رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الجامعة والمجتمع الجديد».. روشتة لويس عوض لإصلاح التعليم

الدكتور لويس عوض
الدكتور لويس عوض

التعليم من أجل الوظيفة وليس العلم يحول الإنسان إلى ترس فى آلة

الاهتمام بالكليات العلمية على حساب الكليات الإنسانية جعل الأخيرة مليئة بالمتخلفين

فى حديثنا عن الهوية المصرية ورجوعنا إليها، علينا التطرق لكل تفصيلة تجعلنا نفهم هويتنا أكثر، وعلينا تحليل جميع مناحى الحياة للوصول إلى كيفية الحفاظ على الهوية المصرية، وأن نعلى من شأنها.

وما أهم من التعليم فى الحياة، وبالتأكيد التعليم بنظامه الحديث هو وليد فترة ليست ببعيدة عنا على الإطلاق، لكن يجب علينا النظر إلى النشأة لكى نخطط لمستقبلنا التعليمى.

وكتاب «الجامعة والمجتمع الجديد» لمؤلفه المفكر الكبير الدكتور لويس عوض، الصادر فى بداية ستينيات القرن الماضى، وأعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة طباعته فى المعرض الفائت، مع بقية كتب سلسلة الهوية، يعد من أهم الكتب التى تتحدث عن التعليم، خاصة التعليم الجامعى أو العالى بشكل عام.

يتناول الدكتور لويس عوض فى الكتاب هوية التعليم المصرى، ويركز بشكل أكبر على التعليم العالى الذى يضم الجامعات والمعاهد العليا، ويخصص أكثر تحليله للجامعات.

ويتطرق «عوض» لبداية الفكرة الجامعية بإنشاء الجامعة الأهلية عام ١٩٠٨، وكيف كان الاحتلال الإنجليزى يواجه تلك الفكرة، بل إنه زرع فى التعليم المصرى قبل الجامعى فى وقته، جذورًا حولت التعليم لعملية من التلقين، وحولت المتعلمين إلى آلات، موظفين فقط يؤدون الأعمال بدون أى ابتكار أو تفكير، وذلك عبر تدريس درجة بسيطة من العلم لتخريج كتاب حكوميين يؤدون وظيفة معينة تخلو من أى إبداع.

بعد إنشاء الجامعة رسميًا فى عام ١٩٢٥، ظلت مدرسة المعلمين العليا هى تركة دانلوب التى ورثتها مصر عن أفكاره ونظامه فى هدم التعليم، وأنه قد بدأت المعركة بين الجامعة ومدرسة المعلمين العليا واستمرت لسنوات، ومن تبعات هذه المعركة أن ألغيت مجانية وإجبارية التعليم.

وهذا يأخذنا إلى الفصل الثانى من الكتاب وهو شد الحبل بين الجامعات والمدارس العليا، وكان من أكثر ما قامت به المدارس العليا سوءًا، هو تحديد مخصصات التعليم الجامعى للتوسع فى التعليم العام.

وشرح الكتاب بالإحصاءات ميزانية الاثنين، وكيف زاد العام على الجامعى، وتفاصيل لعبة شد الحبل بين الاثنين، التى تتجلى بشكل واضح قبل ثورة يوليو، حيث كانت الحكومات الوطنية الدستورية تهتم بالجامعات، والحكومات الديكتاتورية تهتم بالمعاهد العليا أكثر من الجامعات، بل بالتعليم الفنى أكثر من الثانوى لتخدم بذلك مصالح الاحتلال.. هذا الصراع بين هذا وذاك جعل العملية التعليمية تخسر أكثر بكثير لو كانا تكاملا.

فى فصل آخر، يتناول الكاتب الطبقية التى كان التعليم يعانى منها فى عصر ما قبل الثورة، فكان التعليم مقصورًا فقط على طبقة الأغنياء، أو بمعنى أدق تحصل هذه الطبقة على التعليم الأعلى والأرقى، بينما الطبقة الكادحة تحصل فقط على التعليم الفنى الأقل، ويحظر عليها تعليم أفضل من ذلك لكى لا تفتح عقولها على حقيقة معيشتها السيئة، وعدم ثورتها على أوضاعها السيئة.

