رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاتبات عربيات|كتابة السيرة الذاتية مخاطرة في مجتمعاتنا العربية (4)

كاتب
كاتب

يعد البوح أحد أبرز أعمدة كتابة السيرة الذاتية البوح اللامنتهى الذي يتجاوز فكرة الحدود والرقابة والموضوعية هذا نجده في كتابات قليلة ونادرة منها كتابات نوال السعداوي فتحية العسال، شريف حتاته، محمد شكري، لويس عوض.

ويشير إلى أن السيرة بطلها الرئيس هو البوح وغالبا ما تأتي عبر وجهة نظر واحدة وعلى حد تعبير الكاتب والأكاديمي شكري المبخوت أن السيرة الذاتية العربية" ضعف فيها جانب البوح والتعرّي وتظلّ مشدودة إلى منظومة القيم السائدة أخلاقيّاً ونظرة المجتمع إلى سياسة الجسد.

لذا لا يمكن أن يأتي الحديث عن السيرة الذاتية دون الرجوع إلى أبرز الأسئلة المرتبط بها والمنفتح على مدى مساحة الحرية التي يمكن للكاتب أن يقطعها عبر تقديم سيرته وهو سؤال رئيس طوال الوقت نعرضه ونحاول الإجابة عنه في التقرير التالي: "إذ قدر لهم كتابة سيرتهم الذاتية ماذا يحجبون منها.. ولماذا؟

سهير السمان: نواجه واقعًا معقدًا 

قول الكاتبة الصحفية والروائية اليمنية سهير السمان "كتابة السيرة الذاتية مخاطرة في مجتمعاتنا العربية، فأغلب ما يكتبه الأدباء العرب من رواية لا تخلو إنتاجاتهم من تجاربهم الشخصية، ولكنها تصاغ فنيا في العمل . 

وطغت كتابة السيرة الذاتية على أعمال روائية وقصصية وأصبحت السيرة بوقائعها وأحداثها ورموزها مادة صريحة للكتابة لدى البعض.

ولفتت السمان إلى أن "نواجه واقعا معقدا فمن الصعب على المرأة الكاتبة بالذات أن تبوح بتجاربها في الحياة بكل صدق وعفوية، حتى وإن فكرت أن تكتب بعض ما مرت به، فإنها تلونه وتموه تفاصيله، والكتابة عندنا أشبه بالسير في أرض مليئة بالألغام . فالرقيب الذاتي داخلنا يسيطر على كل ما نقوله ونعبر عنه .

وتابعت السمان "إلا أنه يبقى مخزون الكاتب السري وذكرياته وما مرّ به في حياته زادا يأخذ منه في كتابة نصوصه، وليس فقط ما يخصه من تلك الذكريات والتجارب، بل ما يخص الآخرين الذين تعامل معهم خلال محطات الحياة.

وأشارت "هذا على مستوى الكتابة الروائية والتي تعد أفضل طريقة للبوح، لأنها مزج بين المتخيل والواقع، أما بالنسبة للسيرة الذاتية، بالنسبة لي فأنا لم أفكر أبدا في كتابتها، لأنها تحتاج إلى صدق، وهذا صعب جدا في مجتمعنا، فلن يقبل أحد أن تتحدث عنه من خلال الحقيقة والواقع، أو أن تكشف أسرار الآخرين وتذكر أسماءهم.

أضافت السمان "فنحن ككتاب يُحكم علينا من خلال ما نكتب ونعبر عنه، وقد ينظر لما نكتبه على أنه خاص بنا، حتى وإن كان نسجا من الخيال، وهذا ما تعرضت له قبل فترة حين نشرت إحدى قصصي القصيرة، فالحدث الذي أتكأت عليه في القصة كان واقعا، ولكن الشخصيات كانت خيالية تماما، ورغم ذلك فقد اتهمت أني تلك البطلة التي كانت في القصة.

وختمت السمان "في رأيي من الممكن أن نتناول كتابة السيرة الذاتية بعد أن نكون قد تشبعنا من تجارب الحياة، ونكتبها كقيمة إنسانية، يستفيد منها القارئ، وليس من الضروري أن تكون السيرة الذاتية سيرة فضائحية، كما يراها البعض، وفي العموم  أنا أفضل دائما كتابة الشكل الروائي الذي لا يخلو بلا شك من وقائع مرّ بها الكاتب، وتجربة تستحق أن تكتب.

