رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصباغ: القوانين الأوروبية تسمح لمواطنيها بالتظاهر دون وجود تأثير على العمليات العسكرية

أشرف الصباغ
أشرف الصباغ

تشهد عدة دول أوروبية مظاهرات حاشدة؛ احتجاجًا على استمرار الحرب في أوكرانيا وركزت المظاهرات على صياغة رغباتها في مطلب رئيس يستهدف وقف كييف بالأسلحة لما في ذلك من إطالة لأمد الحرب واستمرار معاناة الغرب من ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم.

 

قال الدكتور أشرف الصباغ المحلل السياسي إنه، من الطبيعي أن يخرج المواطن الأوروبي والأمريكي للتظاهر بسبب ارتفاع الأسعار والتضخم وكل السياسات الاقتصادية التي تعمل على تدني مستواه المعيشي وإفقاره، والدساتير الأوروبية والأمريكية تسمح بذلك. 

 

وأشار الصباغ، لـ"الدستور" إلى أن هناك أحزاب كثيرة في أوروبا والولايات المتحدة مهتمة بالبيئة والمناخ كأولويات بصرف النظر عن أعداد الذين ينتمون إليها، وكل هؤلاء المواطنين يعبرون عن آرائهم بالتظاهر والاحتجاج وفق القانون والدستور، إضافة إلى أن هناك أحزابا سياسية كبرى ونقابات عمالية وأهلية تعمل وفق منظومة قانونية وجماهيرية منضبطة تحافظ على الدولة من جهة وتعبر عن مواقفها بالاحتجاج والتظاهر من جهة أخرى. 

 

وتابع الصباغ "لا شك أن الحرب الأوكرانية أثرت على اقتصادات جميع دول العالم بدرجات متفاوتة، وعلى رأس هذه الدول، روسيا وأوكرانيا المنخرطتان في الحرب المباشرة، لكننا نرى مظاهرات محدودة يشارك فيها عدة مئات من المواطنين في الدول الأوروبية والولايات المتحدة أيضا. لكننا على سبيل المثال لا نرى أي مظاهرات ضد ارتفاع الأسعار والتضخم في روسيا نفسها على الرغم من ارتفاع نسبة التضخم وزيادة الأسعار في جميع المجالات، وعلى رأسها مجالات الطاقة والمحروقات والمواد الغذائية والمواصلات".

 

وحول ما نشاهده من تظاهرات في الغرب تضم أعداد بالمئات من المواطنين، قال الصباغ إنه أمر طبيعي لكن تضخيم الأمور وخلطها، واستخدام تصريحات منفردة من مواطن أو مواطنة لا يمكن الاعتماد عليها كمسوغ لتغيير سياسة الدولة في المجالات العسكرية والسياسية والأمنية، مؤكدا أن حق التعبير مكفول للجميع وهناك برامج اقتصادية واجتماعية لتعويض المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم للتغلب على التضخم وارتفاع الأسعار، على الرغم من أن المواطن الأوروبي والأمريكي تضرر بالفعل من نتائج وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، لأن بلاده تشارك بإمدادات مالية واقتصادية وعسكرية لأوكرانيا وهناك دول أوروبية رفعت من ميزانيات الدفاع خوفا من تكرار ما حدث في أكرانيا معها.

 

وأوضح الصباغ أن روسيا كانت تراهن على حدوث مشاكل اقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة، تؤثر على مستوى رفاهية المواطنين، ومن ثم تحدث بلبلة سياسية، وتبدأ الأنظمة الأوروبية في السقوط، أو حتى تنهار دول أوروبية، ولكن هذا لم يحدث بل حدث العكس وعادت أسعار الغاز والنفط إلى مستوياتها الطبيعية قبل الحرب الروسية الأوكرانية، ومع ذلك فموسكو لا تزال تعول على حدوث هزات سياسية واقتصادية ومظاهرات وسقوط وانهيار دول أوروبية، بالضبط مثلما كان الاتحاد السوفيتي يعول على ذلك طوال 70 عاما، ولكننا كما نعلم، فالاقتصادات الغربية قوية ومرنة ومعززة باحتياطيات مالية وتكنولوجية ورقمية، وأصول وملكيات فكرية، وطرق إدارة وقوانين. 

 

وأكد الصباغ أنه من الطبيعي أن تستمع الحكومات الأوروبية والأمريكية إلى مواطنيها الذين يتظاهرون أو يعلنون عن آرائهم ومواقفهم، سواء كانوا من الأغلبية أو من الأقلية، وهذا المبدأ هو أحد أهم المقومات التي تعزز أنظمة الحكم في الغرب، وتعمل على تماسك الدول وحيويتها، وتقوي من انتماء المواطنين ومن شعورهم بالمسؤولية تجاه المصالح الكبرى لبلادهم.

