رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أجانب أحبوا مصر «3»

تيوفيل جوتيه

شاعر وروائى فرنسى وكاتب مسرحى رومانسى. وصحفى وناقد أدبى. كان صديقًا لـلرحالة والشاعر الفرنسى «جيرار دى نرفال» والشاعر الفرنسى المعروف «بودلير»، له مقولة مشهورة: على الشاعر أن يرى الأشياء الإنسانية، وأن يفكر فيها من خلال نظرته الخاصة دون أى مصلحة اجتماعية أو مذهبية. كما أنه واحد من الأدباء والفنانين الذين انطبعت مصر فى أعمالهم القصصية والروائية والشعرية.
فى عام 1845، سافر جوتيه كمستشرق متبعًا خطى الرسامين الذين أثاروا إعجابه. ولم يكمل كتابه «رحلة طريفة إلى الجزائر: الجزائر العاصمة، وهران، قسنطينة، منطقة القبائل» (1845) الذى لم يُنشر حتى عام 1973. 
لم يكن شمال إفريقيا ذاك المشرق الذى كان «جوتيه» يحلم باكتشافه الذى رأى صديقه «جيرار دو نرفال» يرحل لاستطلاعه سنة 1843. لقد أوصاه بأن يبعث له ببعض من الشراب المحلى ليغذى به مخيلته. وهو الأمر الذى طلبه سابقًا من صديقه «أوجين دو نوللى» سنة 1836. وكان «جوتيه» الذى يكسب رزقه من مهنته كصحفى وكاتب مقالات منذ وقت طويل، يتصور المشرق من خلال روايات رفقائه الأغنياء. وأعطى وصفًا مثيرًا للإعجاب عن القسطنطينية فى ديسمبر عام 1846 فى مقدمة مجموعة رسوم صديقه كاميل روجيه «تركيا، أخلاق وأعراف المشرقيين فى القرن التاسع عشر». واكتشف «جوتيه» أخيرًا مدينة أحلامه سنة 1852عندما كان مبعوثًا لجريدة «الصحافة» التى يديرها «إيميل دو جيراردان» وهو من قام بتمويل سفره وسفر رفيقته المطربة «إرنستا غريزى» التى كانت تعمل فى عدد من المسارح: وصدرت روايته «القسطنطينية» سنة 1853 وهى نتاج شهرين من التجوال. ووُصفت عاصمة الإمبراطورية العثمانية فى هذا الكتاب بكل أشكالها وبكل زواياها بقلم إبداعى يحمل نظرة رسام لكى تظهر الرواية كوصف حيوى وطريف للقسطنطينية بالمعنى الأول ويقارنها «جوتيه» ساخرًا بقبح الحضارة الغربية التى يجدها «نوعًا ما هزلية، بالرغم من التقدم والتطور الذى شهده عصر فلاسفة التنوير». 
وانتظر «جوتيه» سنة 1869 والاحتفاليات التى أُقيمت بمناسبة فتح قناة السويس لاكتشاف مصر بدعوة من الخديو فى الحشد المرافق للإمبراطورة أوجينى. وكلف «جوتيه» بسرد سفره هذا، وأعطى تفاصيله فى مراسلاته للصحيفة الرسمية سنة 1870. وجمعت هذه الأحداث فى ديوان تحت عنوان «الشرق»،  نُشِر بعد وفاته سنة 1877، والذى يحتوى على عدد كبير من المقالات والتمهيدات. ولكن سخرية القدر، والتى جاءت فى صيغة فعل لا إرادى، حولت سفر جوتيه إلى رحلة ثابتة، حيث أنه كسرت ذراعه أثناء اجتيازه البحر، وذلك ما جعله يراقب القاهرة من شرفة فندقه مع لويز كوليه، وهى أديبة وزوجة الكاتب والمفكر جوستاف فلوبير. والتى كانت مدعوة أيضًا للاحتفالات نقلت هذه الحادثة فى كتاب «البلدان المشرقة: رحلة إلى الشرق» سنة 1879.
وشاء القدر أن ينقل إلى أرض الفراعنة الشرق على أريكة، وخلال زيارته لصعيد مصر كتب رواية المومياء وبعد أن أخبر صديقه الشاعر جيرار دى نرفال قائلًا: أنا تركى، لست من القسطنطينية ولكن من مصر. يبدو لى أننى عشت بالشرق؛ ولما كنت أتنكر ببعض القفطان وبعض الطربوش أثناء المهرجان، بدا لى أننى أستعيد ملابسى الحقيقية. كنت دائمًا أستغرب من عدم سماعى اللغة العربية بطلاقة، لا بد أننى نسيتها. وكان كل ما يذكرنى بالموريين فى إسبانيا يثير اهتمامى بشدة وكأننى كنت ابن الإسلام وأدافع عنهم.
وله لوحة أثناء استخراجه مومياوات قبطية من مدافن الأقباط، فى ملوى جنوب المنيا فى مطلع القرن العشرين نُشرت الصورة فى جريدة بيتيت. 
فى عام 1885 مول رجل الصناعة الفرنسى المثقف «إيميل جيميه» بعثات تنقيب عن الآثار فى صعيد مصر، نفذها جوتيه، وقد استمرت هذه البعثات حتى عام 1911.
نقّب جوتيه فى أطلال مقابر الأقباط القديمة بجوار ملوى فى المنيا، واستخرج منها آلاف القطع من الملابس وأدوات الحياة اليومية، حيث كان الأقباط يدفنون موتاهم فى ملابس جديدة، ويقومون بلف طبقات من الستائر والشيلان والمفارش ويثبتونها بالأربطة حول المتوفى بحيث يشبه شكل الجثة فى النهاية مومياوات العصور الفرعونية، لكن دون تحنيط حقيقى، كذلك كانوا يضعون بعض مقتنيات المتوفى البسيطة معه مثل الأمشاط، الأكواب، الأوانى والحلى. وقد ساعد جفاف الصعيد على حفظ هذه الملابس المدفونة مع أصحابها لقرون، وخرجت من الأرض الكثير من القطع جيدة الحفظ.
قام «جوتيه» بعرض نتاج حفرياته التى قام بها فى موسم شتاء 1898- 1899 فى معرض باريس الدولى عام 1900. من خلال جناح عرض فيه مائة قطعة من المنسوجات القبطية فى قصر دو للأزياء.
وقد أحدث نشرها دويًا بين أوساط الفنانين والمثقفين الفرنسيين، فقد انبهروا بجمال الملابس القبطية، «التونيك القبطى» ودقة نسيجها ورقة زخارفها وموديلاتها. حتى تمت إعادة إنتاج بعضها على يد مصممى ذلك العصر وصارت موضة رائجة بين سيدات الطبقة الراقية فى أوروبا وأمريكا، خاصة أنها بدأت من باريس صانعة الموضة.
كما قامت النجمة الفرنسية «سارة برنارد» بتفصيل فستان وشال على الطراز القبطى ظهرت بهما فى مسرحية «ثيدورا» عام 1902. وفى عام 1911 رسمت الفنانة البريطانية هلين كليمانتين دوف لوحة تصور فيها نفسها وهى مرتدية ثوبًا قبطيًا، ويرجح أن ثوبها من أعمال المصمم الإيطالى الكبير «ماريانو فورتونى» (1871-1949) الذى كان مهتمًا باستلهام الموضة من أزياء العصور القديمة ووقع فى غرام الأزياء القبطية بمجرد رؤيتها، كذلك أدخل الزخارف القبطية فى تصميماته الحريرية بشكل مبهر.