رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أم البطل.. لما راح الصبر منها

- كان اسمها فوقية.. واقترح عليها الكاتب والشاعر صالح جودت تغيير اسمها إلى شريفة فاضل

- تزوجت فى بداية حياتها من الممثل والكاتب والمخرج السيد بدير

- أنجبت من زوجها السيد بدير نجلها الشهيد سيد السيد بدير

- تعد أغنية «أم البطل» من أهم أغانيها والتى قدمتها للشهيد المصرى

- اعتزلت الغناء فى التسعينيات بسبب تجاهل المسئولين عن حفلات الإذاعة والتليفزيون لها

منذ شهور كنت ضيفًا على أحد البرامج.. ووجدتنى أتذكر أغنياتها.. وأطلب ربما للمرة العاشرة أن نكرمها.. لم أكن أعرف أن ظروفها الصحية تمنع.. وأنها منذ شهور ترفض أن يلتقيها غرباء.. كانت ترد على الهاتف وتعتذر بهدوء اختارت سكته منذ سنوات لا أذكر عددها عندما توقفت عن الغناء.. لكنها لم تتوقف عن ممارسة الصبر الذى صارت أغنيته وصار رفيقها. 

صباح أمس عرفت أن الصبر غادرها.. وأن أم البطل ونيسة الليالى لمعظم أبناء جيلى غيرت عنوانها لآخر مرة.. رحلت شريفة فاضل سيدة التفاصيل الصغيرة فى حياة معظم أبناء الريف والحارات الشعبية طيلة ما يزيد على نصف قرن. 

ما اسمهاش شريفة.. اسمها فوقية محمود أحمد ندا.. وأحمد هذا هو أول مصرى جود القرآن رسميًا.. نعم جدها هو نفسه الشيخ أحمد ندا الذى تعود جذوره إلى ريف المحلة الكبرى وإن انتقلت أسرته إلى حى البغالة فى القاهرة القديمة.. لم تعش فوقية فى أحضان جدها الشيخ طويلًا.. فقد انفصل الأبوان.. وتزوجت الأم من أحد الأعيان الكبار.. ينتهى اسمه إلى الفلكى صاحب الميدان الشهير فى وسط البلد.. وعاشت سنوات الطفولة ومطلع الصبا فى عوامة على النيل، كان من زوار لياليها الملك فاروق ورجال عصره الكبار وبينهم خرج صوت المطربة لأول مرة.. وبدأت قصة طويلة يعرفها كل من يهتم بالغناء الشعبى فى بلادنا. 

الطفلة ذات الأصول الريفية ابنة الأعيان رفيقة أيام الأكابر وجدت نفسها فى أحضان ثورة.. تدفع بالفلاحين والعمال ومن هم على الهامش إلى مقدمة المشهد.. كان هناك صوت ليلى مراد البلورى.. جزيرة الفضة التى منحنا الله إياها.. لكن الثورة ورجالها كانوا يحتاجون إلى حليم.. ورشدى.. وشريفة فاضل، التى يمكنها أن تغنى للفلاح اللى كان فايت من جنب السور.. سيدة يمكنها أن تغنى لحلاوة الإيد الشغالة ونصدقها.. وقد كان.. وصارت شريفة فاضل نجمة البكوات والفلاحين على السواء.. فهى صوت مصرى احتضن كل تفاصيل أيامنا فى حنجرة.. لحن لها الموجى وبليغ وسيد مكاوى وغنت بكل اللهجات العربية وصار وجودها فى عواصم العرب طقسًا لا يتوقف لسنوات.. وحمل الراديو صوتها إلى كل منادر الريف وبخاصة فى الأفراح ومواسم الحصاد.

ومن بوابة الراديو نفسه دخلت إلى منزل الزوجية، حيث تعرفت فى طرقات الشريفين إلى كبير الرحيمية قبلى السيد بدير، الذى كان فى عز مجده ممثلًا ومؤلفًا ومخرجًا.. منحها خبرته.. واسمه.. وطفلًا.. صار فيما بعد بطلًا من أبطال حرب أكتوبر.. وشهيدًا.. فى حرب العزة والكرامة.. وصارت هى أم البطل. 

غنت شريفة فاضل للنجار.. والصانع والبنا.. لشباب حارة السقايين.. للمصرى الأسمر أبودم خفيف.. وتسببت أغنيتها للأسمر فى أزمة، حيث ظن البعض أنها للرئيس السادات، الذى كان يعتبرها من مطرباته المفضلات.. ونجحت شريفة فى أن تصبح السلطانة.. سلطانة الطرب.. عرفت طريقها إلى السينما التى منحتها صورة جديدة.. وأموالًا دفعتها إلى امتلاك كازينو الليل الشهير، وقد أسمته على واحدة من أنجح أغنياتها.. الليل موال العشاق وونيس شريفة لسنوات أجهدتها.. حتى احترقت قبل أن يحترق الكازينو الذى كانت تملكه.. احترقت وقت أن انحرف بندول الغناء الشعبى عن سكته ووظيفته ولم تجد نفسها فانسحبت من الساحة بشياكة تشبه أغنياتها.. وها هى الآن وبعد سنوات من الصمت والصبر تغادرنا.. بلا وداع.. عجلى تسابق المعزين إلى حضن من غادرها منذ سنوات وأدمى رحيله قلبها.. ومزقت، فيما كانت تغنى له ابنى حبيبى نور عينى، شريانها حتى انفجر فى الاستديو لحظة التسجيل.. غادرتنا إلى هناك، حيث يستقبلها أحباب الله الذين لا خوف عليهم.. حيث لا تحتاج إلى الصبر مجددًا.