 

وحول ما يتم تناوله في وسائل الإعلام بشأن "الشعارات" التي يرفعها البعض حول "الخروج من الناتو" أو "دعم الغزو الروسي أوكرانيا" أو "منع دعم أوكرانيا" أو "وقف توريد السلاح لأوكرانيا"، قال الصباغ إن هذا ينطوي على مبالغات شديدة ومضللة، لأن غالبية المواطنين في الغرب لا يتحركون إلا عندما تمس السياسات الاقتصادية مستوى معيشتهم بشكل مباشر.

 

وأشار الصباغ إلى أن العديد من المواطنين الأمريكيين، والشخصيات العامة، والأعمال السينمائية كانت ضد الغزو الأمريكي لفيتنام ورأينا كم انتقد المجتمع الأمريكي والأوروبي الحرب الأمريكية الفيتنامية، ولكن هذا لم يؤثر على سير المعارك إلى أن خرجت القوات الأمريكية من هناك، بينما لم يسمع أحد كلمة عن دعم الاتحاد السوفيتي آنذاك لفيتنام أو لأنظمة شمولية واستبدادية كانت تدمر بلادها وشعوبها.

 

وأكد الصباغ أن القوانين والدساتير الأوروبية تسمح لمواطنيها بالتظاهر والاحتجاج، ولكن من الصعب أن يؤثر ذلك على سير العمليات العسكرية في هذه الحرب أو تلك، لأن المسألة بالنسبة للدول الأوروبية ولأمريكا، مسألة مستقبل، بل وغالبية المواطنين في الغرب يدركون خطر تعرضهم وتعرض دولهم لعمليات مشابهة لما قامت به روسيا في أوكرانيا.

 

وقال الصباغ في الواقع ظهر الكثير من التحقيقات والدراسات الميدانية والاجتماعية والسياسية، أجمعت فيها العينات التي تم أخذ رأيها، بأنها ترفض الغزو والحرب، وتشعر بالخطر من تكرار ما حدث لأوكرانيا إن رفض الحرب ناجم أساسا من مخاوف التعرض لنفس الظروف، وليس دعما لروسيا أو إدانة للحكومات الأوروبية، ولكن وسائل الإعلام تتلاعب بالشعارات، وتوجه الرأي العام وفقا لتوجهاتها وموالاتها وانحيازاتها، وتصنع صورا ذهنية للترويج لسرديات طرف معين من خلال رأي مواطن أو مواطنة أو المبالغة في "تدوير الصور والأحداث".

 

الصباغ: روسيا أدت خدمة تاريخية لدول الاتحاد الأوروبي وأجبرتها مجددا على التعاضد والاصطفاف وزيادة ميزانيات الدفاع

وحول الوضع السياسي، قال الصباغ أدت روسيا خدمة تاريخية لدول الاتحاد الأوروبي وأجبرتها مجددا على التعاضد والاصطفاف وزيادة ميزانيات الدفاع والعلوم والصناعة والتأمينات الاجتماعية والطبية، وكان من الممكن أن يسقط الاتحاد الأوروبي ويتفكك بسبب الترهل والبيروقراطية والفساد، لقد أيقظ الغزو الروسي لأوكرانيا حلف الناتو والغرب كله ودفعهم إلى التقارب وتحييد التناقضات والخلافات، ونحن الآن نشهد كيف يتغلب هذا الغرب على مشاكله، ويدير تناقضاته وتفاهماته، والأهم من كل ذلك، أن غالبية المواطنين في الغرب يضعون حريتهم ومستوى معيشتهم ومستقبل أولادهم وبلادهم مقابل الغزو الروسي أو أي مغامرات يمكن أن تقوم بها روسيا لتدمير منجزاتهم ومنجزات بلادهم.

 

 وفي الحقيقة، لا أحد يتصور أن يتنازل المواطن الأوروبي عن حريته ورفاهيته أو عن مستوى معيشته أو عن المنجز الأوروبي خلال القرنين الأخيرين من أجل مساندة روسيا أو مساندة غزو دولة لدولة. 

 

واختتم الصباغ تصريحاته قائلا: "هناك عقد اجتماعي بين الحكومات الأوروبية وبين شعوبها يتمحور حول توفير الحرية والرفاهية والأمن، مقابل ترك السياسة الكبرى لإدارة الدولة، ولكن هذا العقد لا يحرم المواطنين من التظاهر والاحتجاج وبالتالي، لن تغير أي مظاهرات أو احتجاجات مسار العمليات العسكرية في أوكرانيا أو تؤثر عليه.