رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التدين وقضية الطفل

الطفل هو شنودة الذى أصبح يوسف ثم عاد شنودة، فهل قضية شنودة أو يوسف هذا وحيدة ومتفردة ولا يوجد مثيل لها؟ أم أن هناك آلاف الآلاف من الأطفال مجهولى النسب تعج بهم الشوارع والأرصفة وبيوت الرعاية «إذا كانت هناك رعاية بالفعل»؟. 

إذن فلماذا كانت هذه القضية دون سواها تأخذ هذه الأبعاد وعلى كل المستويات الإسلامية والمسيحية، المحلية والدولية؟ حدث هذا لأن هذه القضية سحبت إلى أرضية التدين، وما علاقة التدين بهذا؟ لأن التدين غير الدين، حيث إن التدين يتأثر بالفكر الدينى المطروح للمتدين من هنا وهناك. وهذا الفكر ليس هو الدين بقداسته ولا هو يتمسك ويحافظ على المقاصد العليا للدين التى تتعامل مع الإنسان أيًا كان دينه، ولكن هذا الفكر هو نتاج لموروث دينى واجتماعى وثقافى وطبقى وجهوى وقبلى، فقد تم خلط هذه التشكيلة ذات الفكر البشرى غير المقدس والتى لا تنفصل عن المصلحة الذاتية والجهوية والتنظيمية والسياسية.. إلخ.

والأهم أن هذا الفكر بمحدوديته أخذ المقدس بإطلاقيته، ولأن الدين يمثل حالة خاصة جدًا بالنسبة لأى متدين؛ لذا وجدنا الأديان، وعلى مر الزمان، يتم استغلالها على كل المستويات، عن طريق خلط المقدس بغير المقدس، لذا أصبح التدين نوعًا من الصراع الاجتماعى والثقافى بهدف الانتصار لجماعة التدين هذه حسبما تريد ووفق ما تهدف، حتى لو تعارض هذا مع المقاصد العليا للأديان. 

فحكاية شنودة قيل إنه وُجد بدورة المياه بإحدى الكنائس. فليكن هذا، أى أن القضية ومنذ البداية أصبحت الكنيسة طرفًا فيها، فبداية المشكلة أنه تم التصرف وسريعًا بغير القواعد القانونية، حيث تم استخراج شهادة للطفل باسم فاروق فوزى باعتباره والد الطفل! تم الإبلاغ بكشف تزوير الوقائع.

ومراعاة وتخطيًا للمناخ الطائفى، ولأنهم أعلنوا أن التواجد كان بالكنيسة، تخطت الأجهزة محاكمة فاروق بتهمة التزوير فى أوراق رسمية!! وتم إيداع الطفل فى دور رعاية تابعة لوزارة التضامن حسب الفكر الدينى، الذى يعتبر أن أى طفل غير معلوم النسب يصبح مسلمًا، هنا حوّل مناخ التدين هذا القضية إلى أن طفلًا مسيحيًا تم تحويله إلى مسلم. وأخذت القضية أبعادها على هذه الأرضية السخيفة التى تقيس الأديان بحجم المتدينين بها، لذا تصبح الخسارة هنا مكسبًا هناك، فوجدنا معركة طائفية معتادة وكالعادة بين مَن الكاسب ومَن الخاسر. ولكن ولوجود الجذور التاريخية والحضارية الإنسانية للشخصية المصرية الرائعة وجدنا ذاك القطاع الجميل من المصريين «بدون ذكر الديانة» ينحاز إلى طرح القضية على الأرضية الإنسانية التى يدعو لها كل الأديان، هنا انتصرت الإنسانية على القانون «الواجب النظر فيه». هنا وجدنا فكرًا دينيًا وسطيًا يتوافق مع مؤسسة الأزهر ذات الهوى المصرى، فكانت تلك الفتوى التى كانت مفتاح الحل الإنسانى «أن الطفل ينسب إلى من وجده»، سواء كان فى كنيسة أو غيرها. وهذا جميل، ولا بد أن نأخذ من هذه القضية دروسًا إنسانية بعيدًا عن الأبعاد الطائفية التى تتولد وتزدهر فى أجواء أفكار وتدين يبعد عن القيم الحقيقية للأديان، ولذا ما كان يجب أن نجد ردود الأفعال تلك التى تصر وتريد الإصرار على لصق الطائفية بقضية الطفل؛ وجدنا أسقفًا يريد أن يحصل على لقطة!! ورجل أعمال يريد الحصول على جماهيرية على أرضية طائفية، فكفى طائفية، صححوا فكركم الدينى بقبول الآخر واتركوا حماية الدين لصاحب الدين، اتركوا الحساب لصاحب الحساب، وعلى ذلك هل يمكن أن نسرع بتشريع لقوانين الأحوال المدنية للمسلمين وغير المسلمين؟ ويا ليتنا نحلم بقانون لكل المصريين بكل دياناتهم؛ لأن هذه هى المواطنة الحقيقية التى تُوجد التوحد الوطنى الذى نحتاج إليه أشد الاحتياج، فلا نعطى الفرصة للمتاجرين بالأديان والمسترزقين من الطائفية، حمى الله مصر وشعبها العظيم من شر المتاجرين والأرزقية.