رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أستاذة بالأزهر توضح الصدقة وفضلها وما يبطلها في رمضان

فاطمة جابر السيد
فاطمة جابر السيد يوسف

قالت الدكتور فاطمة جابر السيد يوسف، عضو هيئة تدريس بقسم الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بني سويف جامعة الأزهر الشريف، إن الصدقة هي التعبد لله بإنفاق مال، أو عمل غير واجب فيما يحبه الله ، ولقد دعا الإسلام إلى البذل وحض عليه؛ رحمة بالضعفاء، ومواساة للفقراء، إلى جانب ما فيه من كسب الأجر ومضاعفته، وتطهير النفوس من آفة البخل والشح، والتخلق بأخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من البذل، والإحسان، والعطاء ونحو ذلك مما يجلب المحبة والمودة.

وأوضحت أن صدقة التطوع مستحبة، في كل وقت، وفي كل مكان، وفي كل حال ، وقد رغب الله تعالى في الصدقات كما في قوله تعالى: " وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ" البقرة:177 ، وكذلك قوله تعالى في قصة عباد الله الأبرار: " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ" (الإنسان 8-9) ، كل هذا في صدقة التطوع، وورد فيها فضل كبير ومضاعفة كبيرة ، قال الله تعالى: " مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ" [الْبَقَرَةِ: 261] ، وقال الله تعالى: "وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ" [الحديد:7] ، وقال الله تعالى: "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"  [البقرة:274].


واستشهدت بقول النبي :"عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا وَمَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا". متفق عليه. فلابد أن يتصدق بما فضل عن كفايته وكفاية من يمونه ، ولا يجوز أن ينقص كفاية عياله؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولَ" أخرجه مسلم في صحيحه .


عن فضل الصدقة في رمضان، قالت إنه لم يثبت شرعاً تخصيص رمضان بصدقة معينة غير صدقة الفطر، وهي واجبة، وإنما ثبت الترغيب في الإنفاق والصدقة في هذا الشهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، لا يَنْقُصُ مِنْ أجْرِهِ شيْءٌ". رواه الترمذي.

فإن الإنفاق في هذا الشهر غير محدد بوقت أو قدر معين، بل كلما أكثر المسلم من الإنفاق عظم أجره وثوابه، وكذلك إذا اشتدت حاجة المتصدق عليه، رجي الثواب العظيم للمتصدق ، فشهر رمضان شهر الجود والإنفاق، شهر النفوس السخية والأكف الندية، فليكن للمسلم فيه السهم الراجح ، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم  -، وبالسلف الصالح من بعده، كما ثبت في الصحيحين أنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ  أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" ؛ ولأنه شهر شريف قد اشتغل الناس فيه بصومهم عن طلب مكاسبهم، يستحب للرجل أن يوسع فيه على عياله ويحسن إلى ذوي أرحامه وجيرانه، لا سيما في العشر الأواخر منه، ويستحب لمن أمكنه إفطار صائم أن يفطره، لما روت أُمِّ عُمَارَةَ الأنصارية رضي الله عنها ، قَالَتْ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَامًا، فَكَانَ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ صَائِمًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصَّائِمُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ الطَّعَامُ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ" .


قال الشافعي رضي الله عنه: "وأحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم "فعَن أَنَس رضي الله عنه ؛ أَن رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الصِّيَامِ؟ قَالَ: أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ شَعْبَانَ تَعْظِيمًا لِرَمَضَانَ وَأَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ". رواه الترمذي وقال حسن غريب ؛ ولأن الحسنات مضاعفة فيه، ولرجاء أن يصادف ليلة القدر ، روى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره.


ويدل على هذا عدة أمور منها: أن الحسنات تضاعف في هذا الشهر الكريم ، أنه يستعان بالصدقة في هذا الشهر بالذات على أعمال البر والخيرات. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، لا يَنْقُصُ مِنْ أجْرِهِ شيْءٌ". رواه الترمذي ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أجود ما يكون في رمضان. وكونه - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في إخراج الصدقة في رمضان ما لا يجتهده في سائر الشهور دليل على فضل هذا الشهر.


وعن مقدار صدقة التطوع، قالت إنه تسن صدقة التطوع بما زاد عن حاجة الإنسان وحاجة من يمونه ممن تجب عليه نفقته.

قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" البقرة:219. وإذا تصدق المسلم بما يُنقص مؤنة من يعول فهو آثم؛ لأنه نَفَع الأجنبي، وحَرَم وأضاع من تلزمه مؤنته ، فعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: كَفَى بِالمَرْءِ إِثْماً أنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ . أخرجه مسلم .

ـــ وإذا علم المسلم من نفسه قوة الصبر والتوكل فلا حرج عليه أن يتصدق بكل ما يملك إذا لم يتضرر هو أو من يعول، ومن تصدق بما يملك وخرج يتكفف الناس فقد ظلم نفسه.
- أولى الناس بالصدقة:
أولى الناس بالصدقة أهل المتصدق، وأولاده، وأقاربه، وجيرانه، وذو الحاجة الماسة.
ولا يجوز للمسلم أن يتصدق على البعيد وهو محتاج إلى ما يتصدق به لنفقته ونفقة عياله.


عَنْ جَابِر بنِ عَبدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لِرَجُلٍ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا». يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك. أخرجه مسلم .

وأما فضل الصدقة على الأقارب فعَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: أَعْتَقْتُ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ " حديث متفق عليه .

حكم إظهار الصدقة: إخفاء صدقة التطوع أفضل من إظهارها، ولا يشرع الجهر بالصدقة إلا لمصلحة من الاقتداء به، أو رفع التهمة عنه ونحوهما ، قال الله تعالى: "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" [البقرة:274] ، وقال الله تعالى: " إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " [البقرة:271].


وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" سبعة يظلمهم اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ حُسْنٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمُ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ». أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ.


أما عن ما يبطل الصدقة أوضحت أنه  المن والأذى والرياء قال الله تعالى  " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين" .[البقرة:264] ، وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ خَابُوا وَخَسِرُوا؟ قَالَ: الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ كَاذِبًا " أخرجه مسلم .