رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«خمسون عامًا من الزحف».. كيف دخل الهكسوس مصر؟

أحمس يطارد الهكسوس
أحمس يطارد الهكسوس

في كتابه الصادر حديثًا تحت عنوان "الدين والحكم.. مواقف فاصلة" والصادر عن دار نهضة مصر للنشر والتوزيع، يسرد الدكتور شريف شعبان قصة الهكسوس في مصر القديمة، وكيف دخل الهكسوس مصر.

يقول شريف شعبان: "يعتقد الكثيرون أن الهكسوس قد دخلوا مصر نتيجة غزو مباشر وانتصار عسكري كبير، نتج عنه احتلالهم لأرض مصر قادمين من الشام، واستولوا عليها عنوةً، وأن ذلك قد حدث في فترة بلغت مصر فيها من الضعف والوهن حدًّا كبيراً، عندما كانت الحروب الأهلية تفتك بها وزادت الانقسامات الداخلية تبعتها أزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة. ولكن في الحقيقة سادت مصر حالة من التفكك الإداري والاقتصادي خلال نهايات الأسرة الرابعة عشر، نتج عنها تسيب قبضة الدولة على منافذها، وهو ما أدى إلى تسلل بعض من الهجرات القادمة من الشمال والشمال الشرقي على شكل موجات هجرات متتالية واستقروا على شكل جماعات شرقي الدلتا استغرق نحو خمسين عاماًمن الزحف، بدأوا خلالها في السيطرة عليها مثل تل الضبعة  وصفط الحنا وتل اليهودية  وقنتير ، حتى اتخذوا عاصمة جديدة في شرقي الدلتا على ضفة الفرع التانيسي للنيل، وكانت تسمى في اللغة المصرية القديمة حت وعرت والتي حورت في الاغريقية إلى أواريس. 

ويضيف: "اعتبر العلماء أن استخدام ملوك الهكسوس مؤسسي الأسرة الخامسة عشر المتزايد للجعارين، واتباعهم بعض أشكال الفنون المصرية، وانتشار ذلك على نطاق واسع، مؤشراً على أنهم  أصبحوا مصريين بشكل تدريجي. واستخدم الهكسوس الألقاب المصرية المرتبطة تقليدياً بالملكية المصرية، وتشبھوا بالملوك المصريين في ألقابھم وملابسھم وھیئات تماثیلھم وادعوا التقرب من الأرباب المصريين، أي أنهم حاولوا أن يتمصروا. 

وواصل: " كانت أغلب المعلومات حول تلك الجماعات التي تسللت عبر حدود مصر حتى وصلت إلى سدة الحكم طيلة تسعين عاماً مستقاة من كتابات المؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي عاش خلال القرن الأول الميلادي، حيث ادعى أن كلمة هكسوس تعني "الأسرى الرعاة" وهم بنو إسرائيل، حيث أراد أن يبرهن أن اليهود والهكسوس هم عنصر واحد، وأنهم خرجوا من مصر منذ حوالي ألف سنة وهو ما عرفناه من كتابه "ضد أبيون" الذي يحاول فيه الدفاع عن بني جنسه اليهود ضد الإغريق، فيذكر يوسيفوس أن كل الدلائل تشير إلى أن خروج موسى وبني إسرائيل من مصر بسبب طرد الهكسوس لهم من البلاد ولكن ليس هناك من البرديات أو البقايا الأثرية ما يؤيد مثل هذا الادعاء. وكان كتاب ضد أبيون قد تعرض للفقد ولم يتبق منه سوى فقرات قليلة، كما أن هذه الفقرات أو الاقتباسات التي بقيت لنا قد كُتِبت بعد طرد الهكسوس من مصر بنحو ١٣٠٠ سنة تقريبًا، مما يجعل نصوص يوسيفوس غير دقيقة يشوبها التعصب وقلة الالتزام التاريخي، وعلى ذلك فإننا لا نعتمد على هذا المصدر بشكل أساسي لما فيه من مغالطات وتحيزات واضحة. 

ويستطرد: "ولم يعبر المصريون القدماء بلفظ محدد عن جماعات رعوية بعينها، ولكنهم أطلقوا على تلك الجماعات المرتحلة عدة ألفاظ مثل عامو ومنتيو ورنتيو، بالإضافة إلى مصطلح "حقاو خاسوت" أي حكام البلاد الأجنبية والتي حرفت إلى كلمة الهكسوس على عكس ما ادعى يوسيفوس في تفسيره. ويرجح العلماء أن العبرانيون كانوا جزءً من تركيبة الهكسوس وليسوا هم الهكسوس، حيث أنهم كانوا على صلة وثيقة بجماعات مختلفة ورد ذكرها في الكتابات القديمة مثل كتابات بلاد النهرين ورسائل العمارنة  يسمون بالعابيرو (العبيرو) أو الخابيرو أو الإخلامو، وتبعا لهذا المفهوم أيضا فإن العبرانيين لا يمثلون عرقا أو جنسا من الأجناس بقدر ما يمثلون جماعات مختلطة من شعوب آسيوية سامية، على أن العبرانيين لم يقتصر نسبهم على بني إسرائيل كما هو شائع الآن خطأً، فبنو إسرائيل الأوائل وعلى رأسهم يعقوب نفسه يُعدون من العبرانيين، بل إن أباه إسحاق وجده إبراهيم عليهما السلام يعدان تبعا لهذا عبرانيين، ولم يمثل بنو إسرائيل إلا فرعا صغيرا من العبرانيين، ثم لم يلبث اليهود بعد ذلك وأن نسبوا أنفسهم للعبرانيين دون غيرهم. ومن هنا نعرف أن بني إسرائيل جاءوا خلال حكم الهكسوس كجماعات مختلفة وتعاونوا معهم لكنهم لم يكونوا هم الهكسوس. 

ويكمل: "أما عن عقيدة الهكسوس وفكرهم الديني، فقد وضح تأثر الهكسوس بالمصريين القدماء في تمحور عقيدتهم حول معبود أساسي كان المعبود ست باسمه المختلف سوتخ غريم المعبود أوزير المحبب لدى المصريين، حيث تكريس طقوسه في مقر إقامتهم عاصمتهم أواريس شرقي الدلتا، فنجد قطعة جعران تذكارية تنسب للملك الهكسوسي "نحسي" أهداه والده للمعبود "ست" كما يوجد تمثال ملكي يخص نفس الملك منقوش عليه "محبوب ست". ومع ذلك فأن عبادة المعبود ست كانت موجودة في شرق الدلتا منذ الدولة القديمة أي قبل عهد الهكسوس بزمن طويل، ولكن ست-سوتخ رب الهكسوس كان ذا صبغة أسيوية أكثر منها مصرية فكان بينه وبين المعبود "بعل" أو المعبود "رشب" أو "تشوب" وكلهم معبودات حرب، وجه شبه من حيث المنظر؛ ولدينا جعران من عهد الهكسوس نرى عليه صورة ست حيث الهيئة والثوب ولباس الرأس المحلى بقرني المعبود من الصفات الخاصة بالأسيويين، ونجد في المتون المتأخرة أن "أشتار-عشترت" أو عنات" كانت تعد زوجة المعبود المتحد "ست-بعل" وهذه المعبودة تظهر كذلك مصورة على جعارين هكسوسية.