رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى عهد الحملة الفرنسية هل كان يملك فلاحو مصر أراضيهم؟

عهد الحملة الفرنسية
عهد الحملة الفرنسية

أثار مسلسل "سره الباتع" الجدل حول ملكية الفلاحين المصريين للأراضي الزراعية في فترة الحملة الفرنسية، حيث ظهر بطل  المسلسل "حامد" وفي فترة طفولته في حالة شجار مع أحد أبناء القرية والذي انتهى بإصابة الأخير بالعمى، وهذا ما  جعل ثمن هذا الشجار أن يضحى والد حامد  بفدان أرض زراعية كل ما يملكه.

في السطور التالية نكشف ما أشارت إليه الوثائق المصرية في تلك الفترة وحول هل كانت ثمة ملكية للفلاحين المصريين على الأراضي الزراعية.

يشير دكتور محمد مدحت مصطفى، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة المنوفية إلى أن نابوليون بونابرت عبر دراسته المعنونه بـ"حيازة الأراضي في مصر الحديثة" رفض إجراء إصلاح زراعي شامل للأراضي المصرية، وذلك لاختلاف الرأي بين مستشاريه، فاكتفي بالاستيلاء على أراضي المماليك بقرار أصدره في 27 يونيو 1798، والاستيلاء على أراضي الفلاحين المتسحبين والذين لا يثبتون حقهم في الحيازة بتقديم الوثاثق، مع تثبيت الحق لمن يتمكن من الإثبات وذلك بقرار أصدره في 16 سبتمبر من نفس العام.

أما مشروع الجنرال مينو والذي أعده في 20 يناير 1801 م، فيعد بحق أول مشروع متكامل للإصلاح، إلا أنه لم ينفذ نظرا لانسحاب الفرنسسين من مصر. 

وتحت عنوان ملكية الأرض فى القرن الثامن عشر على ضوء مشاهدات علماء الحملة الفرنسية، جاء مقال الباحث صلاح العمروسي، والذي أشار فيه إلى أن "هناك من يرى أن مصر لم تعرف الملكية الخاصة طوال تاريخها، وأن الدولة كانت هى المالك الوحيد للأرض وتبنى هذا الرأى عدد واسع من العلماء والباحثين المصريين والأجانب من بينهم إبراهيم عامر، أحمد صادق سعد، وكذلك جبريل باير، وغيرهم وقد أصبح هذا الرأى هو الأكثر شيوعا فى مصر بعد نشر كتاب الأرض والفلاح لإبراهيم عامر.

على الطرف الآخر نجد هناك من يرى على النقيص من الرأى السابق أن الملكية الخاصة كانت هى السائدة فى مصر شأنها شأن أى بلد آخر، ورغم عدم انتشار هذا الرأى إلا أنه لم يعدم ممثلين كبارا يدافعون عنه مثل المستشرق الفرنسى الكبير سلفر دى ساس، وفى مصر د راشد البراوى، الذى توصل فى رسالته للدكتوراه عن "حالة مصر الاقتصادية فى عهد الفاطميين" إلى أن المصريين بعد الفتح العربى كانوا يمتلكون الأرض ملكية تامة مطلقة أو بتعبير القانون رقبة ومنفعة، وأنه لم يكن للحكومة على الملكيات الخاصة سوى حق السيادة العليا، كما كان الشأن فى التشريع الحديث.

أما عن أوضاع ملكية الأرض فى مصر فى القرن الثامن عشر على ضوء مشاهدات وآراء علماء الحملة الفرنسية.

تصنيف ملكية الأراضي في مصر في زمن الحملة الفرنسية:

ويلفت العمروسي إلى أنه من المعروف أنه كان هناك قسمين رئيسيين من الأرض فى ذلك العصر:

- القسم الأول: الأرض الخراجية وهذه تنقسم بدورها الى أراض الالتزام "الأواسى" من ناحية وأراضى الفلاحين (الأرض الأثرية) من ناحية أخرى.

- والقسم الثانى: أراضى الرزق والرزق الأحباسية.

- وهناك قسم ثالث: وهو قليل الأهمية وهو يخص أراضى "الإطلاق" وهى أساسا تتكون من المراعى الخاصة بباشا مصر والملتزمين فى أواخر العصر العثمانى.

والخلاف يدور أساسا حول الأرض الخراجية بقسميها، أما أراضي الرزق فليس هناك خلاف بشأنها باعتبار أنها كانت قبل وقفها ملكية خاصة معفاة من الضرائب (أو كانت الملكية الخاصة شرط لصحة ونفاذ الوقف)، وذلك باجماع المؤرخين والفقهاء على اختلاف مذاهبهم وكذلك علماء الحملة الفرنسية، وفيما يتعلق بالارض الخراجية، هناك اطراف ثلاثة يدور الخلاف بشأنهم ملكية اى منهم الارض : الدولة، الملتزمين، الفلاحين.

ويرى "لا نكريه"، أحد علماء الحملة الفرنسية، "أن معظم الفلاحين فى أي قرية هم ملاك أراضيها، أي ملاكها الحقيقيون، بمعنى أنهم يستطيعون أن يهبوها أو يبيعوها إلى فلاحين آخرين، والأراضي مهما كانت التغيرات التى تصيبها تبقى على الدوام مقيدة بضريبة، ويحمل الشخص الذي يؤدى إلية هذه الضريبة اسم: ملتزم أو سيد وهو فى الواقع سيد هذه الارض إذ هو يستطيع أن يزيد او ينقص من قدر الضريبة التي يحصلها من هذه الأراضي كما أنه يستطيع أن يعطيها أو بيعها لملتزم آخر ،كما أن هذه الأراضى تصبح من بعده ملكا لا بنائه ثم أنه فى النهاية يضمها الى ملكه الخاص إذا مات الفلاح المالك دون وريث، وهو الأمر الذى لا يحدث بخصوص أنواع الملكيات الأخرى التى يتملكها الفلاح ، حيث ان منزل الفلاح وأثاثه وقطعانه تؤول في حاله موته (بلا وريث، ملاحظه من الكاتب) إلى بيت المال وليس إلى الملتزم".

ثم يقول: "وعندما يموت الملتزم ينبغى على أولاده، حتى يحصلوا على أملاكه، أن يحوزوا موافقة الباشا، وكانوا يحصلون على هذه الموافقة بأن يدفعوا له ضريبة محددة، وكان الأتراك ينظرون إليها ـ أى إلى هذه الضريبة ـ باعتبارها شكلا من إعادة الشراء للأرض ، وبدون ذلك تعود الأرض لتصبح من حق بيت المال. وإذا مات مالك دون أن يخلف أبناء أو يكتب وصيه فإن ممتلكاته تؤدى إلى بيت المال ولكن اذا ما كتبت وصيه فان تنفيذها يقع على عاتق من كتبت لصالحهم أيًا كانوا، وبذلك يكون عليهم أن يدفعوا الضربية للباشا".