رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تقرير: الفقراء فى باكستان يدفعون ثمنًا باهظًا للصعوبات الاقتصادية

باكستان
باكستان

تمشي نادية ساعة يوميًا من منزلها إلى حيث تعمل، وتتوقّف كثيرًا خلال هذه الرحلة في شوارع لاهور المزدحمة حتى تتمكن والدتها من إراحة ساقيها المتعبتين. فهذه الفتاة أجبرت على ترك المدرسة العام الماضي لتساعد أمها في إعالة أسرتها في باكستان الغارقة بالأزمات.

وقال الوالد محمد أمين، وهو حارس أمن يتقاضى 18 ألف روبية (64 يورو) شهريا "إنها ابنتي، لكن لم يكن أمامنا خيار آخر. ما سيحدث بعد ذلك متروك لله".

تسير نادية ووالدتها إلى المنزل التي تعملان فيه لتوفير تكاليف النقل، وهو خيار شائع في باكستان، حيث تشعر ملايين العائلات بوطأة الأزمة الاقتصادية.

فالبلاد على حافة الإفلاس بسبب سنوات من سوء الإدارة المالية وعدم الاستقرار السياسي، وهو وضع فاقمته أزمة الطاقة العالمية والفيضانات المدمرة الصيف الماضي، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

تحتاج باكستان الغارقة في الديون إلى تبني إجراءات تقشفية على أمل إقناع صندوق النقد الدولي بصرف قرض آخر بقيمة 6,5 مليار دولار لتجنب التخلف عن السداد.

هذا الأسبوع، زادت الحكومة الضريبة على سلع فاخرة مستوردة وخدمات، قائلة إنها تريد تحميل الأثرياء العبء.

لكنها خفّضت كذلك دعم أسعار الوقود وزادت ضريبة عامة على السلع والخدمات، وهما إجراءان سيؤثران على الأسر ذات الدخل المنخفض.

وقالت ميراج زوجة محمد "نحن غير قادرين على تغطية نفقاتنا، إذ يجب دفع ثمن الغاز والكهرباء والمصاريف المنزلية. فكيف سنتمكن من وضع نادية في المدرسة؟".

في باكستان التي تتذيّل باستمرار التصنيفات العالمية للتكافؤ بين الجنسين، تعد الفتيات تقليديًا أنهن عبء مالي بسبب المهر الذي يتوجّب على والدَي العروس دفعه.

استثمر محمد في تعليم بناته الست وأرسلهن إلى مدرسة خاصة رخيصة الأقساط بدلًا من إرسالهن إلى مدرسة عامة مجانية، آملًا في أن ينتشلن الأسرة من دائرة البؤس اللامتناهية.

لكن مصيرهن تغيّر في العام 2015 عندما أصيب محمد الذي كان يتقاضى راتبًا جيدًا نسبيًا كعامل، في حادث سير وأجبر على العمل في وظيفة أقل مشقة لكن أقل أجرًا.

ودفعه ذلك إلى الطلب من زوجته أن تعثر على عمل، لكن حتى مع الدخل الإضافي التي كانت تجنيه ميراج، لم تتحسّن ظروف الأسرة في مواجهة التضخم المتصاعد.

وقال محمد "كان علينا أن نجبر نادية على التوقف" عن الدراسة في نهاية المرحلة الابتدائية.

ونظرًا إلى أنها الفتاة الكبرى في العائلة، كانت نادية مسئولة عن الاهتمام بشقيقاتها ما جعلها غير قادرة على تأدية واجباتها المدرسية، وبالتالي، تأخّرت مدرسيًا، وهو أمر شائع أيضًا في باكستان.
يدفع رب عمل ميراج الرسوم المدرسية لشقيقات نادية الصغيرات. لكن رغم ذلك، قد تضطر كبرى شقيقاتها البالغة 13 عامًا على ترك المدرسة قريبًا.

وقالت نادية التي تأمل من خلال مساعدة والدَيها في منح شقيقاتها مستقبلًا أفضل "لا يمكننا تغطية نفقاتنا. لهذا السبب أعطي كل الراتب الذي أتقاضاه لوالدتي".

والأربعاء، أعلن الرئيس الباكستاني عارف علوي أن نصف الأطفال الباكستانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و16 عامًا معرضون لخطر الاضطرار لبدء العمل أو التسول.

يعيش أكثر من 20% من حوالى 220 مليون باكستاني تحت خط الفقر الوطني، وفقًا لبنك التنمية الآسيوي وصندوق النقد الدولي فيما يزيد التضخم الذي يبلغ حوالى 30 % الوضع سوءًا.

كذلك، فإن فجوة الثروات ضخمة والتهرب الضريبي الذي يمارسه الأغنياء متفشٍ. وبالتالي، لا تتجاوز الإيرادات الضريبية 9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط 20% في آسيا.
تكتفي عائلة نادية بوجبتين يوميًا. توقفت عن شراء الحليب واعتبرت أن اللحوم سلعة فاخرة لا يمكن الحصول عليها.

وقالت ميراج "نحن لا نشتري الدقيق، لكننا نحرص على شراء كتب الأطفال المدرسية (...) وأشياء أخرى مثل الزي المدرسي".

وفقًا لإحصاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لا تُصنف الأسرة من أفقر العائلات، لكنها تعيش في كفاح مستمر.

لكن حتى إذا تمكّنت البلاد من إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي وحصلت على مساعدات من دول صديقة، سيستغرق الأمر شهورًا في أحسن الأحوال حتى يستقر الاقتصاد.