رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«بيت روز».. اختلافات فلسفية فى ثوب دردشة نسائية

حوار بين أربع صديقات يكشف الاختلافات فى نظرة المرأة المصرية لنفسها

فضاء مسرحى يبدو فيه بوضوح إخفاء الصنعة وإلغاء كل ما يمكن أن يبرز ملامح المسرحة من خلال ديكور يجسّد بمفردات واقعية «كوفى شوب» على الطراز الحديث، فى الوسط طاولة وأربعة مقاعد، هى فضاء الحكاية وحولها مقاعد الجمهور وهم أيضًا زبائن المكان كمشاركين فى الحدث، مما سيوحى للمشاهد أنه أمام شىء حقيقى كالواقع وليس أمام شىء خيالى، وهو ما أُطلق عليه فى علم جمال التلقى التأثير الواقعى، حيث يدخل الجمهور إلى العرض المسرحى «بيت روز» أو فضاء الحكاية بعد أن تحولت قاعة صلاح عبدالصبور فى مسرح الطليعة إلى «كوفى شوب» ثمة مقاعد تحيط بمساحة اللعب وبعض الطاولات، بالإضافة إلى طاولة الفتيات اللائى سوف يجلسن حولها لمدة ثمانين دقيقة يثرثرن حول حياتهن التى من المفترض أن تمس مشاكل النساء بشكل عام فى هذه الأيام.

يحتل الجمهور المقاعد التى تحيط بحيز اللعب وكأنه جزء من الحبكة التى تقوم فى بنيتها العميقة على البوح كعنصر أساسى فى الحكاية، فليست هناك حدود فاصلة بين حيز اللعب وحيز المشاهد الذى يبدو وكأنه يتلصص أو يتصنت على هذا البوح النسائى، مع شاشتين وضعهما المخرج إلى اليمين واليسار بحيث يشاهد الجميع مشاهد من فيلم «الباب المفتوح» للكاتبة لطيفة الزيات والمخرج هنرى بركات، وبالطبع لا يمكن إهمال هذا الشريط السينمائى ودلالته وسوف يسأل المشاهد نفسه لماذا؟ ما العلاقة بين الفتيات عام ٢٠٢٣ وبين بطلات فيلم الباب المفتوح الذى تدور أحداثه فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى؟ وبعد أن يبدأ الحكى أو قُل ثرثرة النساء وبوحهن سيضع المشاهد جوابًا للسؤال إذا كان من الجيل الذى يعرف هذا الفيلم الذى تم إنتاجه عام ١٩٦٣، أما إذا كان من الجيل الذى لا يعرفه فسوف يتعامل معه على أنه مجرد شاشة تبث مشاهد لن يلتفت إليها وينصت جيدًا لثرثرة النساء فى هذه الأيام. ما حدث على مدى ثمانين دقيقة محاولة إعادة تمثيل جزء من الواقع من خلال بوح أربع فتيات وتصوير الحقيقة النفسية والاجتماعية لهن من خلال البوح حول المراهقة وبعض الذكريات الخاصة والمشتركة بينهن، ليبرز ويفسر أفعال ودوافع هذه الشخصيات التى تلتف حول الطاولة فى ضوء انتماءاتها الاجتماعية وأوضاعها النفسية، ويلقى العرض الضوء على جزء يسير من حياتهن الاجتماعية حتى وإن لم يكن كافيًا، إلا أنه يشير إلى ملامح الشخصيات وأيضًا إلى الوضع النفسى من خلال السلوك والأفعال التى تتخلل الحوار وردود الأفعال التى وصلت إلى حد الصراخ والصدام والاشتباك بالأيدى.

لقطة من العرض المسرحي “بيت روز”

