رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ما النقد الأدبى؟».. نظرة وافية فى نشأة وتطور النظريات النقدية

الدكتور عبدالرحيم
الدكتور عبدالرحيم الكردى

- الكتاب تتبع بداية الظاهرة النقدية منذ الإغريق مرورًا بعصر النهضة وحتى ظهور مدرسة «ما بعد البنيوية»

- رصد بدايات النظرية العربية فى صدر الإسلام وتطور «النظم» فى العصر العباسى عند الجرجانى

- تناول النقد العربى الحديث وظهور «الإحياء» وأسباب التراجع المنهجى فى العقود الأخيرة

 

مع حدوث الثورة الصناعية وانتشار العولمة، وفى ظل اكتساح شبكات التواصل الاجتماعى حياة الأفراد، وانتشار أحاديث تملؤها الخرافات بين الأشخاص، أصبحنا فى حاجة إلى منهج محدد نمشى عليه لتجنب الأفكار الخاطئة التى ربما تقودنا إلى الهلاك، فيجب أن نتبع «التفكير النقدى» فى حياتنا، فهذه الطريقة من التفكير تعتمد على فهم جوهر الأشياء وقوانينها بشكل كامل دون انحياز، لإعطاء رأى عادل فى نسبة كمالها أو جودتها، سواء كانت هذه الأشياء تتمثل فى أفكار أو نظريات أو أعمال أدبية. 

ومن اللازم أن يتحلى الناقد بالحياد، لأن النقاد هم الإزميل الحقيقى فى صخرة التملق، فإذا صحَّ الناقد صحَّت الدراما والأدب والشعر. ومع تطور العلم والثقافات ووصول الحضارة الإنسانية إلى مرحلة أكثر رقيًا، تعددت أنواع النقد، لكن اشتقاق تلك الأنواع جاء من مصطلح «التفكير النقدى» وهو الأعم والأشمل. فالتدرب على ممارسة التفكير النقدى ضرورة للتطور الإنسانى والحضارى والعلمى والثقافى.

فى كتاب «ما النقد الأدبى»، للناقد الدكتور عبدالرحيم الكردى، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، يقدم الكاتب نظرة وافية فى ماهية النقد الأدبى فى عصور مختلفة عبر أربعة فصول، يأخذنا فى أول فصل فى رحلة ممتدة الجذور، حيث النقد الأدبى عند الإغريق والرومان. كان أرسطوفانيس هو أول شاعر ينتقد شاعرًا آخر فى القرن الرابع قبل الميلاد، ثم تطور النقد عند أفلاطون باتباعه المثالية الإلهية واعتقاده بأن الشعر هبة وإلهام من الله جاء من عالم آخر، حيث توجد الأشياء الحقيقية، وأن الكون محاكاة لهذا العالم الآخر المثالى. وبعدها جاء أرسطو فأثر فى النقد لعصور مقبلة، واستمر هذا التأثير إلى يومنا هذا من خلال كتبه عن الكوميديا والتراجيديا والملاحم وتفسيرها، ووضع مبادئ منطقية فى النقد وأكثر وجودية وتطبيقًا من أفلاطون، فقد اعتمد أرسطو على الصنعة فى الشعر بوضع قوانين محددة يلتزم بها الكاتب بكتابة شعر يخلو من الخطأ. وجاء بعده «هوارس» لخص كل ما قرأه عن فن الشعر.

