رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى الدولار هيبقى تاريخ ‏

عنوان المقال هو ما ذكره السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال تفقده ‏‏"الارتكازات الأمنية" بشرق قناة السويس منذ أيام، وعندما يخرج ذلك التصريح ‏من رئيس دولة بحجم مصر فلابد أن نقف أمامه كثيرًا ونتناوله بالتحليل ‏والتشخيص، وهذا ما لم يحدث بشكل كافٍ من الإعلام المصري أو الكتاب ‏والمتخصصين، وفي مقالنا هذا سنجول سويًا ومعنا تصريح السيد الرئيس.‏

صدر الدولار الأمريكي بموجب قانون الصك لعام 1792م، وحينذاك قامت الإدارة ‏الأمريكية الوليدة للرئيس جورج واشنطن بتحديد الدولار كوحدة حسابية أساسية ‏للولايات المتحدة، وذلك تحت قيادة ألكسندر هاميلتون، وزير الخزانة آنذاك. ومن لا ‏يعرف جورج واشنطن فهو كما ذكر كتاب "اليهود لا مواثيق ولا عهود" لـ عبدالله ‏أبوعلم، أن جورج واشنطن، حينما وصل منصب رئيس الولايات المتحدة، كان ‏وقتها بمرتبة الأستاذ العظيم على سلم المناصب في الحركة الماسونية، وحينما ‏أدى يمين القسم كرئيس للولايات المتحدة، تمت مراسم القسم في المحفل ‏الماسوني، ومعه أيضًا وزير الخزانة ألكسندر هاميلتون فهو ماسوني ومن الآباء ‏المؤسسين لدولة أمريكا. وجميع الرموز الموجودة على الدولار الأول من هرم ‏وعين حورس والعبارات المكتوبة ترمز إلى الماسونية، وأهدافها في جعل الدولار ‏هو من يقود حكم العالم على المدي البعيد وعلاقة تلك الرموز بالحضارة والتاريخ ‏المصري كدولة تمثل المرتكز التاريخي وتتوسط جغرافية الأرض، ومنها سيكون ‏تحقيق أهدافهم طبقًا لأحلامهم.‏

قبل أن تخرج الولايات المتّحدة منتصرةً من الحرب العالمية الثانية بعامٍ واحد، ‏بدأت تعمل على إنشاء نظامٍ عالمي جديد وبالتالي إنشاء نظام عالمي اقتصادي ‏جديد، تكون الولايات المتّحدة والدولار الأمريكي رأس الهرم فيه. وقد حصل ذلك ‏عن طريق اتفاقية ‏Bretton Woods‏ سنة 1944م، حضرت هذه الاتفاقية 44 ‏دولة من حول العالم، واستمر انعقاد المؤتمر لأكثر من 22 يومًا، تمّ فيه توقيع ‏عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم التجارة العالمية الدولية ‏بالإضافة إلى تطبيق بعض الشروط والقيود عليها، أهمّ نتائج المؤتمر كان اعتماد ‏الدولار الأمريكي كمرجعٍ رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى؛ يمكنك أن ‏تقول إنّ هذه الاتفاقية هي الاتفاقية الرئيسية التي أدّت إلى تشكيل نظام الصرف ‏الأجنبي وتشكيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتطوير والتعمير، وهي ‏الاتفاقية الرئيسية التي رسّخت هيمنة الدولار الأمريكي على تعاملات العالم ‏الاقتصادية، حيث صارت هذه الدول الـ44 ترجع إلى الدولار الأمريكي لتحديد ‏قيمة عملاتها دوليًا، مما جعل الدولار بمركز الملك.‏

كانت الولايات المتّحدة تمتلك 75% من ذهب العالم لوحدها بعد نهاية الحرب ‏العالمية الثانية، وكان الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة على مستوى العالم ‏المُغطاة بالذهب (بقية الدول تخلّت عن تغطية عملاتها بالذهب بعد حصول ‏تضّخمات في اقتصاداتها)، مما دفع عددًا كبيرًا من دول العالم إلى العمل على ‏تكديس الدولارات الأمريكية بهدف استبدالها بالذهب مستقبلًا كاحتياطي، وصار ‏عدد كبير من هذه الدول يستخدم عملة الدولار كاحتياطي النقد الأجنبي.‏

وهكذا تحقق حلم الماسونية بالسيطرة على الاقتصاد العالمي. ولكن تطورًا مهمًا ‏حصل لاحقًا. 

حرب فيتنام وإلغاء تغطية الدولار الأمريكي بالذهب.. خاضت الولايات ‏المتّحدة حرب فيتنام من العام 1956م– 1975م، وكالمعتاد، احتاجت الولايات ‏المتّحدة إلى المزيد من الدولارات لتغطية تكاليف الحرب، ولكن الدولارات لم ‏تكف، لأن الذهب الموجود في الولايات المتحدة (بل والعالم) لم يعد كافيًا ليغطّي ‏الدولار الأمريكي، لم يعد بالإمكان طباعة المزيد من الدولارات لأنّ الذهب الموجود ‏لم يعد كافيًا لتغطيتها، وبالتالي قامت الولايات المتّحدة بتجاوز الحد الأعلى ‏المسموح من الدولارات المطبوعة، وقامت بطبع دولارات غير مغطاة بالذهب دون ‏أن تُعلِم أحدًا بذلك.‏

