رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصباغ: من المستبعد نشوب حرب نووية أو كيماوية حاليا بأوكرانيا

الحرب الروسية الأوكرانية
الحرب الروسية الأوكرانية

كشفت وزارة الدفاع الروسية، عن تخطيط الولايات المتحدة وحلف الناتو لاستفزاز موسكو في أوكرانيا باستخدام مواد كيميائية سامة وإشعال حرب كيماوية.

فى هذا السياق، قال الدكتور أشرف الصباغ المحلل السياسي والمختص فى الشأن الروسي: من الواضح أن الحرب الإعلامية بين روسيا والغرب ذهبت منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مسارات بعيدة من حيث الدعاية الملازمة لأي حرب. 

وأضاف الصباغ فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن وسائل الإعلام الروسية منذ بداية الحرب لعبت دورا كبيرا في الترويج للحرب الكيماوية والنووية، ولكن حتى الآن، ومع دخول الحرب عامها الثاني، لم يحدث أي شيء من هذا القبيل، ومن المستبعد أن تنشب حرب نووية ولو حتى جزئية، بصرف النظر عن التصريحات والتهديدات المتكررة من جانب موسكو بشأن أنه في حال هزيمة روسيا في أوكرانيا بالأسلحة التقليدية، فليس من المستبعد استخدام روسيا للأسلحة النووية. 

وتابع الصباغ: “علينا أن نفرق بين تزويد القوات القتالية والمدنيين بأدوية مضادة للمواد الكيماوية والإشعاعات وبين تزويد القوات بأسلحة ومواد كيماوية، فغالبية دول العالم تمتلك مواد كيماوية، وهناك دول كثيرة لديها أسلحة كيماوية، سواء ضمن ترسانات الأسلحة أو ضمن نشاطات الأبحاث وتطوير العلوم، وبالتالي، يسهل الترويج للدعايات والشائعات، وخصوصا في أوقات الحروب، أما تزويد المدنيين والعسكريين بأدوية مضادة للمواد الكيماوية والإشعاعات، فهذا أمر طبيعي في ظل الحروب، خاصة إذا كانت هذه الحروب تدور بين قوى تمتلك إحداها أو جميعها ترسانات كيماوية وإشعاعية نووية أو غيرها، وإذا لاحظنا، فإن الدول الغربية عادة ما تكون حريصة على توفير مثل هذه الأدوية ضمن كافة الإمدادات والاحتياطيات الطبية، لأن بعض الأسلحة العادية والتقليدية يمكنها أن تستخدم قذائف فيها مواد سامة أو كيماوية أو مشعة، وعلى الرغم من أن هذه الأسلحة والقذائف ممنوعة دوليا، إلا أنه يتم استخدامها بطرق كثيرة ملتوية، وأعتقد أن لا روسيا ولا أوكرانيا تستخدمان حتى الآن أي من هذه القذائف”.

سيناريوهات الفترة المقبلة 

وأشار الصباغ إلى أن روسيا لديها ترسانات أسلحة نووية وكيماوية، ولديها تقنيات وأبحاث حول هذه المواد، ولكن على حد اعتقادي، فروسيا تدرك جيدا عواقب استخدام هذه الأسلحة والمواد، أما أوكرانيا فقط تنازلت عن أسلحتها النووية لروسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مقابل ضمانات أمنية صارمة من جميع القوى الدولية، وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة وبقية أعضاء الأسرة الدولية، ومقابل عدم التعدي عليها أيضا أو الإضرار بأمنها وسلامة أراضيها، وعلى الرغم من هذه الخطوة المهمة، إلا أن أوكرانيا لم تتوقف عن أبحاثها العلمية وصناعتها المرتبطة بالمجالين النووي والكيماوي، والمعروف أن أوكرانيا كانت تشغل المرتبة الثانية بعد روسيا، إبان وجود الاتحاد السوفيتي، من حيث التقدم العلمي التقني، والأبحاث العلمية، والمنشآت النووية والكهروذرية، أي أن أوكرانيا كدولة كاملة السيادة كانت تواصل نشاطاتها في كل المجالات العلمية، ما عدا امتلاك وتطوير القدرات النووية المادية المباشرة على الأرض. 