أربع فتيات فى مكان مغلق ذى طابع حميمى تجمعهن الصداقة منذ سنوات يحفظن العديد من الذكريات والمواقف والأحداث، متزوجة ومطلقة وعانس وأخرى فى انتظار العريس، هذا الفعل الذى سيفجّر الأحداث ويكشف مكنون الشخصيات، لقد اجتمعن فى تلك الليلة قبل أن تذهب «منار» للقاء العريس فهل تذهب أم لا؟ هل تسمح له أن يعاينها كأى قطعة أثاث أو إكسسوار، أى هل تقبل الزواج بهذه الطريقة أم لا؟ وحول الطاولة/ فضاء البوح التى ستظل ثابتة، تدور المناقشة واستعادة الذكريات ليتعرّف الجمهور على هذه الشخصيات «سحر» المتزوجة والتى نعرف من خلالها ليس فقط تفاصيل حياتها الزوجية بل مغامرتها فى سنوات المراهقة، تنحاز للزواج والأسرة حتى لو أهانها الزوج ورغم عصبيتها إلا أنها تبدو مسكينة وبالطبع هى أفقرهن، فى مقابل «سارة» التى تعمل فى السوشيال ميديا والتى تبدو مدافعة عن حقوق المرأة وقضاياها فى ظاهرها امرأة قوية، تزوجت وانفصلت ثلاث مرات، أما «نوران» فهى خارج الحسابات كما يقدمها العرض لم ترتبط، والرابعة التى فجرت كل هذه الأحداث «منار» تبدو حيادية أو بلا خبرات، جاءت لتسألهن، هل تذهب وتعرض نفسها أم لا؟ المتزوجة توافق، والمدافعة عن حقوق المرأة ترفض والثالثة مترددة بين الرفض والقبول، وهذا السؤال يعرض مشاكل المرأة سواء مع الزوج والأولاد أو مع الآخرين، وتتوالى الذكريات والاشتباكات بين الجالسات حول الطاولة، فيما تدخل الفتاة التى تعمل فى المقهى الحديث لتقديم الطلبات، ومن خلال هذا الفعل تبدو شخصياتهن حين يتعاملن معها! يتركن السؤال ويعدن إلى سنوات المراهقة، ذكريات التحرش وأمراض النساء بعد التقدم إلى ما قبل منتصف العمر.. ويطرحن السؤال ماذا لو كنّ رجالًا؟، ماذا سيفعلن؟ وتفاصيل عديدة يمكن حذفها وإضافة غيرها وفى النهاية يقررن ألا تذهب منار إلى اللقاء فهن كما يقدمهن المؤلف/ المخرج محمود جمال فى بطاقة العرض «جميلات قويات وفى أعينهن بهجة وذكاء ومكر وطيبة». 

لقطة من العرض المسرحي “بيت روز”

العرض يقدم ناتج مراقبة التصرف الإنسانى فى الحياة اليومية، فى الواقع المعاش، مركزًا على البعد النفسى لدى هذه الشخصيات محاولًا تبرير أفعالها، مثل أفعال المطلقة ثلاث مرات، أو المتزوجة التى تعيش حياة قاسية تتغلب عليها بالحيلة والديون من صديقاتها والسخرية من الواقع، أو من تنتظر الزواج ولا تستطيع اتخاذ القرار، أو العانس التى فقدت الأمل.. والعرض أقرب إلى المسرح التقليدى سواء على مستوى البنية التى اعتمدت على مواقف وحكايات واقعية أو فى لغة الحوار التى قاربت لغة الحياة اليومية من خلال مواقف حياتية بحتة لإقناع المشاهد- الذى جعله المخرج شريكًا- بأن ما يجرى هنا فى حيز اللعب مرجعه الحياة، وهو أقرب إلى تجليات الواقعية الجديدة التى لا تقوم فقط على اختيار موضوعات من الحياة اليومية واستخدام لغة الحوار اليومى بل تقترب من المسرح الحميمى الذى تدور أحداثه فى مكان مغلق بين عدد قليل من الشخصيات من خلال مواقف بسيطة وحدث له طابع نفسى. وبعد أن ينتهى البوح يعود المشاهد إلى السؤال الأول، لماذا فيلم «الباب المفتوح» الذى ينطلق من خلفية سياسية فى لحظة محورية من عمر الوطن؟!، فإذا كانت البنية السطحية تطرح نماذج الفتيات «ليلى» التى تتمتع بوعى حاد تجاه قضايا المرأة وقضايا الوطن، فى مقابل ابنة خالتها «جميلة» التى تتزوج كجارية، فإن البنية العميقة لفيلم «الباب المفتوح» قوامها الوعى بقضايا الوطن الذى يعانى من الاحتلال ثم ينهض بقيام ثورة يوليو بالإضافة إلى العدوان الثلاثى حيث يبدأ بالمظاهرات والاحتجاجات التى عمت البلاد ضد المستعمر البريطانى، وكيف ركزت كاميرا هنرى بركات على المظاهرة فى مدرسة البنات ومطالبتهن بفتح الأبواب للمشاركة فى الدفاع عن الوطن.. ما الفرق بين ما يجرى على الشاشتين حول المشاهد والأحداث التى تدور فى حيز اللعب؟، الأحداث على الشاشة «الباب المفتوح» انعكاس للواقع وليست نسيجًا مصطنعًا حول الواقع، وهو ما يوحى للمشاهد أنه أمام شىء حقيقى كالواقع لم يتجاهل حركة التاريخ والتأثير المتبادل بين الإنسان والمجتمع.. والعكس فى عرض «بيت روز» الذى يقدم مجرد شخصيات جامدة تتجاهل ما يدور فى الخارج، مجموعة فى مقهى يمارسن فعل البوح والثرثرة فى جلسة حميمية حول مشاكلهن الشخصية بعيدًا عن علاقة الإنسان بالعالم!