رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التدين وبناء الشخصية المصرية

مرت وتأثرت الشخصية المصرية طوال التاريخ المصرى الممتد بكثير من العوامل والظروف والمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية  التى أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على التكوين الحضارى لهذه الشخصية سلبًا وإيجابًا . وكان العامل الدينى من أهم هذه العوامل تأثيرًا وتشكيلًا. والعامل الدينى هذا لا يقتصر على مراحل التدين بالأديان السماوية فحسب . فمصر تاريخًا ووجودًا وحضارة كانت قبل هذه الأديان . فمنذ أن كانت الأديان المصرية القديمة التى تأثرت بظروف الزمان وتشكلت بتأثير المكان كانت ظاهرة الدين والتدين هما الظاهرتين اللتين كانتا لهما التأثير المباشر فى تكوين هذه الشخصية ذلك التأثير الذى ما زالت جيناته تلعب دورًا حتى الآن بالرغم من تغير الديانة من المصرية القديمة إلى المسيحية إلى الإسلام . ولكن كان ولا يزال المشترك فى هذا التغيير وذاك التغير هو الإنسان المصرى. 
ولظروف تلك النشأة الحضارية ذات الخصوصية المصرية والتى خلطت بين الدينى وغير الدينى فكان الإله والكاهن والحاكم يتم التعامل معهم كوحدة واحدة تملك وتتحكم وتحدد المصير وكان هذا على أرضية الدين والتدين. ولأن الدين تغير على مدى التاريخ ولكن ظلت فكرة التدين هو السمة المشتركة لكل المصريين أيًا  كانت ديانتهم. والتدين هنا كما نقول دائمًا هو فكر وتفسير واجتهاد وتأويل النص الدينى المقدس . أى هو فكر واجتهاد بشرى يقبل للصواب وللخطأ وليس مقدسًا ذات قداسة النص . ولكن خلط التدين بالدين ومزج المقدس بغير المقدس. هنا أصبح هذا الفكر الدينى خطأ هو الدين . وهذه هى الإشكالية الحقيقية لمفهوم تصحيح الفكر الدينى وليس الخطاب الدينى . كما أن هذا التدين (الفكر الدينى) قد تأثر كثيرًا بالتراث والموروث من العادات والتقاليد والأقوال والأساطير، ولذا قد أصبحت السمات الأكبر لفلسفة وخلفية هذا الفكر سمات مشتركة فى الغالب لمعتنقى الأديان، بالرغم من تعدديتها . فهل يمكن أن نقول إن احتفالات المصرى القديم بمناسباته الاجتماعية والدينية هى ذات الاحتفالات التى لا تزال بالأولياء والقديسين؟ أما دور رجل الدين وخلط هذا الدور بالدين خاصة فى إطار قداسة الدين لأى متدين هو الذى مهد الأرضية لقدوم وتشكيل الكهنوت المسيحى الذى استغل هذا الشكل التدينى حتى انتشرت المسيحية بأسرع مما كان من أى جغرافيا أخرى. فتحول الكهنوت المصرى القديم إلى الكهنوت المسيحى والمعبد إلى كنيسة والتثليث المصرى (إيزيس وأوزوريس وحورس) إلى عقيدة التثليث المسيحية وكانت علامة الحياة المصرية القديمة هى ذاتها التى أخذت شكل الصليب. ولذلك  فبالرغم من عدم وجود ما يسمى بالكنهوت فى الإسلام (رجال دين) نجد وعلى مر التاريخ ومنذ دخول الإسلام مصر يتم التعامل مع علماء الدين (وهذا هو المسمى الإسلامى) وكأنهم رجال كهنوت وهذا لا شك تراث تدينى مصرى قديم وموروث وما زال يفعل فعله. ومن الظواهر التدينية الأخرى هى تعظيم الحاكم والخضوع له، وفى كل الأحوال على اعتبار أن هذا الخضوع من ملتزمات الدين والتدين .(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) وهذا مع وجود (من رأى منكم منكرًا) . كما أنه وبالرغم من (حبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم) مسيحيًا، فعند محاكمة السيد المسيح قام جندى رومانى بصفع المسيح على وجهه فقال له السيد المسيح: لماذا تصفعنى أى ذنب فعلت؟ بالرغم من وجود (من ضربك على خدك الأيمن حول له الآخر).
وهذا وغيره كثير يؤكد أن التدين المصرى بشكل عام قد تأثر بظروف تاريخية ومراحل زمنية متعددة ومتباينة كثيرة تحولت إلى تراث دينى يأخذ شكل المقدس . ولذا ونحن فى إطار الدعوة إلى إعادة تكوين الشخصية المصرية فى ظل متغيرات عالمية وعلمية وسياسية أسرعت وتسرع لمتغيرات متلاحقة تختصر الزمن، مما يجعلنا نأخذ القضية باهتمام أكبر وبرؤية أعمق لتنقية التراث المصرى الذى نعتز بإيجابياته الرائعة التى شاركت وساهمت فى تشكيل الشخصية الحضارية المصرية مسقطين السلبى وغير الإيجابى حتى نعيد تشكيل الشخصية المصرية بما يتوافق مع مصر الحضارة والتاريخ والحاضر .. حمى الله مصر وشعبها العظيم.