رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التدين والتعليم

الإيمان هو تلك العلاقة الخاصة والذاتية بين الله وبين المؤمن، ولا يعلم كنه وعمق وصحة تلك العلاقة غير الله، سبحانه وتعالى، والمؤمن ذاته.. أما التدين فهو تلك الطقوس والأعمال والأفعال الظاهرة والتى يمارسها المؤمن فى الإطار الظاهر والمعلوم والذى يمكن الحكم عليه إذا كان هذا التدين شكليا أو موضوعيا سطحيا أم عميقا. ولذا يكون من الطبيعى أن يصبح هذا التدين أو ذاك الفكر الدينى فى إطار الموروث والوافد والمتأثر بظروف اجتماعية أو اقتصادية أو طائفية. ولذا نجد على مر التاريخ وفى كل الأماكن وفى مختلف الأزمان تلك العلاقة بين مختلفى الأديان وبين أبناء الدين الواحد التى تتراوح بين القبول وبين الرفض.

فمثلا طوال التاريخ المصرى كانت العلاقة تتأرجح بين المصريين المسلمين والمسيحيين نتيجة للفكر الدينى السائد الذى يتأثر ويتشكل من خلال رؤى واجتهادات وتفسيرات متتعدة للنص الواحد، سواء كان هنا أو هناك، «المؤسسات الدينية». فنجد علاقة سوية مصرية فى لحظة ونعيش علاقة أخرى نقيض ذلك فى عصر آخر. وعلى ذلك وجدنا منذ سبعينيات القرن الماضى ومع وصول الهجمة الوهابية والسلفية من خارج مصر ومن خلال مخططات سياسية تسعى لغير صالح مصر والمصريين (وقد كشف الستار عن ذلك مخابراتيا وسياسيا). وجدنا فى هذه المرحلة أن المناخ الطائفى أنتج سلوكا طائفيا فكان ذلك الفرز الطائفى الذى وبكل وضوح ما زلنا نعانى منه فى الوقت الذى يحاول فيه من صدر لنا هذا الفكر أن يتخلص منه، بل يعلن أن هذا كان مخططا واتفاقا سياسيا بين من صدر هذا الفكر وتلك الممارسات وبين قوى استعمارية. 

وكان من الطبيعى أيضا أن يستغل ذلك المناخ وتلك الظروف التنظيمات والجماعات التى تعلن عن انتمائها لما يسمى بالإسلام السياسى. وكان هذا الاستغلال ولا يزال فى مجال التعليم. والتعليم وإياك من التعليم حيث إنه لا تقدم ولا رقى ولا مسايرة لما يحدث فى العالم
بغير تعليم متقدم يستفيد من مجمل الأبحاث العلمية والتربوية والسلوكية فى العالم. كما أن التعليم هو البوتقة الحقيقية التى تنصهر فيها وتتكون الشخصية الوطنية المصرية والمنتمية إلى هذا الوطن العزيز والغالى. فقبل هذه المرحلة السبعينية كان التعليم هو الأداة الأولى للتوحد الوطنى المصرى بين أبناء الوطن بكل أديانهم وانتماءاتهم. ولذا كانت ولا تزال العلاقات المدرسية الباقية من تلك المرحلة هى العلاقات القائمة طوال الوقت والتى ترطب الأجواء وتزيل الحساسيات عند اللزوم. أما الآن، وبكل صراحة، هل التعليم الآن بكل أنواعه ومسمياته له علاقة بذلك التوحد المصرى أم العكس؟ هنا نجد أن العكس هو القائم والموجود الآن، وذلك بسبب ونتيجة لذلك التدين الشكلى الذى يتخذ من الممارسات الشكلية بهدف الإعلان عن أن الشخص متدين أكثر من غيره من المتدينين فى الدين الواحد. ناهيك عن حالة التمايز الشكلية بين أصحاب الأديان المتعددة!!. هنا نجد أن مظاهر هذا التدين تسيطر على المشهد المدرسى، منذ طابور الصباح مرورا بالشعارات الدينية التى تغرق الحوائط المدرسية ناهيك عن سلوكيات بعض المعلمين الطائفية والعلنية التى تهدد سلامة الوطن. هنا فليعلم الجميع، من يعرفنا ومن لا يعرفنا، أننا مع التدين الحقيقى والصحيح الذى يؤمن ويمارس ويجسد المقاصد العليا للأديان جميعا، والتى تحترم الإنسان وتقبل الآخر فى إطار إيمان كل واحد بصحيح دينه إيمانا مطلقا. ومثلا لذلك قد لبيت دعوة إحدى مديرات المدارس الناشطات فى مدرستها خاصة فى كثير من الأنشطة المدرسية فنية وغير فنية، فى احتفال جميل لتكريم المتفوقين، فى الحفل وطوال الوقت من البداية للنهاية شعرت أننا فى مسجد، وهو مجال خاص، فمسئول التعليم قام بإلقاء خطبة مسجدية متخصصة فى الفقه لا علاقة لها لا بالمناسبة ولا بالسياق، وتكرر هذا فى أغلب الكلمات. هنا لا اعتراض على الفكر والإيمان مطلقا فكل واحد مسئول وحر كل الحرية فيما يؤمن، بل نحترم هذا كل الاحترام. ولكن هنا نريد أن نفرق بين المجال الخاص (مسجد- كنيسة) وبين المجال العام الذى يضم كل المصريين باختلاف مشاربهم. حيث إن المجال العام فيه ما يجمع ولا يفرق، فيه الثقافة المصرية الجامعة التى تحتوى بين طياتها التاريخ والقيم الدينية إسلامية ومسيحية لأن هذه هى طبيعة مصر وهويتها الجامعة لكل المصريين. غير ذلك فى الإطار التعليمى وغير التعليمى تحدث الفرقة والانقسام وتسود الطائفية التى لا ولن تكون فى صالح الوطن. ففى هذا المناخ يشعر التلميذ المسلم بوحدانية التواجد الإسلامى ولا وجود للآخر. كما يتولد هناك إحساس بالاغتراب لدى التلميذ المسيحى فيحدث الشرخ فى العلاقات وتتم الهجرة إلى الكنيسة كبديل خاص. هنا دون أن ندرى نؤسس لقسمة الوطن الذى هو فى أمسّ الاحتياج لتضافر كل الجهود لكى نستطيع سويا أن نواجه تلك التحديات الخطيرة التى تواجهنا جميعا دون تفرق أو تمييز. 

حمى الله مصر وشعبها العظيم فى وحدته الجامعة وفى إيمانه بأديانه بالله الواحد الأحد الذى نعبده جميعا.