"رسالة الإمام".. كيف دافع الشافعى عن نصر أبو زيد؟
في التسعينيات، اشتعلت معركة فكرية لا تزال حاضرة إلى اليوم في الأذهان، حين صدر قرار من محكمة الأحوال الشخصية يقضي بأن يُطلّق المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد زوجته ابتهال يونس، باعتباره مرتدًا عن الإسلام.
كانت تلك الحادثة صفعة قوية لكل تيار تجديدي أراد أن يخرج بالدين من أسر التشدد والتطرف، واستجابة مقيتة لأعمال فكرية رائدة كتبها الراحل أبو زيد في تفسير النصوص الدينية وسبل التعاطي معها وعلى رأسها "الاتجاه العقلي في التفسير"، و"دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة"، و"مفهوم النص.. دراسة في علوم القرآن"، و"نقد الخطاب الديني".
الإمام الشافعي يدافع عن نصر أبو زيد
كتب أستاذ التاريخ بالجامعة اللبنانية، ورئيس تحرير "منبر الحوار"؛ وجيه كوثراني، بمجلة العربي 14 أغسطس 1995 عن هذه الواقعة مقالًا حمل عنوان "الإمام الشافعي يدافع عن نصر أبو زيد"، ناقش فيه إصدار حكم التفريق بين الدكتور نصر أبو زيد وزوجته ابتهال يونس بحجة ارتداد الزوج والتي أثارت في الأوساط الثقافية العربية استهجانًا وخوفًا ونقمة.
قال "كوثراني": "في حالة نصر أبو زيد يستعيد بعض من نصب نفسه محتسبًا على المجتمع أسوأ ما في تاريخ الدولة السلطانية من تجاوز وتعسف ليعممها في مجتمع إسلامي حديث ودولة معاصرة.. والآن يلجأ إلى تأويل للنصوص الحديثة بمعزل عن أهلية تأويل النص وتفسيره، فإذا كان أبو زيد مؤهلًا لقراءة نصوص دينية بأدوات معرفية من العلوم الاجتماعية والألسنية الحديثة فأين هي أهلية من يتصدى لقراءة نصوص أبو زيد".
وتابع: "إن الإنسان عدو ما يجهل، والمحتسبون الذين أقاموا الدعوى وكذلك القاضي الذي تلفظ بالحكم بعد أن أطال لحيته، لا يعرفون من أدوات التحليل الألسني والمناهج الاجتماعية شيئًا، فكيف يمكن الركون إلى أحكام وقراءة تجهل مراجع أبو زيد ولا تتعدى ثقافتها ثقافة قانونية من كتب الفقه القديم وعلم الأصول كما عرفه السلف".
أما عن الإمام الشافعي وكيفية دفاعه عن أبي زيد فقد قال "كوثراني": "لو كان الإمام الشافعي، الذي يدافع المحتسبون الجدد عنه دفاعهم عن نصوص القرآن والسنة كما يفهمونها، حيًا واستمر أمينًا لمنهجه الأصولي المتطور والنسبي لوقف مع أبو زيد وليس مع مدعي دعوى الحسبة، أليس هو القائل رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
وأضاف: "لو كان هؤلاء المحتسبون حريصين على حق دعوى الحسبة كحق لله وكحق للأمة والمجتمع لأقاموا الدعوى ضد فساد الإدارة والاختلاس والرشوة والتهريب وتبديد أموال المسلمين في مشاريع وهمية لا ضد حرية الفكر وإدخال مناهج العلوم الحديثة في الفقه والفكر الإسلاميين".
مسلسل رسالة الإمام
بينما يعرض حاليًا مسلسل "رسالة الإمام"، الذي يقوم ببطولته الفنان خالد النبوي، ويخرجه الليث حجو، يبرز أهمية مسعى العمل الدرامي إلى النظر للإمام الشافعي من منظور حاجة العصر الراهن للتعاطي مع الدين بأفق واسع لا يتصنم أمام النصوص.
إن العمل الدرامي لا يهدف إلى الوقوف عند سيرة الإمام ثالث أئمة الفقه، وإنما يريد صُناعه أن ينزعوا هالة القداسة التي طالت الأشخاص وأفكارهم واجتهاداتهم، بالتركيز على الجانب الإنساني من حياة الإمام وسط الفترة السياسية والاجتماعية المتقلبة التي عاصرها.
وقد جاء الاهتمام بذلك المنحى التجديدي موفقًا حين ارتكز العمل الدرامي على فترة إقامة الإمام الشافعي في مصر، وتوضيح كيف اهتم بالاجتهاد في وضع الأحكام الفقهية، ففي كتابيه الرئيسيين؛ "الرسالة"، و"الأم"، اللذين وضعهما في مصر، نجد مرونة الإمام في التعديل من أحكامه الفقهية التي سبق ووضعها في بغداد، وهو ما يعد رسالة تكشف السبل التي يتعين على الفقيه في كل عصر أن يتبعها.
