشيخ ختمة مرتلة كاملة للقرآن الكريم برواية حفص، واستغرق التسجيل شهرين متتاليين، وأذيعت الختمة المرتلة، ولا تزال تذاع حتى يومنا هذا.

وأشار إلى أن الشيخ كان قارئًا فى مسجد الزمالك بحى الزمالك، وكان يقرأ أيضًا فى بعض المساجد الأخرى فى صلوات الفجر والمناسبات الأخرى، حتى توفى دون الخمسين من عمره فى يوم الجمعة الموافق ٢٠ يونيو ١٩٦٩.

الحفيد علاء: أحد القراء المشهورين وراء محاولة قتله بـ«سم» فى الطعام

قال الحفيد علاء المنشاوى إن جده الشيخ محمد صديق المنشاوى كان مهتمًا بالقرآن منذ الطفولة، كون والده الشيخ الكبير صديق المنشاوى، كان عالم القراءات الأول فى صعيد مصر، مشيرًا إلى أن «عائلة المنشاوى عائلة قرآنية، فوالد جدى قارئ وأخوه قارئ وابن أخيه قارئ معروف الآن، وهو الشيخ صديق المنشاوى».

■ كيف أسهمت الأسرة القرآنية فى تشكيل شخصية محمد صديق المنشاوى؟

- جدى الشيخ محمد صديق المنشاوى ينتمى لبيت قرآنى، فوالده- رحمه الله- كان قارئًا، وشقيقه الشيخ محمود صديق المنشاوى كان قارئًا أيضًا، ولا تزال عائلة «المنشاوى» تنبت بثمار القراء حتى الآن، فنجل شقيقه الشيخ محمود هو القارئ صديق المنشاوى، وهو معروف، لكنه لم يدخل طريق التلاوة كمهنة.

■ قال الشيخ الشعراوى إن جدك ورفاقه سيواصلون الإبحار فى القرآن حتى يرث الله الأرض.. ما رأيك؟

- أرى أن الشيخ الراحل محمد متولى الشعراوى ولى من أولياء الله الصالحين، وأعتبر قوله حقًا؛ فمنذ طفولتنا تربينا على صوت إذاعة القرآن الكريم، التى تبث أصوات عظماء التلاوة الخمسة، أصحاب المصحف المرتل، ومن بينهم جدى الشيخ محمد صديق المنشاوى.

كان الشيخ المنشاوى صحبة رفاقه الأربعة يبدعون فى إذاعة القرآن الكريم، ولا أحد يستطيع منافستهم.

قول الإمام الجليل الشعراوى حق، وأود أن أشير إلى أنه مر على وفاة جدى الشيخ المنشاوى أكثر من خمسين عامًا، ولا يزال يتربع على عرش إذاعة القرآن الكريم، مع رفاقه، الذين أصبح كل منهم مدرسة خاصة فى التلاوة.

■ كيف كانت تصرفات جدك كأب؟

- كان جدى طيبًا جدًا، ورحيمًا وصبورًا وإنسانًا بكل معانى الكلمة.. كان القرآن أسلوب حياته، ويضع أحكام القرآن أمام عينه حينما يتعامل مع أى أحد.

والدى حكى لنا أن جدى الشيخ المنشاوى كان أبًا حنونًا جدًا، وحرص على تربية أبنائه تربية دينية سليمة، وعلى الرغم من وفاته صغيرًا، ترك بالغ الأثر داخلهم.

كما كان، رحمة الله عليه، بارًا بوالديه ويهتم بصلة الأرحام، إذ كان دائم الزيارة للأقارب، حتى بعد انتقاله للقاهرة.. كان جدى مثالًا يحتذى به فى التعامل مع الأهل والأقارب وأولاده وبناته.

■ ماذا كانت طقوس الشيخ خلال شهر رمضان؟

- شهر رمضان هو شهر القرآن، وهذا حرفيًا ما يحدث فى عائلة «المنشاوية» حينما يحل الشهر المبارك، فكل ليلة كانت تعقد سهرة قرآنية فى ديوان عائلة من كبار العائلات، يضىء جدى ساعاتها بآيات من الذكر الحكيم.

وفى المنزل، كان جدى- رحمه الله- يقرأ القرآن من الفجر حتى أذان المغرب، وكان محبًا للناس وتجمعات الأهل، وكانت سعادته تزداد جدًا بدعوة الأقارب للإفطار معه وحوله.

■ كم عدد أعمامك وعماتك؟

- لدى جدى ١٢ ابنًا وابنة، الرجال هم: السعودى وعمر و«محمد نور» و«محمد الشافعى» وصلاح وطارق، فضلًا عن ٦ بنات، رحل جميع الذكور عدا عمى صلاح وعمى عمر، ورحلت الابنة الكبرى ويعيش باقى بناته.

