رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متاريس مصر ورصاصات أجسادنا التي سكنت غيرنا

من الكتيبة 101

على مائدة إفطار هذا العام، كان هناك أكثر من 3 آلاف مقعد فارغ لشهيد من أبناء الجيش المصري ممن تركوا أسرهم وزوجاتهم وأولادهم وتلقوا بدلًا عنهم وعن المصريين جميعًا الرصاص والتفجيرات قبل أن تصل لهم فى منازلهم تؤرق مضاجعهم وتحبط أحلام  شبابهم وصغارهم وتقضى على مستقبلهم.

زُرت الكتيبة 101 فى شمال سيناء أكثر من مرة على مدار الأعوام الماضية وتعايشت بداخلها مع الضباط والجنود بسبب طبيعة عملي كـ"محرر عسكري" شاركتهم الصلاة والطعام، ورافقتها فى لحظات الحرب على الإرهاب والمداهمات، وكذلك فى معركة التنمية وإعادة الإعمار للبقعة التي كان ينظر لها الكثيرون على أنها خارج التغطية لسنوات.

كل يوم وقبل نوبة نومي داخل الكتيبة العسكرية أتذكر الشهيد الذى كان يسبقني فى النوم بذات المكان، شعور مختلف يُقشعر الأبدان أن يكون بدنك فى موضع شهيد سبقك إلى السماء بكل رضا واحتساب تاركًا الدنيا وما فيها دفاعًا عن الأرض الطاهرة، وأسأل نفسي متى أرى سيناء طاهرة من رجس التكفيريين بعدما دفع خيرة الرجال أرواحهم فداءً عنها وعن كل حبة رمال في أرضها، وفي الشهور الماضية كان لي موعد جديد مع الكتيبة ذاتها و جولة فى محافظات وقرى شمال سيناء بطولها وعرضها من بئر العبد للعريش ثم الشيخ زويد ورفح الجديدة "لؤلؤة الشرق" المنتظرة، وصولًا لأقصى نقطة على الحدود أمام معبر رفح لأرى أن دماء الشهداء لم تذهب هباءً.

كل تلك المشاهد مرت بذاكرتي كشريط سينمائي وأنا أشاهد مسلسل "الكتيبة 101" وهو ينقل قصص واقعية عن بطولات القوات المسلحة التى ربما لم يسمع عنها الكثيرون من قبل، حيث يأتي المسلسل استمرارًا للتعاون المُثمر بين إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في إبراز الأعمال الوطنية، التي تهدف لتخليد بطولات شهداء ومصابي القوات المسلحة، وزيادة الوعي بما قدموه إضافة لتعريف الشعب المصري ببطولاتهم المحلمية.

لماذا "الكتيبة 101"؟
لأنها كانت محورًا للأحداث على مدار الأعوام الماضية منذ 2013 إلى الآن، كانت شوكة فى حلق التكفيريين ولذلك استهدفوها أكثر من مرة  حتى في 29 يناير 2015 حينما تم استهدافها بسيارات مفخخة وانتحاريين واستشهد بها 29 شهيدًا وأكثر من 80 مصابًا، لدرجة أنه تمت تسمية الكتيبة 101 بالعريش باسم "الطريق إلى الجنة".

وقد ارتبطت "الكتيبة 101" فى الأذهان بالبطولة الملحمية الشهيد البطل الشحات فتحى شتا، الذى احتضن انتحاريًا تكفيريًا أقدم على تفجير الكتيبة وابتعد به بمسافة كافية عن مدخل الكتيبة ليفتدي زملاءه من عملية إرهابية خسيسة، عندما، ليلقى ربه شهيدًا ويترك اسمه للتاريخ ليتعلم منه الجميع.

ولم يكن الشهيد الشحات وحده فى طابور الشهداء بالكتيبة 101، فقد سبقه 300 شهيد من مقاتليها، منهم الشهيد العقيد أحمد عبدالنبي قائد الكتيبة، والشهيد المجند محمد أيمن شويقة، وفي دراما المسلسل يتقمص النجم آسر ياسين شخصية الشهيد الرائد خالد محمد دبور، الذي تخرج في الكلية الحربية 2006 بالدفعة 99 حربية، حاصل على فرقة الصاعقة والمظلات، واستشهد بمدينة الشيخ زويد في شمال سيناء، حيث كان يقود مجموعة كمائن بكرم القواديس، فيما يجسد الفنان عمرو يوسف شخصية الشهيد نور صلاح العزب.

إلى ذلك، يجسد الفنان محمود عبدالمغني دور الشهيد المقدم محمد هارون، أما الفنان محمد رجب فيتقمص دور الشهيد المقدم أحمد الدرديري، والشهيد الرائد محمد سمير إدريس يجسد دوره محمد طارق الوديع، والشهيد العميد سيد فوزي يجسد دوره محمد عبدالعظيم، والشهيد جندي عبدالرحمن متولي يجسد دوره عمرو وهبه، والنقيب أدهم الشوباشي يجسد دوره نور النبوي، والشهيد المقدم أحمد أبو النجا يجسد دوره الفنان أحمد التهامي، والرائد البطل عاصم محمد عاصم يجسد دوره الفنان كريم فهمي، والشهيد البطل مقدم أحمد عبدالنبي يجسد دوره عمرو فايد، و أبانوب صابر يجسد دوره عبدالحميد جبر.

هذه الأسماء حفرت اسمها في سجلات التاريخ المصري، وهذا المسلسل ليس سوى نقطة فى بحر من الأسماء التى لم ولن ينسهم المصريون الآمنون الآن فى منازلهم وأحلامهم، خاصة بعدما أصبح الإرهاب "مجرد تاريخ" كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي.

لم يكن الكثير من المصريين ممن يطلعون على الأحداث يصدقون بأن سيناء فى العهود السابقة كانت محطة لعصابات بالبشر، كانوا يعدونها مجرد خيالات، وهو حرص صناع المسلسل على توثيقه وأبرزها دراميًا عبر أخطر الأنفاق ودورها فى الاتجار بالبشر إلى جانب تهريب السلاح، وهو أمر كاشف للمخطط الكبير الذي لم يقتصر على تدمير سيناء وتحويلها إلى بؤرة تجمع إرهابي العالم وتمتد أنشطتها لأسواق لتجارة البشر والسلاح والمخدرات وكل مالا يخطر على بال المصريين.