ولكن الأزمة الكبرى حصلت عندما طالب الرئيس الفرنسي تشارل ديجول عام ‏‏1971م بتحويل الدولارات الأمريكية الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي إلى ‏ذهب (طالب بتحويل 191 مليون دولار إلى ما يقابلها من الذهب، وكان سعر ‏الأونصة 35$)، عملًا باتفاقية ‏Bretton Woods‏ التي تسمح بذلك؛ أدّى هذا ‏الأمر إلى عجز الولايات المتّحدة لاحقًا عن تحويل أي دولارات أمريكية إلى الذهب، ‏مما دفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى إصدار بيان في عام 1973 يلغي ‏فيه التزام الولايات المتّحدة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب، عُرفت لاحقًا ‏باسم ‏Nixon Shock‏ أو صدمة نيكسون.‏

كانت صدمة حقيقية للدول على مستوى العالم، إنّها خدعة تمّ خداع العالم بأسره ‏بها، فبعد أن كانت تعمل على مرّ السنوات لتكديس الدولار الأمريكي كاحتياطي ‏للنقد الأجنبي لتستبدله بالذهب عندما تريد، أصبحت الآن غير قادرة على ذلك، ‏والأسواء من كلّ ذلك هي أنّها كانت لا تزال مجبرة على التعامل بالدولار، لأنّها لا ‏يمكنها التخلّي عنه بعد أن قامت بتكديس كلّ هذه الدولارات في الاحتياطي النقدي ‏الأجنبي وإلّا ضاعت أدراج الرياح. قد يتساءل أحدهم: ولماذا لا تقوم هذه الدول ‏بفكّ الارتباط من الدولار وإلغاء التعامل به؟ لأنّ الأسطول الأمريكي الذي يجوب ‏العالم ليس موجودًا لحراسة فراغ، فالقوة العسكرية هي من تحمي القوة ‏الاقتصادية. وهكذا، تحوّل الدولار إلى أضخم عملة نقدية احتياطية أجنبية.‏
‏ ‏
وفي تلك الفترة جاءت الخطة الماسونية لإنقاذ انهيار أهدافها وأحلامها المتمثل في ‏انهيار الدولار، في عام 1974، وبعد فترة قصيرة من أزمة النفط العالمية، ‏توصلت إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون مع الحكومة السعودية، لتسعير ‏كل صادرات السعودية النفطية بالدولار. شملت الصفقة في حينها شراء ‏السعودية سندات خزينة أمريكية.‏

وبسبب ثقل هذه الخطوة، سار كثير من الدول على إثر السعودية، وأصبح العالم ‏يسعر البترول بالدولار، وعليه احتفظ كثير من الدول باحتياطات أجنبية بالدولار ‏لشراء النفط وشراء سندات الخزينة والاستثمار في الغرب واستيراد كثير من ‏السلع، والخدمات الأجنبية، وعليه تم خلق نظام عالمي بثوب اقتصادي بيد أمريكا ‏‏"الماسونية" ليحكم ليس فقط إدارات الحكومات بل جميع شعوب الأرض، لأن ‏الطاقة هي ما تمد تلك الشعوب بالحياة والتواجد، ومن تلك الخطوة جاءت هيمنة ‏أمريكا علي دول العالم وقيام أساطيلها العسكرية بالتحرك في العالم لحماية تلك ‏العلاقة ما بين الدولار والبترول، وأن أي تغيير في هذه المعادلة سيعني أمورًا ‏أعمق تتعلق بالشق الجيوسياسي وتتعدى الجانب الاقتصادي.‏

والأحداث الجارية الآن في العالم من متغيرات جميعها تهدف إلي فصل الدولار عن ‏الطاقة، عندها بكل تأكيد سيتراجع الدولار وينزل من علي عرش ملك العملات ‏ومعه ستضيع كل أهداف الماسونية وأحلامها، فالبداية ستكون من عند السعودية، ‏حيث تستقبل الأسواق الآسيوية مجتمعة حسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة ‏الأمريكية لعام 2020، نحو 77% من صادرات النفط السعودية، وبناء على هذا ‏الواقع، تسعى الدول المصدرة للنفط، ومن ضمنها السعودية وروسيا وغيرهما، ‏لخلق علاقات استراتيجية مع الصين وبقية دول آسيا الكبرى، لضمان وصول ‏نفطها الخام لهذه الأسواق الحيوية، فقد أعلنت شركة أرامكو السعودية مؤخرًا عن ‏اتخاذ قرار استثماري في شراكة لبناء مصفاة ومجمع بتروكيماويات في الصين في ‏خطوة يتوقع أن تبني علاقة استراتيجية بين الطرفين في قطاع الطاقة، فتلك ‏الأسواق الآسيوية بقيادة الصين تستخدم ‏‎60‎‏% من تعاملاتها التجارية في الطاقة ‏بعملة الدولار، وحسب التسريبات فإن هناك اتفاقيات في الطريق بين السعودية ‏والصين باستخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية وذلك سينطبق علي ‏تجمع دول البريكس الذي يدرس سك عملة موحدة للتعاملات التجارية.‏

وهكذا سيكون سقوط الدولار ومعه سيسقط النظام العالمي القائم بقيادة أمريكا بكل ‏تشابكاته المالية والسياسية، وسيكون هناك واقع آخر يحكم دول العالم، هذا ما ‏قرأته مصر على لسان رئيسها عن مستقبل الدولار وأنه سيكون تاريخًا من ‏الماضي، وعندها ستسقط كل مخططات الماسونية ضد مصر، وعلي رأس تلك ‏المخططات سد النهضة وحالة الفوضى في ليبيا.‏