فى الفصل الثانى من الكتاب ينتقل الكاتب للحديث عن النقد العربى القديم، فيبدأ بفترة الجاهلية التى ما زالت مجهولة بالنسبة لنا ولم يصل إلينا منها فى أمور النقد سوى بعض المرويات عن النابغة الذبيانى. وبعدها عصر صدر الإسلام، حيث حدث تغيير كبير فى الشعر. جاء الإسلام فكان ثورة على كثير من العادات والتقاليد والعقائد الجاهلية، فحرّم الشعر المتكلف الذى ينتهك الأعراض. ومع سير الزمن واتساع رقعة الدولة الإسلامية فى عصر بنى أمية وظهور طبقة أرستقراطية تجمع فى يدها سلطة وأموالًا، ظهر نوع جديد من الشعر فيه لمسة سياسية دينية وهذا أدى لاختلاف النقد، وتأثر النقاد بمغريات كالمال والسلطة وغيرهما. لكن الأحداث لم تستمر على هذا النحو، فقد تطور الشعر فى العصر العباسى وتحديدًا القرن الثالث والرابع الهجرى وظهر النقد الأدبى بمفهومه الفنى وتحولت المعارف إلى علوم وأدى ذلك لظهور حركة نقدية مزدهرة، حيث ظهر شعراء ونقاد أمثال بشر بن المعتمر، وثمامة بن أشرس، والجاحظ. وقد أثار هؤلاء العلماء وأمثالهم فى ذلك الوقت عدة قضايا نقدية ووضعوا نظريات نقدية وتركوا كتبًا تراثية مهمة فى اللغة والبلاغة والنقد، وقد تطرق الكاتب للحديث عنهم بشكل كافٍ وبلغة بسيطة فى هذا الكتاب.

مع نهاية القرن الثالث الهجرى وازدهار الحياة فى العصر العباسى وانتشار حركة الترجمة انفتح باب النقد العربى على مصراعيه أمام الكتابات الإغريقية، خاصة كتابى أرسطو «الخطابة» ثم «فن الشعر»، ومن أشهر النقاد الذين ذكرهم الكاتب فى هذه المرحلة ابن قتيبة، وابن المعتز، وابن طباطبا العلوى، وقدامة بن جعفر، وابن وهب الكاتب والجرجانى. فيدخل الكاتب فى مرحلة الموازنات النقدية ونظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجانى، ثم ينتقل إلى العصرين المملوكى والعباسى حيث مرحلة الجمع والتبسيط، وقد خمد فى هذين العصرين الفكر النقدى أو كاد يختفى.

وفى الفصل الرابع ينتقل الكاتب للحديث عن النقد الأوروبى الحديث. وعندما نذكر مصطلح «العصر الحديث» فى أوروبا فنحن نتحدث هنا عن فترة يُؤرخ لها بثلاثة أحداث تاريخية مهمة، سقوط مدينة القسطنطينية سنة ١٤٥٣م، واكتشاف الطباعة، والوصول إلى أمريكا وتتبعهم الثورة الفرنسية وثورة الإصلاح الدينى التى قادها مارتن لوثر والثورة الصناعية فى أوروبا. ففى هذا العصر- الذى عُرف بعصر النهضة- نشأ علم «النقد الأدبى» بشكل جديد وتطورت أسسه ومفاهيمه تبعًا لتطور المجتمعات الأوروبية وتطورت المفاهيم لتتماشى مع ما وصل إليه العصر من تقدم وازدهار فى شتى مناحى الحياة. وترتب على ذلك ظهور النقد الكلاسيكى والنقد الرومانتيكى والنقد الواقعى، حتى وصلنا إلى النقد ما بعد البنيوى.

وفى الفصل الرابع والأخير يترك الكاتب مساحة للحديث عن النقد العربى الحديث، فيبدأ من الحملة الفرنسية حتى المنتصف الثانى من القرن العشرين، ويتعرض لكتاب ونقاد كثيرين قاموا بإحياء الشعر العربى مثل محمود سامى البارودى والمرصفى، حيث «مدرسة الإحياء والبعث»، ثم العقاد، وينتقل إلى جيل ثورة ١٩١٩م، ثم إلى النقد الرومانسى عند أحمد شوقى والنقد العلمى المنهجى عند طه حسين، وصولًا لنقاد عصر الانفتاح، وهو عصر ما بعد ثورة يوليو ١٩٥٢م، حيث أصبح النقد فى حالة صعبة ومجحفة.