ريم قمري: ساحجب الأسماء الحقيقية  في سيرتي 

قالت الشاعرة والقاصة التونسية ريم القمري "لو قدر لي يوما أن أكتب سيرتي الذاتية وهو مشروع أراه لا يزال بعيدا جدا؛ لأنه يحتاج إلى مراكمة طويلة للتجربة الحياتية أساسا، و الأدبية أيضا، ثم هي كتابة دقيقة و مجهرية و تحتاج الكثير من الشجاعة، لأنها ستسلط الضوء على مراحل حياتية سنكون قد تشاركنا فيها مع أشخاص آخرين، و خلافا عن الرواية هذه الشخصيات هي واقعية و حقيقية، انها من لحم و دم و ليس فقط من ورق، و هناك تكمن الصعوبة في رأيي، اي اننا لو امتلكنا الشجاعة و الحرية المطلقة في الحديث عن ذواتنا دون حرج و بشفافية كاملة، أي أننا سنتعري و نكشف كوامن أرواحنا، و نعرض عواملنا في سلسلة من الصور الواضحة، دون أن نخفي حتى بعض التفاصيل الدقيقة و التي قد تكون مؤلمة و محرجة في احيان كثيرة.

وتابعت القمري "لكن الإشكال الذي قد يعترضني شخصيا و ربما قد يحد من حريتي و يفرض علي قيودا معنوية في الكتابة، هو أن أعرض حياة الآخرين بوضوح و دون مواربة و دون إخفاء، لأن سيرتي ستتقاطع حتما مع سير أشخاص آخرين كان لهم دور في حياتي، و هذا سيشكل عبئ كبير و قد يعطل او يعرقل عملية الكتابة، بإعتبار أن السيرة الذاتية هي كتابة تعري مطلق، إذا ما قد احجبه في كتابة سيرتي الذاتية هو الأسماء الحقيقية او بمعنى الآخر الهوية الواضحة والصريحة لمن مروا في حياتي وتقاطعت طرقهم مع طريقي، ربما قد أجعل حضورهم هلامي وغير واضح، وقد لا أغوص في تفاصيلهم كثيرا، وسأحاول أن اخلق توازن سردي حتى لا يشوه هذا الكتاب ككل.

وختمت القمري "في النهاية أعتقد أني لن اكتب يوما ما سيرتي الذاتية، أفضل أن أنجز أعمال أدبية قصصية روائية و شعرية.

نجاة أدهان: ليس هناك ما أخشى من علانيته 

من جهتها، قالت الشاعرة التونسية نجاة أدهان "كتابة السّيرة الذّاتيّة قرار شجاع لا يُتّخذ إلّا بعد تفكير. الشّجاعة في هذا الباب، بالنّسبة إليّ، لا ترتبط بالمعايير الأخلاقيّة ولا باستبطان القارئ العربيّ وجملة تصوّراته أو الصّورة التي ستُشكّل عنّي لاحقا بل ترتبط بالفكرة في حدّ ذاتها أي أن أكون ساردة ومسرودة وفي الآن نفسه صادقة قدر ما تسعفني به الذّاكرة.

وتتابع أدهان "أعود إلى السّؤالين "ماذا سأحذف؟" و"لماذا؟"ربّما الإجابة المنتظرة من امرأة عربيّة هي أنّها ستحذف كلّ ما قد تطاله المعايير الأخلاقيّة أو ما قد يُظهرها في وضعيّة الضّعيف أو الغبيّ الذي هزمته مكائد الآخرين، فالكاتبة في النّهاية مسكونة بثقافة مجتمعها وكثير من تصوّراته ولا تريد أن تهتزّ صورتها.