وتابع: "خلال العام الأول من الحرب الروسية الأوكرانية، لا حظنا بشكل دوري التصريحات الروسية التي "تتنبأ" و"تتكهن" و"تستبق الأحداث" بشأن استخدام أوكرانيا أسلحة كيماوية أو قنابل قذرة وكانت الدعاية تصل إلى أن الغرب يزود أوكرانيا بأسلحة كيماوية أو أن الغرب يمد أوكرانيا بأدوية مضادة للمواد السامة والمواد الكيماوية وكانت وسائل الإعلام تعتمد منطقا قسريا وصيغا ملتوية لتوجيه الأمور وربطها بشكل تعسفي بأن إرسال أدوية غربية إلى أوكرانيا هو دليل على أن أوكرانيا أو روسيا ستستخدمان أسلحة كيماوية ولكن في واقع الأمر، من المستبعد حتى الآن اللجوء إلى أي من هذين السلاحين، لأن أوكرانيا ليست بعيدة عن روسيا، وليست بعيدة أيضا عن دول حلف الناتو، واستخدام أي من السلاحين، أو أي أسلحة مشابهة، سينتهي بكارثة حقيقية. والدولتان العظمتان وغيرهما يعرفون ذلك جيدا". 

وأكد الصباغ أن الترويج لاستخدام الأسلحة الكيماوية أو استخدام الأسلحة النووية في الحرب الروسية الأوكرانية يشكل أحد أدوات ومحاولات إبعاد الأنظار عن الأزمة الحقيقية، ألا وهي الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوجيه الاهتمام إلى قضايا افتراضية من جهة، وفرعية من جهة أخرى، للتغطية على الأزمة الرئيسية والمشكلة الأساسية، وإغراق الرأي العام في تفاصيل "افتراضية" و"وهمية"، وغالبا ما يتم الوصول إلى استنتاجات قسرية ملتوية أو التلاعب بالكلمات والصياغات، ودفع الرأي العام إلى مشاكل افتراضية ونظرية للتغطية على ما يجري على الأرض من جهة، ولإبعاد الأنظار عن الأسباب والأزمات الحقيقية. 

وتابع: "اليوم حذرت وزارة الدفاع الروسية من أن الولايات المتحدة تخطط لتنفيذ استفزاز باستخدام مواد كيميائية سامة في أوكرانيا، وتحميل روسيا مسؤولية الحادث، وهذا مثال لما نتحدث عنه من دعاية وبروباجندا مصاحبة للحروب وتصفية الحسابات وتوجيه الرأي العام إلى مشاكل افتراضية، والغريب أن هذه التصريحات لم تصدر عن وسائل الإعلام أو عن مصادر مجهولة كالعادة، وإنما عن قائد قوات الحماية من الإشعاعات والمواد الكيماوية والبيولوجية التابعة للقوات المسلحة الروسية إيجور كيريلوف الذي ربط بين تصريح صدر عن السفير الأمريكي السابق لدى موسكو جون سوليفان في 22 فبراير من العام الماضى، خلال مشاركته في ندوة أقامتها منظمة غير حكومية أمريكية، بأن "القوات الروسية تخطط لاستخدام الأسلحة الكيماوية" في منطقة العمليات العسكرية في أوكرانيا. وذهب إلى أن موسكو "تعتبر هذه المعلومات دليلا على نية الولايات المتحدة نفسها وأعوانها لتنفيذ استفزاز في أوكرانيا باستخدام مواد كيميائية سامة"!

وأوضح الصباغ أن الجانبين الروسي والأمريكي يستخدمان نفس "المصطلحات" مثل كلمة "تنوي" و"تفكر" و"تخطط" و"نعتقد" و"نتوقع" من أجل الوصول إلى نتائج تبدو و"كأنها الحقيقة والواقع"، وفي نهاية المطاف يتم إغراق الرأي العام الدولي ووسائل الإعلام في مستنقع التكهنات والتنبؤات القسرية والافتراضية، بينما المشاكل الحقيقية قائمة وأسباب الأزمة قائمة والحرب تحصد آلاف الأرواح وتدمير عشرات المدن والبنى التحتية. 

وأكد أن هذا الكلام لا يعني استبعاد الاستخدام الجزئي أو الكلي للأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وربما أيضا للأسلحة النووية فنحن في حرب متعددة السياقات والمستويات وأطرافها تمتلك ترسانات من الأسلحة المختلفة ولكن سياقات استخدام أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الاستراتيجية بعيدة تماما على الأقل الآن، وربما لعدة سنوات مقبلة من هذه الحرب التي من الواضح أنها ستطول أما إصرار الدعايات الروسية والغربية على صرف الانتباه عن المشاكل الآنية وعن الأزمات الحقيقية، فهو أمر يثير الشكوك حول جدية الطرفين الروسي والأمريكي، ويغطي على مسؤوليتهما عن ضمان أمن أوكرانيا التي سلمت أسلحتها النووية إلى روسيا مقابل ضمانات أمنية لم تتحقق.