لكن القرارات التى أخذت قبل الثورة مثل «مرسوم ١٩٥١» الذى يقضى بمجانية التعليم الابتدائى والثانوى، ثم القرار الجمهورى فى عام ١٩٦١ بمجانية التعليم الجامعى، هو أكبر انتصار على الطبقية.

يشدد الكاتب بعدها على أنه يجب علينا محاربة أى دعوة تقوم على تحديد التعليم، وتحديد التعليم جاء من تحديد الوظائف، فأصبح التعليم فقط من أجل الوظيفة، وليس من أجل العلم أو المعرفة.

ويشدد على أن كل من يعمل بهذا النظام، يظن أن الإنسان مجرد ترس فى آلة، وهذا يدمر معنى التعليم، بل معنى الإنسانية كلها، مشيرًا إلى أنه من المنطقى أن تكون الفئة الأكبر من الناس فى طبقة الفنيين، لكن يجب أن يكونوا مؤهلين، وأن هنالك الكثير يدرس العلوم الإنسانية النظرية بدون أدنى حب، فيضحى متخلفًا فيها، وكل ذلك بسبب «التنسيق».

هذا يقود الكاتب إلى التحدث عن مشكلة الثقافتين «الإنسانية النظرية»، و«العلمية العملية»، وهو يتحدث عن الفجوة الموجودة بين الاثنين فى الكم والكيف، وأن كم الطلاب فى الكليات الإنسانية هو أكثر، ولكن الاهتمام الحقيقى موجه بكثرة للكليات العلمية على مستوى الإنفاق والبعثات وحتى هيئة التدريس، وهذا ما أحدث فجوة، وجعل الكليات الإنسانية مليئة بالمتخلفين، كما ذكرنا سابقًا فقط، بسبب «التنسيق»، الذى يقترح الكاتب إلغاءه تمامًا، ويدعم كل هذا بإحصاءات لعصره من نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، بل يستخدم أيضًا الكثير من الإحصاءات من إنجلترا وأمريكا للمقارنة معنا.

يحاول الكاتب فى الفصول التالية أن يحلل مشكلات الكليات الإنسانية، وأن يقترح حلولًا تخرجها من عنق الزجاجة، وبعدها خلق توازن بين الثقافتين فى الجامعات، بجعل أعداد الكليات النظرية أقل من العملية، مع توفير كل شىء لها بالمثل.

يتطرق بعدها لمشكلة تواجه التعليم الجامعى ويحللها بالتفصيل، وهى القوى العاملة بالتعليم الجامعى وعلاقتها بعدد الطلاب، ثم يقارن بين جامعات الدرجات الأولى والثانية والثالثة، وجامعاتنا الموجودة وقتها، ويطرح النسب الجيدة لعدد الأساتذة مقارنة بعدد الطلاب، ويحلل السلك الجامعى، ويعطى رأيه فى الدكتوراه جواز المرور المزيف لقمة هرم التدريس الجامعى، ويناقش ظاهرة زيادة عدد المعيدين على كل الوظائف الأخرى.

كما يعرج لنظام الانتساب الذى وصفه بأنه نظام ديمقراطى تم تحريفه، ويتطرق للبحث العلمى أهميته والمشاكل التى تواجهه.

فى الفصول الأخيرة يقدم الكاتب العديد من الحلول الممثلة فى لوائح جديدة، واختراع كادر وظيفى جديد لتخفيف الأحمال عن كاهل المنظومة التدريسية بالجامعات.

ومن أهم ما أكد عليه هو إنشاء جامعات جديدة فى كل المحافظات، وللمفارقة فقد حدث هذا فى عصرنا الحالى، وأهم مطالبه إلغاء «التنسيق».

رغم أن الكتاب يتكلم عن زمان غير زماننا، لكن معرفة جذور مشاكلنا تجعلنا نستطيع أن نرى ما حل منها وما لم يحل لنحله.