■ هل ورث أحد أفراد العائلة من الجد حسن الصوت؟

- عائلة المنشاوى عائلة قرآنية، فوالد جدى قارئ وأخوه قارئ وابن أخيه قارئ معروف الآن، وهو الشيخ صديق المنشاوى. والشجرة المنشاوية مليئة بالثمار، فقد ورث ولده الدكتور عمر محمد صديق المنشاوى، الصوت الجميل، ولكنه لم يسلك نفس طريق والده.

■ كيف نجا الشيخ من محاولة قتل؟

- حكى جدى لأولاده عن تلك الواقعة، قائلًا إن الأمر وصل ببعض الحاقدين لمحاولة التخلص منه، وذلك بدس السم له فى الطعام.

وحكى القارئ الراحل تلك القصة لوالده وأبنائه، مشيرًا إلى أنه كان مدعوًا فى سهرة ما عام ١٩٦٣، بعد انتهاء السهرة دعاه صاحبها لتناول الطعام مع أهل بيته على سبيل البركة، فرفض الشيخ، فأرسل صاحب الدعوة إليه بعضًا من أهله يلحون عليه.. فوافق.

وقبل أن يبدأ فى تناول ما قُدم إليه من طعام، اقترب منه الطباخ وهو يرتجف من شدة الخوف، وهمس فى أذنه قائلًا: «يا شيخ محمد. هاقولك على أمر خطير. وأرجو ألا تفضح أمرى فينقطع عيشى.. أوصانى أحد الأشخاص بدس السم فى طعامك، فوضعته فى طبق سيقدم إليك بعد قليل. لا تقترب من هذا الطبق، قد استيقظ ضميرى، لذلك جئت لتحذيرك».

وأكد الطباخ أن أصحاب السهرة لا يعلمون بالأمر، فقد أعطاه شخص مبلغًا من المال وطلب منه أن يفعل ذلك، وطلب من الشيخ أن يستر عليه.

وحينما وضع الطبق المسموم، عرفه الشيخ كما وصفه له الطباخ، وادّعى جدى شعوره بالإعياء أمام أصحاب الدعوة، فأقسموا عليه أن يأكل، فأخذ كسرة من الخبز وقال «هذا يبر يمينكم» ثم تركهم وانصرف.

■ هل أخبركم من الذى حاول قتله؟

- لم يفصح عن اسمه أبدًا.. ولم يقل أى شىء، لكننى أعرف أنه كان أحد قراء القرآن المشهورين.

■ لماذا رفض جدك تلاوة القرآن فى حضور الرئيس جمال عبدالناصر؟

- قال له أحد الوزراء: «سيكون لك الشرف الكبير بحضورك حفل يشرفه الرئيس جمال عبدالناصر».. وكان جدى شديد الغيرة على كتاب الله، ففاجأه الشيخ محمد صديق، بقوله: «ولماذا لا يكون هذا الشرف لعبدالناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوى؟»، ورفض جدى أن يلبى الدعوة، قائلًا: «لقد أخطأ عبدالناصر حين أرسل إلىَّ أسوأ رسله».

■ كيف ذهب وفد من الإذاعة لاختبار الشيخ فى منزله؟

- جدى الشيخ محمد صديق المنشاوى كان أول قارئ تذهب إليه الإذاعة لاعتماده، فالثابت أن الاختبار انعقد فى قرية بمركز إسنا بمحافظة الأقصر، حيث كان جدى يقرأ القرآن فى حفل.. ووراء الأمر قصة.

بعدما ذاع صيت «المنشاوى» ووصل إلى مبنى الإذاعة المصرية، أرسل مسئولوها إليه يطلبون منه أن يتقدم بطلب ليعقد له اختبار، فإن اجتازه، يعتمد قارئًا بها، فرفض جدى الذهاب إلى اختبار الإذاعة.. فلم يجد مديرها حلًا إلا أن يأمر رجاله بأن تنتقل الإذاعة إلى حيث يقرأ الشيخ محمد صديق المنشاوى، وبالفعل فوجئ الشيخ- وكان يحيى حفلًا رمضانيًا فى قرية بإسنا- بالإذاعة قد أرسلت مندوبها لتسجل قراءته وتلاوته، وتوجه فريق آخر إلى حيث مركز العسيرات بسوهاج الآن، وكان الأب «المنشاوى الكبير» يقرأ هناك، ليتم تسجيل قراءة الأب والابن فى فترة متقاربة، ويكون الاثنان أول من انتقلت إليهما الإذاعة لـ«تقييم الموهبة».

ووافق محمد صديق المنشاوى، بينما رفض الأب، قائلًا: «يكفى الإذاعة المصرية من عائلة المنشاوى ولدى محمد».