وتشيرأدهان إلى ان "أمّا بالنّسبة إليّ، فلا أظنّني سأحذف شيئا. قد تفاجئك إجابتي لكنّني أؤمن بأنّ كلّ ما عشته هو أنا، في لحظات قوّتي وضعفي وحتّى سذاجتي أو خوفي، ليس غرورا ولا طمأنينة للمتلقّي ففي النّهاية أنا أعرف جيّدا كيف يفكّر المجتمع. كلّ ما في الأمر هو أنّني يوم أقرّر كتابة سيرتي، سأكون قد بلغت من السّكينة والتّصالح مع نفسي أيّما مبلغ وسأكون أيضا قد اقتنعت بأنّ في ما عشته ما يحقّ له أن يُكتب. ثمّ في النّهاية لا أحد عاش حياة بلا وجع ولا خطإ ولا حتّى أوهام رسمها لنفسه. أن تحذف شيئا مّا عشته هو أن تسرق بعض عمرك، والعمر لم يكن هامشا ولا بلا أثر فينا.

وتختم أدهان "أمّا لماذا لن أحذف شيئا فربّما لأنّني، كما أكرّر دائما، لا أخجل من أفكاري ولا مواقفي ولا مشاعري، جميعها أنا في اللّحظة التي تجلّت فيها. لن أحذف شيئا لأنّني لن أكتب سيرتي لأوهِم بما لم يكن فمن يكتب سيرته لا يبحث عن تجميل نفسه ولا فضح غيره أيضا. من يكتب سيرته يُثبّت نفسه في الزّمن ويتغلّب على ذاكرته المثقوبة وعلى مشاعر الخيبة أو الحنين ثمّ يُهدي القارئ خلاصة العمر. أنا أؤمن بأنّ أثمن ما نُهديه هو خلاصة تجربة عشناها ولا شيء يضاهي السّيرة في هذا الباب إذا كنت صادقة، لا تخالطها شوائب التّقييم اللّاحق.

هدى الهرمي: ساحجب عالمي المنحاز إلى المتاهة 

قالت الكاتبة التونسية هدى الهرمي "رغم ان السيرة الذاتية تعتمد على سرد مراحل الحياة بكل جوانبها المختلفة، خصوصا تلك التي تركت أثرها في جعبة الأيام وحاصرت ذواتنا الشفيفة لكنني كنت سأحجب عالمي المنحاز الى المتاهة في خضم الروتين، وتلك الوقائع التي اعجز عن تجميلها، لأنها منزوعة المعنى. في ما بعد ربما ادرك انني لا أريد أن أجهر بها لأنها مطمورة في ذاتي المتعالية عن رواسب الحياة وإملاءاتها المُثقلة باللاوعي.

وأشارت الهرمي إلى ان "ثمّة رصيف فارغ نحدقّ فيه ولا نتوقّف عنده، نعاينه ونمضي، وثمّة ما لا نستطيع نسيانه، كلحظات فارقة مُبقّعة بهواجسنا المبكّرة وأحلامنا الصغيرة. وفي الغالب يؤرقني أن أتذكّر منفايَ حيث الحركة البطيئة للزمن وحين تُفرض عليّ قيود ما، لذلك يتوجّب عليّ ان أحجب عناء روحي المتمرّدة والباحثة عن معنى للوجود منذ طفولتي واكتشافي للعالم من خلال القراءة. 

لقد كنت أرنو لإمتلاك ذاتي، والحياة التي ترنو الى منفذ نحو الحلم الذي يتجنّح بأنفاسي. كانت رؤيتي للوجود برمّته مختلفة وأنا أستجيب لمخيّلتي الطافحة بالمغامرة واكتشاف المجهول لتدغدغني رغبات جمّة في المضي قُدما نحو الغد، لكن لطالما كان الماضي مُغلّفًا بالقلق ومُسيّجّا بالخوف الى حدّ الاختناق والخيبة.

كنت وما زلت متوهجة بالخيال، واتعجّب من القوقعة داخل حاضر ضيّق، لذلك لا أريد أن اختزن تلك الصور الباهتة، فكل تلك المُسلّمات والقيود حصيلة للإذعان دون كسر للحواجز، وأنا لا أحبّذ ان ترسخ ببالي وتنمو في ذاكرتي كاعشاب طفيليّة تعيق مجرى حريّتي، لأنها تتحوّل الى بقعة مركونة في الظلام وأنا أكره العتمة ولا ارابط حيث يكون الخواء.